مهيبة خورشيد… في معنى الهوية والحياة في ظلال فلسطين

زخر تاريخ الكفاح الوطني الفلسطيني الطويل بإيقونات نسائية، كان لها دور مميز في الحفاظ على الهوية الفلسطينية؛ من خلال مساهمات عديدة في مقدمتها تعليم الأجيال والتأكيد على أهمية الوعي الوطني الشعبي بغرض الدفاع عن الوطن.
وهنا نستحضر اسم الراحلة مهيبة خورشيد كإحدى الأيقونات، التي عملت على جبهتي التوعية الفكرية والكفاح المباشر؛ وقد أسست منظمة “زهرة الأقحوان” مع أختها لمساعدة الفقراء ودعمهم لمواجهة الهجمة الصهيونية التي استهدفت منذ البداية تغييب الهوية الوطنية الفلسطينية ومن ثم تهويد الزمان والمكان لفرض الرواية الصهيونية.
وجاءت تسمية “زهرة الأقحوان” للدلالة على أهم الزهور الموجودة بكثرة في مناحي فلسطين التي تعتبر أحد أهم معالم هويتها.

محطاتها التوعوية

في حنايا أرض البرتقال الحزين (يافا )؛ ولدت مهيبة خورشيد في عام 1921، وترعرعت في ظل اسرتها وملتقى الطفولة على حب الوطن. درست في المعهد العالي للمعلمين في القدس. وعقب حصولها على دبلوم المعلمين، عادت أدراجها مرة أخرى إلى مسقط رأسها مدينة يافا لتبدأ رحلتها المهنية في تعليم الفتيات في المدارس الثانوية التي شهدت جهودها في غرس روح الوطنية في نفوس الطالبات.
وكغيرها من أهالي يافا، انتقلت مهيبة للعيش في مصر كلاجئة فلسطينية، حيث تزوجت وامتهنت التدريس؛ ولم يُسمح لها بالعودة إلى مسقط رأسها، شانها في ذلك شأن كافة اللاجئين الفلسطينيين.


وقد توفيت في القاهرة خلال عام 2000، وذلك في أعقاب عمليات التطهير العرقي التي تعرضت لها مدينة يافا.
وكانت سياسات التطهيرالعرقي الصهيوني التي مورست من قبل العصابات الصهيونية بحق المدينة عام 1948، قد دفعت أكثر من خمسين ألفًا من السكان البالغ عددهم سبعين ألفًا إلى التهجير القسري من منازلهم وبلدتهم.
يا لحظ المتابع لجغرافية فلسطين وأهم المزروعات فيها، بأن ينبت من أرضها الخصبة ثلاثة آلاف نوعٍ من الأزهار، ومنها زهرة الأقحوان، التي أحببتها مَهيبة خورشيد، التي كانت تعمل كمعلمة في مرحلة الثانوية في يافا، في وقت كانت تتمتع فيه بسماع الموسيقى، لتشرح لطلابها في كل حصة دراسية معنى الهوية الوطنية الفلسطينية والعيش في ظلال وجمال الوطن الفلسطيني.
ولم تتوقف عند ذلك الحد، فقد شكلت منظمة نسائية “زهرة الأقحوان” وكانت تدافع عن وطنها بالسلاح خوفاً من الضياع.
وكانت البداية عندما كانت مهيبة عائدة إلى منزلها من فصول التدريس في يافا ، حيث رأت طفلاً، تلميذًا صغيرًا كان يُمسك بيد أمه قبل أن تغتاله رصاصة صهيونية حاقدة، سرعان ما انتفضت المعلمة، ولم تستكن الراحلة مهيبة خورشيد، منطلقة مع العشرات من جيلها للتصدي للعصابات الصهيونية المدعومة من المحتل البريطاني.

سيرة كفاح طويل

من خلال قراءة سيرتها، يمكن الجزم أن الشغل الشاغل للراحلة لمهيبة خورشيد ، كان غرس الوطنية في نفوس طلابها؛ وفي وقت كانت تعشق فيه آلة الكمّان والبرتقال اليافاوي، اضطرت الراحلة كأي شاب فلسطيني إلى حمل السلاح ومواجهة المحتل الصهيوني الغازي، وشُدّ أزرها شقيقتها ناريمان خورشيد؛ التي كانت تصغرها بست سنوات، فكانت بالعشرين من عمرها آنذاك حينما صارت بمثابة صوت “زهرة الأقحوان”، وتلقي خطابات تعبوية ضد العصابات الصهيونية، تخطها لها مسبقاً الأخت الأكبر مَهيبة ، لتصبح لسان حال المنظمة النسائية الأشهر “زهرة الأقحوان”في تاريخ الكفاح النسوي الفلسطيني بكافة صوره الساطعة والماثلة للمتابعين والباحثين في القضية الفلسطينية ومراحل تطورها المختلفة.
تعتبر الراحلة مهيبة خورشيد من أوائل النساء الفلسطينيات اللواتي رسخنّ الهوية الوطنية الفلسطينية من خلال مهنة التدريس، إلا أن ظروف دفعتها لدعم الشباب الفلسطيني لمواجهة المحتل الصهيوني والدفاع عن فلسطين وشعبها، جنباً إلى جنب مع جمع التبرعات لشراء الأغذية الضرورية للمحتاجين.
ولم يتوقف نشاطها عند هذا الحد، بل عرفت مهيبة بخطاباتها الوطنية الحماسية التوعوية في التظاهرات ضد المحتل البريطاني الذي أسس لقيام الكيان الصهيوني عبر وعد بلفور مرورا باحتلال فلسطين من قبل بريطانيا خلال الفترة (920-1948) ، وصولاً الى إنشاء الكيان الصهيوني على (78) في المائة من مساحة فلسطين التاريخية، وطرد (850) ألف فلسطيني بقوة البطش والمجاز ليصبحوا لاجئين، ومن بينهم الراحلة المناضلة مهيبة خورشيد التي هجرت وعائلتها إلى مصر وتوفيت فيها؛ لكنها قبل الرحيل الأخيرتابعت فصول الانتفاضة الفلسطينية الأولى عندما واجه أطفال فلسطين بحجارتهم جبروت المحتل الصهيوني وآلته العسكرية ، وكانت تردد “سنرجع يا يافا”. وشعب فيه أيقونة كفاح نسائية كمهيبة خورشيد لابد أن ينتصر؛ طال الوقت أم قصر .

عن القدس العربي

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *