مهنّد عبد الحميد يخلط الحابل بالنابل مجدّداً!


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

كما في مقاله الأول («الأيام «29/12)، فإن المقال الثاني للصديق مهند عبد الحميد («الأيام» 12/1) جاء على نفس النهج، بليّ عنق الأفكار، التي طرحتُها (مادتي في «ملتقى فلسطين» حول الخيارات الفلسطينية…24/12)، بحسب ما يريد، وتقويلها ما لم تقله، وفوق هذا وذاك فهو أتى، مجدّداً، بردّ لا يفيد بتفنيد ما طرحته، بقدر ما يخدمه.

يقول مهند: «بنت حركة التحرر الفلسطيني استراتيجية التحرير الكامل…لكنها أحدثت تعديلاً في البرنامج والهدف المركزي بعد إدراكها أن التحرير الكامل غير قابل للتحقيق ولا حتى للتأييد من قبل الكتل الأساسية الحليفة للشعب الفلسطيني، لم يعد ذلك الهدف يحظى بدعم عربي… وبالمثل كان موقف المعسكر الاشتراكي، والاتحاد الأوروبي، ومنظومة عدم الانحياز والاتحاد الإفريقي». في حين إنه مثلي يعرف، كشاهد على تلك الفترة، أن تلك النقلة (التعديل) لم تحظ على إجماع فلسطيني، وإنها أحدثت انقساماً في الحركة الوطنية الفلسطينية، وضمنه في «فتح»، التي لم تعترف بتلك النقلة في وثائقها، بدليل إنها لم تقرّها في مؤتمرها الرابع (دمشق 1980)، وفقط تم تمريرها في مؤتمرها الخامس (تونس 1988)، أي بعد الخروج من لبنان، وانهيار ظاهرة العمل الفلسطيني المسلح في الخارج. ثم إن ذلك البرنامج أحدث تصدعاً في وجدان الفلسطينيين وإجماعاتهم وتشوشاً في إدراكهم لذاتهم كشعب، نعم ثمة من أيد البرنامج لكن ثمة قطاعات واسعة لم تؤيده أيضاً.

أما في شأن الوضع العربي، وموقف المعسكر الاشتراكي والاتحاد الأوروبي وآسيا وأفريقيا الخ، فالسؤال الى مهند: ما الذي حصل إذاً؟ فما دامت كل تلك القوى ساندت ذلك الخيار فلم لم يتحقق؟ الواضح هنا أن أصحاب ذلك الخيار كانوا يعولون على النظام العربي وعلى مساندة الاتحاد السوفييتي والاتحاد الأوروبي، أي أن ذلك الخيار تعلق بحبال من الوهم، من دون حوامل موضوعية أو واقعية، إذ لا يكفي إن تطلق على شيء ما صفة الواقعية حتى يصبح كذلك. وها نحن مع ذلك الخيار الحصري، الذي يعول على دعم العالم العربي والحلفاء الدوليين، بعد 46 عاماً، وما زلنا في سراب؛ وتلك هي الفكرة الأولى. الفكرة الثانية، مفادها أن مهند يصور الحركة الوطنية الفلسطينية بطريقة مثالية، أي كأن ذلك التحول في البرنامج حصل نتيجة حوارات وحراكات سياسية فلسطينية، في إطارات تشريعية، وفي مجتمعات الفلسطينيين، في حين أن ذلك البرنامج تم فرضه من فوق، على الطريقة المعهودة في العمل الفلسطيني، وتم إقراره في المجلس الوطني الفلسطيني الدورة (12 ـ 1974) والدورات التالية، أي بعد سبعة أعوام على حرب حزيران (1967)، نجم عنه وقتها تصدعاً في منظمة التحرير وفي إجماعات الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم؛ تماما كما تم فيما بعد فرض اتفاق أوسلو، فهل بات اتفاق أوسلو برنامجاً للإجماع الوطني الفلسطيني أيضاً؟ والفكرة الثالثة، أن مهند يتجاهل هنا مسألة أساسية وهي أن الحركة الوطنية الفلسطينية انطلقت قبل احتلال الضفة والقطاع (1967)، وإنها لم تطرح لدى انطلاقها أواسط الستينيات هدف إقامة دولة في تلك الأراضي، التي لم تكن تتبع إسرائيل كما نعلم، أي أن تلك الحركة الوطنية الفلسطينية أسست الإجماع الوطني على فكرة تحرير فلسطين، وانطلاقاً من فكرة أن الشعب الفلسطيني واحد في كافة أماكن وجوده، وليس على أي شيء آخر، بل إن أي شيء آخر هو كسر لذلك الإجماع.

هكذا، لا شيء واقعياً في الأفكار التي يقدمها مهند، فما الواقعي لخيار لم يتحقق بعد 46 عاماً غير انه تحول الى نوع من ايديولوجيا مغلقة، لا تريد الاعتراف بواقع إخفاق ذلك الخيار.

تلك المحاججة بالطبع ليس هدفها طرح خيار مقابل خيار، كما يفعل مهند، وهو ما أوضحته في مقالتي الأساسية، وفي ردّي السابق، وإنما هدفه استعادة الإجماع الوطني الفلسطيني، أي استعادة التطابق بين الشعب والأرض والقضية والرواية التاريخية، طالما أن كل الخيارات سواء، أي غير قابلة للتحقق، وغير واقعية، سواء كانت طوباوية أو اقل طوباوية (تبعا لفكرة كل شخص عن ذلك).

والحقيقة، فإنني، على عكس ما يدعي مهند،  لم اطرح البتّة أن خيار الدولة الواحدة هو الخيار الأسلم أو الأكثر واقعية أو الأقرب إلى التطبيق، فتلك سذاجة لا ادّعيها، ولا تخطر في بالي، ولا في خيالي، بل إنني اعتبرت أن كل الخيارات في ظروفنا وفي ظل المعطيات المحيطة المنظورة غير واقعية (سواء كانت دولة أو دولتين أو أي شكل)، وكتبت وقتها انه على المدى المستقبلي، التدريجي والكفاحي، فإن أي خيار يتطلب شروطاً مواتية، على رغم من اعتباري حل الدولة الواحدة كالحل الأفضل لنا ولهم. أيضا هنا يا عزيزي مهند عندما قلت في نصي «لنا ولهم»، فإنني قصدت اليهود الإسرائيليين، ولم أقصد أبداً إسرائيل كدولة كولونيالية، قامت كامتداد للمشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني العنصري، بل إن الخيار الذي تتمسك به أنت، وتصر عليه، رغم كل شيء، هو الذي ينطلق من التعامل مع تلك الدولة، والاعتراف بها، لذا فعندما تحدثت عن التداخل وعن الوضع الديمغرافي وشبكة الاعتمادية والمصالح المتبادلة فهذا هو مقصدي بالضبط، ولا أجد من اللائق محاولة الصيد في هذا المجال، فهذا هو الخلط بعينه. هذا المنطق يفرض طرح هذا السؤال عليك: هل إن قيام الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع في 22 بالمئة من أرض فلسطين يعني أن إسرائيل ستكف عن كونها دولة كولونيالية واستيطانية وعنصرية؟ وماذا عن باقي شعبنا من فلسطينيي 48 هل هم جزء من شعب فلسطين، أم هم جزء من شعب إسرائيل؟ وماذا عن اللاجئين الفلسطينيين هل هم جزء من شعب فلسطين أيضاً؟

في رده الثاني يسمح مهند لنفسه بالتخيل أن ثمة 150 دولة مع حل الدولة المستقلة، وهذا لا جدال فيه، وهو في غاية الأهمية، لكن عملياً ما الذي يعنيه ذلك على الأرض حقاً؟ ماهي تمثلاته؟ هل اقتلعت تلك الـ 150 دولة معبر قلنديا، أو مستعمرة صغيرة في الضفة، أو فتحت معبر رفح؟ أما بخصوص فكرتي عن أن تعاطفاً عالمياً مع حل الدولة الواحدة فقد طرحت ذلك كإمكانية في الرأي العام العالمي، وكتحدٍ أمام مجتمع الإسرائيليين، لأن دولة المواطنين الديمقراطية هي النموذج العالمي اليوم، ولا يمكن لأحد أن يعارض فكرة المواطنة والديمقراطية، إلا الأنظمة الاستبدادية.

أخيراً، نعم أي حل لا بد أن ينطلق من «انقلاب في وعي الإسرائيليين» وعن تغير في موازين القوى والمعطيات العربية والدولية لصالح الفلسطينيين، مهما كان شكل هذا الحل، دولة واحدة أو دولتين أو أي شيء آخر، وهذا ليس خيالاً، لأنه ينبني على كفاح وطني مسؤول، وتدريجي، يتأسس على رؤية وطنية جامعة تقوم على وحدة الشعب والأرض والقضية والرواية، وعلى كيان وطني جامع لكل شعب فلسطين في كل أماكن وجوده. لذا ليت العزيز مهند يعرفنا على الأوراق التي تفرض الخيار الذي يتمترس عنده، وكم 46 سنة يجب أن ننتظره كي يتحقق، أو كي يعزف عن ذلك الخيال/الوهم، وعندها سأرفع له القبعة.

  • عن “الأيام”
اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *