من مقال: عن دور مصر وقطر في العملية التي شنها الاحتلال على غزة


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

براعم التعاون بين مصر وقطر في موضوع قطاع غزة لوحظت خلال عملية “حارس الأسوار”، حيث كانتا كلتاهما تنسقان – على خلاف الوضع الذي كان سائدًا في عملية “الجرف الصامد” (2014) عندما تنافستا على دور الوسيط، إسرائيل حينها فضلت مصر على قطر؛ على ضوء تعاملها الأساسي المعادي مع حماس، كحركة وليدة للإخوان المسلمين، والثقة بين المستويات الأمنية في كلا البلديْن، وروافع الضغط النابعة من قربها الجغرافي من القطاع – السيطرة على المعابر الحدودية في رفح وحركة الأفراد والبضائع إلى القطاع وتقدم عملية الاعمار في غزة. إسرائيل من جانبها، تمتعت على مر السنين من الدور المهدئ الذي أداه الدعم المالي القطري للقطاع (حوالي 5 مليار دولار في المحصلة) رغم الانتقادات الشعبية التي ضجت بالاحتجاج والاستنكار.
في أغسطس 2021، وحسب مطالبة إسرائيل، تمت بلورة منظومة جديدة لنقل الأموال القطرية إلى القطاع، بتدخل من مصر، والتي تمنع ظاهرة حقائب الدولارات لقادة حماس. وفق هذه الصياغة، المال القطري (عشرة مليون دولار في الشهر) يصب إلى حماس بطريقة ملتوية، وذلك من خلال الوقود الذي تشتريه قطر من مصر لصالح حماس. قطر، بسبب تدخلها على الساحة الفلسطينية، وسيما بسبب المساعدة المالية لقطاع غزة وحماس بصفتها الجهة السيادية فيه، لها روافع نفوذ وتأثير استغلتها منذ بداية عملية “بزوغ الفجر” لنقل رسائل الوساطة بين إسرائيل وحماس بشكل مباشر، وإلى الجهاد الإسلامي من خلال إيران.
حتى إن الوسطاء المصريين – وحسب تقرير صحفي – هددوا بأن إسرائيل ستوقف المساعدات القطرية للقطاع. التدخل القطري، وعلى شاكلة التصرف في عملية “حارس الأسوار” تم إلى جانب تدخل مصر، وحيث لا تشكّل الدوحة تحديًا لمصر كما في الماضي؛ دليل آخر على تحسن العلاقات. قطر كعادتها هاجمت إسرائيل (سيما في قناة الجزيرة) واستنكرت تصرفاتها، لكن ورد تقرير بأن قطر أيضًا أجرت حوارًا دبلوماسيا مع إيران، ربما بهدف أن تؤثر طهران على الجهاد الإسلامي للموافقة على وقف إطلاق النار.
لكل واحدة من الدول الوسيطة مصالحها الخاصة. مصر لها مصلحة أمنية (عزل الفصائل الفلسطينية الغزية عن العناصر الإرهابية في سيناء وعن الاخوان المسلمين في مصر، وضمان هيمنتها في القطاع أكثر من الجهات الإقليمية المنافسة)، مصلحة سياسية (استغلال مقام الوسيط من أجل تعزيز مكانتها في المنطقة وخارجها، وسيما الولايات المتحدة، وكذلك تأسيس مكانة النظام في الداخل كمدافع عن الفلسطينيين)، مصلحة اقتصادية (تتعلق بالشركات المصرية العاملة على إعمار القطاع، لزيادة التجارة بين مصر والقطاع وتعزيز الاستقرار الذي يبث بالإيجاب على الواقع في سيناء والمنطقة).
قطر من جانبها أرادت الدفع باتجاه وقف إطلاق النار بين إسرائيل والجهاد الاسلامي من أجل منع المساس بمجهود إعمارها في قطاع غزة، ومن أجل الاهتمام بنقاط الفوز، سيما في واشنطن، بصفتها مساهمة في الاستقرار الإقليمي، وكذلك تعزيز مقامها ونفوذها. يقدّر أن تقارب قطر المتجدد من مصر والسعودية أسهم في هذا الموقف المهدئ، ولولا العلاقات الطبيعية بينهما، لربما كانت قطر لتتحدى مصر. مسؤول أمني إسرائيلي رفيع قال أيضًا “في إسرائيل يعتبرون قطر كدولة ذات إمكانية كبيرة للمساعدة، ليس فقط في إعمار قطاع غزة؛ وإنما أيضًا في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي”. كما ورد تقرير يقول إن قطر بدأت في نقل الرسائل بين إسرائيل وحزب الله في موضوع حفارات الغاز في البحر المتوسط ورسم الحدود المختلف عليها بين البلديْن.

انعكاسات على إسرائيل
التنسيق المركز بين مصر وقطر يضاعف القوة لصالح البلديْن ويفتح الاحتمالات أمام إسرائيل أيضًا، يقدم للقاهرة قنوات نفوذ متنوعة عند اللاعبين المعنيين، وعلى رأسهم حماس، الجهاد الاسلامي وإيران، بفضل الرافعة المالية الضخمة التي تجلبها قطر معها. بدلًا من التنافس على مقام “الوسيط”، العمل المشترك يسمح لمصر ولقطر بتحديث نظرية العصا والجزرة (السياسية والمالية) التي في خدمتهما.
علاقات مصر مع قطر ليست مجرد علاقات اقتصادية وأمنية وثيقة، من شأنها أن تؤثر على تحديات إقليمية كثيرة، عدا عن قطاع غزة، من بينها إمدادات الطاقة، الأزمة في ليبيا، الحفاظ على أمن الملاحة البحرية في البحر الأحمر والملف الإيراني؛ بل إن هذا التقارب بالنسبة للقاهرة يتماشى مع المصالح الإسرائيلية، ويهدئ العناصر السلبية في السياسة القطرية. التعاون بين الاثنتيْن أيضًا يُمكن أن يسهم في عملية إعمار القطاع ويوفر لدى الطرفيْن روافع أخرى قبيل جولات التصعيد المستقبلية بين إسرائيل وحماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة.
من ناحية أخرى، التقارب المتجدد بين مصر وقطر من شأنه أن يشكل تحديًا لإسرائيل، لأنه يخلق واقعًا اقليميًا جديدًا: احتمال تشكل محور نفوذ، لا تتماشى سياسته على الدوام مع مصلحة إسرائيل، بل ومن شأنها أن تكون معاكسة. مثلًا، ربما قطر تشجع مصر على انتهاج خط أكثر تصالحيًا مع الاخوان المسلمين عمومًا، وحماس على وجه الخصوص. كذلك موطئ قدم قطر المتزايد من شأنه أن يؤثر سلبيًا أيضًا على علاقات إسرائيل مع الإمارات والبحرين، اللتيْن لا تزلان تتعاملان مع الدوحة بتشكك.

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

مؤلف: مركز دراسات الامن القومي ترجمة/ عبد الكريم ابو ربيع- مركز اطلس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *