من هبة القدس إلى صواريخ حماس والجهاد
من الضروري التمييز بين الملح والأكثر إلحاحا والمهم والأكثر اهمية. ويستلزم التمييز بينهما تمييز مواز بين ما هو جزئي وما هو كلي، او بين ما هو وسيلي وما هو هدفي وبين ما هو لحظي آني وما هو استراتيجي وبعيد المدى. إن قبلنا إطار الفهم والتحليل هذا تصير الخارطة كالتالي: بدأ المشهد بهبة شعبية محلية لافتة واسعة الامتداد مع القدس بأقصاها وبالشيخ جراح، هبة حصدت تضامنا منقطع النظير، أربكت السلطة الإسرائيلية وزادت من شموخ الفلسطيني أخلاقيا وسياسيا، واستطاعت ان تكون مغناطيسا عظيم القوة لجمع شتات ولملمة فتات الفلسطينيين في المعمورة، وإعادة تجانسهم تحت يافطة “أنقذوا الشيخ جراح”. كل هذا جعل السلطة الاسرائيلية تتخبط وتتلعثم محليا وعالميا، حيث وضعها ذلك امام صعوبة كبيرة في تقديم التفسير لبشاعة ما تفعل. العالم بقرنه الاربعة امتعض من فاشية اسرائيل وزيف ديمقرطيتها وادعائاتها الحمائمية. حتى تلك اللحظة جاءت محصلة المنازلة 1 للفلسطينيين وصفر للسلطة الإسرائيلية.
أما دخول غزة (أو بالأحرى حماس والجهاد) بالصواريخ وليس بالمسيرات ويافطات التأييد والتحركات الشعبية فقد جاء ليغير المشهد الى مشهد آخر مغاير: اللقطة الاولى منه: صواريخ اسرائيلية فتاكة تحدث دمارا هائلا مقابل صواريخ حماس والجهاد (اي تمكين نتانياهو من اعطاء التبرير الاخلاقي لما يفعل).
اللقطة الثانية: غضب محلي وتعاطف خارجي لبشاعة الهجمات الإسرائيلية وحزن على الفلسطينيين كضحايا يلملمون أشلاء أجسادهم وبيوتهم ، وليس كضحايا تمييز عنصري بنيوي ومنظم وسياسة إسرائيلية استعمارية.
اللقطة الثالثة: تواري أو تراجع الزخم الشعبي (محليا وإقليميا وعالميا) المناهض للاجراءات الاسرائيلية في القدس (الاقصى والشيخ جراح).
اللقطة الرابعة والأكثر ايلاما: الغياب شبه التام للقيادة الفلسطينية والتي تدعي انها تمثل الفلسطينيين ما يترك الفلسطينيين يبدون كأيتام تتقاذفهم الانقسامات الداخلية.
اذا كان يجوز لنا تشبيه النجاح في مشروع التحرر بالنجاح بصناعة الموسيقى (سيمفونية مثلا) فإننا لا زلنا نفتقد ل 66% من متطلبات النجاح: البرنامج والقيادة. ان غياب النوتة والمايسترو لا يمكنا العازفين من صناعة الموسيقى.