من عوامل فوز ترامب وحتى سياساته… هل من جديد؟

حظي الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، بكنًى عديدة تبدأ بـ “أول من”؛ فهو أول من عاد إلى الرئاسة بعد أن خسرها، وذلك منذ عام 1892، حين انتُخِب الرئيس جروفر كليفلاند Grover Cleveland (1885 – 1889 و1893-1897)، رئيسًا مرةً أخرى بعد أن خسر في الانتخابات. وهو ابن الثمانية والسبعين عامًا، ومن ثمّ فهو أيضًا أكبر مرشح سنًّا يُنتخب رئيساً؛ أي إنه أعتى عمراً مما كان عليه الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن حين انتُخِبَ عام 2020. وهو أول رئيس أميركي يُنتَخَب بعد إدانته بتهم جنائية، وأول رئيس جمهوري يكسب الانتخابات على مستوى المجمع الانتخابي والتصويت الشعبي، أي ما يسمّى الأصوات الشعبية Popular vote، منذ 20 عاماً حين كسب جورج بوش الابن عام 2004 الانتخابات. وإذا أُخذت حالته الذهنية والنفسية والأخلاقية في الاعتبار، فسوف يضاف عددٌ لا حصر له من صفات هو “أول من” يتصف بها مقارنةً بغيره من الرؤساء. ولذلك، فهو محقّ باعتبار فوزه في ظل هذه المعطيات غير مسبوق، “لم يشهد أحدٌ مثله من قبل” بحسب تعبيره “Like nobody’s ever seen before”[1].
لقد تعامل الساسة والإعلاميون مع ترامب بوصفه رئيسًا للولايات المتحدة منذ ظهور نتائج الانتخابات، لأن الرئيس الجالس في البيت الأبيض عاجزٌ عن القيام بأي فعل ذي قيمة حتى مغادرته بعد أداء ترامب القسم الرئاسي، يوم 20 يناير/ كانون الثاني 2025. وعلى الرغم من تصديق الولايات على نتائج الانتخابات رسميًا وفقًا للقانون حتى يوم 11 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وانعقاد المجمع الانتخابي في 17 ديسمبر، أصبحت هذه المراسم مجرد شكليات في غياب أيّ اعتراضات على فوز ساحق كهذا.
لقد أُشبِعَت التوقعات من الرئيس القديم/ الجديد تحليلًا وترجيحاً وتخميناً. والآراء تتباين تحت سقف إجماع على توقّع حصول تغيير فعلي في السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة، فللمرشّح الفائز توجهات معلنة، ولا مسوّغ لعدم أخذها بجدية بعد حسم الجزء الدعائي الانتخابي المحض منها. إنّ الفوز على مستوى المجمع الانتخابي والمستوى الوطني (بفارق 1.7%)، وفي ظروف خسارة الانتخابات السابقة، وقناعة أوساط واسعة من مؤيدي الفائز أن فوز الخصم (بايدن) في الانتخابات السابقة لم يكن مستحقّاً، وبعد فوز الحزب الجمهوري بالأكثرية في مجلسَي الكونغرس الأميركي[2]، يجعل التعامل باستخفاف مع أجندات ترامب المعلَنة نوعًا من الخفّة.

تقوم ظاهرة ترامب الشعبوية على الانقسام القائم في المجتمع الأميركي، وتغذّيه في الوقت ذاته

مع هيمنة الرئيس المنتخب البيّنة على الحزب، المسيطر على مجلسَي الكونغرس، وبوجود أغلبية يمينية كبيرة في المحكمة العليا بعد أن عيّن ترامب ثلاثة من أعضائها في فترة رئاسته السابقة، يمكن ترجيح أنّ آليات الضوابط والتوازنات Checks and balances التي تحافظ على نوع من الرقابة المتبادلة بين السلطات وتحول دون تغوّل إحداها (لا سيما السلطة التنفيذية) سوف تُصاب بشلل نسبي، وأن الرئيس الأميركي المنتخَب – وإن لم يكن مُطلَق الصلاحيات ولا دكتاتوراً – قادرٌ على تمرير جزء كبير من أجندته. وهذا هدفه من تباهيه بأنه حصل على تفويض شعبي متين وغير مسبوقAmerica has given us an unprecedented and powerful mandate[3]. لن تحتمل المؤسّسات الأميركية والنظام الدولي القائم منذ الحرب العالمية الثانية تنفيذ كل ما وعد به ترامب جمهوره الشعبي في الحملات الانتخابية الحاشدة بسهولة، ولن تمرّره بيسر، ولا سيما أن بعض البنود متناقض مع غيره في الأجندة ذاتها، أو غير قابل للتطبيق؛ لكنه سوف ينفّذ قسماً كبيراً من وعوده على أيّ حال. ولا يستند التفكير المفضي إلى هذا الاستنتاج إلى الحملة الانتخابية بقدر ما يقيسه على تجربة الماضي، ويجريه على ما يُعرَف عن رجالات إدارته المعيَّنين ومستشاريه الأقربين. وفي الذاكرة دورةُ حكم سابقة لهذا الرئيس طبّق خلالها بعضًا من وعوده بمراسيم رئاسية. وعلى الرغم من تنصّله من العلاقة المباشرة مع “مشروع 2025” الذي يشتمل على خطة شاملة لإعادة هيكلة الحكومة الفدرالية الأميركية، والذي صيغ في إطار مؤسسة هيريتيج Heritage Foundation المحافظة[4]، وهو بالفعل برنامج متطرّف جدًاً، فإنه لا يصحّ تجاهل دوران الذين صاغوه في فلكه وبالقرب منه.

أولاً: لا جديد في عوامل الانتصار وأسبابه

حَمَل معلّقون فوز ترامب على عوامل عديدة، مثل الوضع الاقتصادي والهجرة غير الشرعية، بوصفها المواضيع التي شغلت الناخب الأميركي في هذه المرحلة (بلغت نسبة من اعتبروهما شاغلهم الرئيس في هذه الانتخابات 43% من الناخبين[5])، مشددين على أنّ هذه المواضيع تغلبت على القضايا التي ركزت عليها حملة كَامَلا هاريس، مثل حماية الديمقراطية الأميركية، والحرص عليها خشية من فوز ترامب (34%)، وعدم صلاحيّته للمنصب بسبب شخصيته، والمصالحة الوطنية في مقابل الاستقطاب الذي يسببه ترامب في المجتمع الأميركي، والتقييدات على الإجهاض (14%)[6]. ومن الواضح أن هذا التعليل غير دقيق. فنسبة من عدّوا المواضيع التي شدد عليها ترامب شاغلهم الرئيس تقلّ عن نسبة من شغلتهم المواضيع التي شددت عليها هاريس (48%)، ما يحدّ من قدرة هذا الافتراض التفسيرية.
الجدول (1)
أهم القضايا التي شغلت الناخب الأميركي[7]

القضيةالسياسة الخارجية(4%)الإجهاض(14%)الاقتصاد(32%)الهجرة(11%)الديمقراطية(34%)
كَامَالا هاريس37%74%19%9%80%
دونالد ترامب57%25%80%90%18%

ورجّح آخرون أسبابًا أخرى للخسارة أهمها عدم تمكّن هاريس من أخذ مسافة كافية عن بايدن الذي تراجعت شعبيته إلى أدنى مستوياتها، لتصل إلى 36% [8]، والتي دفعته إلى الانسحاب من سباق الرئاسة في 21 تموز/ يوليو 2024، وتأخُّره في سحب ترشيحه، ما حال دون إجراء انتخابات تمهيدية داخل الحزب الديمقراطي لاختيار مرشح قادر على إلحاق الهزيمة بترامب، كما أنه لم يتح زمناً كافياً لحملة هاريس الانتخابية. ربما أثّرت العوامل والظروف المذكورة أعلاه في الهامش الصغير اللازم للفوز في الولايات المتأرجحة. ولكنّ المواضيع الرئيسة المطروحة ليست الأساس، بل كيفية تحديد جمهور الناخبين موقفه منها. وهذه متصلة بتشكّل الانقسام الحاصل أصلًا في المجتمع الأميركي على محاور تحدد الموقف من هذه المواضيع.
تقوم ظاهرة ترامب الشعبوية على الانقسام القائم في المجتمع الأميركي، وتغذّيه في الوقت ذاته. فهو لم يحظ بشعبية خلال فترة رئاسته الأولى، حين بلغ متوسّط نسبة التأييد له 41%، وهي النسبة الأدنى في تاريخ استطلاعات غالوب، منذ أن بدأت هذه المؤسسة في قياس نسبة التأييد لأداء رئيس الولايات المتحدة في عام 1938 بفارق أربع نقاط مع الرئيس هاري ترومان (1945–1953)، بل إن ترامب هو الرئيس الوحيد الذي لم يستطع أن يحظى بنسبة تأييد تصل إلى 50% في أي لحظة طوال فترة رئاسته[9]. ولم تتجاوز شعبيته حدود جمهور ناخبيه خلافًا لرونالد ريغان (1981-1989) وبيل كلينتون (1993-2001) وجورج بوش الابن (2001 – 2009) وباراك أوباما (2009-2017)، فضلًا عن أمثال جون كنيدي (1961-1963) وفرانكلين روزفلت (1933-1945). وخلافًا للرؤساء السابقين، استند ترامب في استراتيجيته الانتخابية إلى إثارة الفرقة والتشديد على ما يوقظ الشروخ بدلاً من توسيع قاعدته الانتخابية مستهدفاً جميع الأميركيين، بل كان مُنفِّرًا للعديد من الناخبين باستخدام نعوت مهينة في وصف خصومه وأخرى عنصرية مثل “الحشرات” Vermin، و”الأعداء من الداخل” The Enemy from within[10]. ولذلك، فإن انتصاره يعتمد على تعبئة معسكر واحد وتجييشه من خلال التعبير الصريح عما يجيش في صدور أتباعه، ورفع نسبة المشاركة في الانتخابات داخله، وليس على تجاوز الحدود بين المعسكرات، وهو ما حصل في هذه الانتخابات أيضًا.

العوامل التي أدّت إلى فوز ترامب عام 2024 هي نفسها التي أدّت إلى انتخابه عام 2016

لذلك نقول إن العوامل التي أدّت إلى فوز ترامب عام 2024 هي نفسها التي أدّت إلى انتخابه عام 2016[11]، مع ارتفاعٍ نسبي في أصواته في القطاعات السكانية التي دعمته، في مقابل حفاظ الديمقراطيين على القطاعات التي تدعمهم مع تراجع طفيف في مشاركة هذه القطاعات في الانتخابات. ويلاحظ عدم استقرار أنماط تصويت الأميركيين من أصول لاتينية. ويلاحظ كذلك تغيير في التصويت إذا وزعت فئات الناخبين على أساس الدخل من دون أخذ عوامل أخرى، مثل العرق والنوع الاجتماعي ودرجة التعليم، في الاعتبار. وعلى كل حال، في ظروف انقسام عمودي من هذا النوع، يؤدي نمو تعبئة معسكر معيّن أو تراجع تعبئته إضافةً إلى انتقال ولو طفيف للأصوات من معسكر إلى آخر إلى حسم الانتخابات.
وحتى في الولايات المتأرجحة، لم يحصل انتقال جدّي للأصوات من معسكر إلى آخر بحيث يمنح الذين صوّتوا للديمقراطيين في الانتخابات السابقة أصواتهم للجمهوريين هذه المرّة؛ وإنما ارتفعت نسبة التصويت لترامب داخل القطاع السكاني الذي صوّت له عام 2016 وعام 2020[12]. في المقابل، بقيت النسبة لدى الديمقراطيين كما هي أو انخفضت في الأماكن التي حصلوا فيها على أصوات، وذلك بسبب فقدان الحماس نتيجة للعوامل التي تصنَّف تحت عناوين، مثل تأخّر بايدن في الانسحاب وعدم إجراء انتخابات تمهيدية حقيقية تنتخب مرشحًا ذا شعبية، أو تمنح هاريس، التي آل إليها الترشيح، وقتًا لتقوم بالدعاية الانتخابية. ولا شك في أن سياسات الديمقراطيين الخارجية في عهد بايدن أفقدت العديد من الليبراليين واليساريين، بغضّ النظر عن انتمائهم الإثني، الحماس للتصويت للمرشحة الديمقراطية.
لقد شهدت الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 تغيرًا ملحوظًا من دون تغيير أنماط التصويت مقارنة بالانتخابات السابقة، إذ اتجهت معظم المقاطعات الأميركية البالغ عددها أكثر من 3000 مقاطعة إلى التصويت لصالح الجمهوريين، بما في ذلك المناطق الريفية والضواحي، وحتى في بعض المقاطعات المحسوبة على الديمقراطيين تقليديًا، في ولاية نيويورك مثلًا. وارتفعت نسب التصويت لصالحه في المدن الصغيرة والمناطق الريفية مقارنة بانتخابات عام 2016. لكن ركيزة أغلبيته الانتخابية بقيت خارج المدن الكبرى. لقد تراجع أداء الديمقراطيين في انتخابات عام 2024 في المناطق الحضرية، حيث إن هاريس لم تستطع توسيع قاعدتهم في المناطق الحضرية الكبرى في ولاية كارولينا الشمالية مثلًا، كما تراجعت الأقلية التي تصوّت لها في المناطق الريفية إلى 38% مقارنة بـ 41% لبايدن عام 2020، وأضاف ترامب 30000 صوت إلى رصيده في المناطق الريفية بالولاية. وفي ولاية بنسلفانيا، زادت نسبة أصواته فيصن المناطق الحضرية والريفية والمدن الصغيرة في الولاية بثلاث نقاط عن انتخابات عام 2020، وحاز الأغلبية في مدينة فيلادلفيا التي كانت الأغلبية فيها للديمقراطيين في الانتخابات السابقة؛ هنا حصل انتقال للأصوات[13].
وتُظهر تحليلات نتائج التصويت في الانتخابات الأميركية الرئاسية لعام 2024 بحسب الناتج المحلي الإجمالي GDP للمقاطعات أن المناطق ذات الحصة الأقل من مجمل هذا الناتج من بين المدن الصغيرة والمناطق الريفية منحت غالبية أصواتها للجمهوريين مقارنة بالمناطق الشبيهة ذات الحصة المرتفعة من مجمل الناتج، ما يفيد أن المناطق التي قررت مَن سوف يحكم الولايات المتحدة هي الأقل إسهامًا في اقتصادها الوطني، وهي التي صوتت للجمهوريين في الجولات الانتخابية الثلاث الأخيرة، كما يبين الجدول (2).
الجدول (2)
عدد المقاطعات التي فاز بها المرشحون الرئاسيون وحصتهم من الناتج المحلي الإجمالي في الانتخابات الرئاسية للأعوام 2016 و2020 و2024*

الانتخابات الرئاسيةالمرشح الرئاسيعدد المقاطعات Counties التي صوتت للمرشح الرئاسيإجمالي الأصواتالحصة من الناتج المحلي الإجمالي GDP(%)
2016دونالد ترامب258462,985,10636
هيلاري كلينتون47265,853,62564
2020دونالد ترامب254873,249,263   29
جو بايدن51280,074,44771
2024دونالد ترامب255264,663,968   40
كَمَلا هاريس38268,723,47860

* تعكس أرقام انتخابات عام 2024 النتائج غير الرسمية لـ 95% من المقاطعات (حتى كتابة الدراسة ونشرها). وتمثل أرقام انتخابات عام 2020 نتائج 3060 مقاطعة تتوافر لها بيانات الناتج المحلي الإجمالي لعام 2018 فقط.
المصدر:

Mark Muro & Yang You, “Trump Again Won Counties Representing a Minority Share of National GDP, but with Notable Gains,” Research, Brookings, 8/11/2024, accessed on 16/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPVn

الربط بين الهوية الشخصية وهوية الدولة عند فئات واسعة من السكان كان عنواناً كبيراً لنجاح القوى الشعبوية في الولايات المتحدة وأوروبا

ثمّة تعليلات لفوز ترامب، مثل سوء الأوضاع الاقتصادية في عهد بايدن، التي تتمثل على نحو خاص في ارتفاع الأسعار والتضخم، وهي في الحقيقة بقايا مرحلة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) التي أدارها ترامب. كما سجّل بايدن إنجازات اقتصادية مهمة تمثّلت في انخفاض البطالة وارتفاع النمو. وفي السنة الأخيرة تراجعت حتى نسب التضخم، ولكن المرشّحة الديمقراطية لم تقطف نتائج ذلك[14]. وتَبيّن مرة أخرى أن التصورات Perceptions والصور المتشكلة في الأذهان Images قد تكون أشد تأثيرًا في سلوك الجمهور السياسي من الوقائع. والمدهش أن الصلة بين الصور والتصورات قد تدفع الناس إلى الحكم على قوة حكم الرئيس من خلال مظهر وهنه الجسدي والخطابي؛ فتتشكّل لديهم صورة ضعف عامة عن سياساته.
أظهرت إدارة بايدن ضعفًاً في قضايا ركزت عليها الحملة الجمهورية فزادت من أهميتها للناخبين، ومع أنها لم تؤدِّ إلى انتقالات كبرى في الأصوات، فإنها أسهمت في استقطاب الجمهور وخاطبت غرائزه ومخاوفه في حالات، أو أسهمت في نكوص فئات من الديمقراطيين عن التصويت وتراجع في نسبة المشاركة في حالات أخرى [15]، ومنها قضيةٌ أشغل ترامب الرأي العام بها، وهي الهجرة غير الشرعية. فقد استخدم في مواجهتها أساليب يمينية شعبوية كلاسيكية مثل التعبيرات العنصرية (المهاجرون غير الشرعيين “يسمّمون دماء بلادنا” Poisoning the blood of our country)، والتنميطات (كلّهم مجرمون وخرّيجو سجون ومنحرفون عنيفون يجلبون “الجريمة والمخدرات والبؤس والموت”)، إضافةً إلى وصف ترامب المهاجرين غير الشرعيين بألفاظ مثل “الحشرات”. وحمّل خلال حملاته الانتخابية المهاجرين غير الشرعيين مسؤولية انخفاض الأجور وتدمير نظام التعليم في المدارس والتزاحم على النظام الصحي في المستشفيات، وكذلك تدني مستوى المعيشة للأميركيين. وكان في أثناء رئاسته الأولى قد استخدم لغة عنصرية في وصف المهاجرين: “لدينا أشخاص يأتون إلى بلادنا […] لن تصدقوا مدى سوء هؤلاء. إنهم ليسوا بشرًا، بل حيوانات”. وقد كرّر، خلال المناظرة الوحيدة التي جمعته بمنافسته هاريس، ادعاءً عنصريًا انتشر في القرن التاسع عشر لتشويه المهاجرين مع بداية موجة الهجرة الصينية إلى الولايات المتحدة، متمثلًا في أن المهاجرين الهايتيين في مدينة سبرينغفيلد بولاية أوهايو “يسرقون الكلاب والقطط ويأكلونها”[16]. ولم يُجدِ تكذيب المسؤولين في هذه المنطقة هذه المزاعم بنفي حصول مثل هذه الوقائع العجيبة صدًى لدى مؤيديه. فالآراء المسبقة والمخاوف المستندة إليها، والهوية الجماعية الثقافية، تعلو على الحقيقة والوقائع. وخاطبت الافتراءات في وصف المهاجرين غرائز المواطنين ومخاوفهم، ومنهم مهاجرون يغالون في تأكيد هويتهم الأميركية الجديدة بأخذ مسافة من المهاجرين غير الشرعيين. ويحصل مثل هذا في كثير من دول العالم؛ إذ ينجرّ بعض المنتمين إلى الجيل الأول من المهاجرين الذين اكتسبوا جنسية وطنهم الجديد إلى الدعاية العنصرية ضد المهاجرين الآخرين تأكيدًا لجنسيتهم الجديدة.
ولا يجوز التغاضي عن عنوان كبير لنجاح القوى الشعبوية في الولايات المتحدة وأوروبا مفاده الربط بين الهوية الشخصية وهوية الدولة عند فئات واسعة من السكان أضرّت بها التجارة العالمية وانتقال الصناعات إلى الخارج حيث الأيدي العاملة الرخيصة والإعفاءات الضريبية، وغيّرت نمط حياتها، وسبّبت لها الهجرة الوافدة نوعًا من الغربة في وطنها، وربطت بين الأمرين. وقد بدأت عملية إهمال الحزب الديمقراطي لقاعدته العمالية النقابية من سياسات إلغاء القيود deregulation على التجارة الدولية وانتقال رؤوس الأموال نحو الخارج مع الصناعات في بداية مرحلة كلينتون (ويرجعها البعض إلى ما قبل تلك المرحلة)، وتوجه رؤوس الأموال نحو المجال الجديد الغزير الأرباح الذي تفوقت فيه الولايات المتحدة وهو التكنولوجيات الحاسوبية المتطورة.
ما يجب أن يكون عليه الموقف الليبرالي المتطور، منذ النصف الثاني من القرن العشرين، هو أنّ الدولة هي دولة المواطنين، فلا يفترض أن تميّز مؤسساتها لصالح المنتمين إلى طائفة أو إثنية أو غيرهما، ولا ضدهم. ولكن الوطنية لا تتعلق بالمواطنة وحدها، وثمة عوامل تاريخية ثقافية مكونة لسائر الوطنيات، وتشمل الشعور بالانتماء إلى ثقافة مشتركة وقيم مشتركة ما. ويشعر السكان البيض من أصول أوروبية في الولايات المتحدة، ومَن نجح مِن الآخرين في الاندماج ضمن فهم الأوائل للأمة الأميركية، بأنّ ثمة صيرورة جارية منتهاها تغيير هوية بلادهم الوطنية، وأن أميركا التي عرفوها تُسحَب من تحت أقدامهم، في وقت فقدوا فيه الأمان الاقتصادي وفخرهم بصناعاتهم الوطنية، وتزعزعت فيه ثقتهم بالاقتصاد. وهو مناط كلام ترامب عن “جعل أميركا عظيمة مرة أخرى”، [17]“Make America Great Again”. وسواء أكانوا يصرّحون بهذا الخوف أم لا، ويَعُونَه أم لا، فإنه قائم، وترامب عمل كل ما يلزم لمخاطبته، وهو أحد أهم دواعي التفاف فئات واسعة منهم حوله على الرغم من شخصيته، وليس بسببها، مع التنافر المعرفي اللازم للتصالح مع الذات بعد دعم شخص كهذا، والمؤدي إلى تقبّل شخصية ترامب المخالفة لجميع القيم التي تربّى عليها الشخص باعتبار تقبّل مثل هذه الشخصية نوعًا من التحدي.
لقد لوثت تعبيرات عنصرية مباشرة خطابات ترامب، ولم يوضع الرأي العام على نحو كافٍ في مواجهة خطورتها. فهي تنذر بما هو أسوأ فيما يتعلق بالديمقراطية الأميركية، ومعنى أن تكون الدولة دولة المواطنين، وكيف يمكن أن تستوعب الثقافة المشتركة في دولة المهاجرين العرق والإثنية بدلًا من التشديد عليهما في مقابل المواطنة المشتركة وبتوتر معها. ويُستعرَض هذا التشديد خارجيًا ليس خطابيًا فحسب، بل جسديًا أيضا؛ إذ تجد أي نظرة عابرة على شكل كبار الضيوف المحتشدين على منصات مؤتمرات ترامب وهاريس صعوبةً في تجنب ملاحظته. ولا ننسى أن كثيرين من بين الذين لم يصوّتوا لهاريس، ومع أهمية كل ما ذُكِر من عوامل، امتنعوا عن ذلك لأنها امرأة ولأنها سمراء. ولا يكفي تعليل ذلك بالسياسات الاقتصادية والهجرة غير الشرعية وتأخر الحملة الانتخابية، فالتهرب من مواجهة الحقائق المزعجة لا يسهم في فهم الظواهر.
وأخيراً وليس آخراً، ظهرت ملامح سأم وتعب من سياسات الهوية الفردية الفائضة وخطاب الصواب السياسي الوصائي الذي يفرض على المجال العمومي في قضايا المثلية الجنسية والمتحوّلين جنسيًاً، وإشغال الفضاء العام بقضيتهم بما يُنفِّر فئات واسعة جدًا من المواطنين الذين لا يرغبون في أن يتعرض أبناؤهم لما يعدّونه تشجيعاً على المثلية والتحول الجنسي في المدارس. لقد أظهرت فئات واسعة من النخبة الثقافية الأميركية المحسوبة على الحزب الديمقراطي عدم حساسية تجاه ثقافة غالبية الجمهور وقيمه، إذ يزداد النفور من تحويل هذه النزعات الفردية إلى قضايا عمومية كلما ازداد البعد عن مراكز المدن.

شهدت الانتخابات الرئاسية الأميركية في الأعوام 2016 و2020 و2024 تغييرات ملحوظة في سلوك الناخبين وتثبيت أنماط التصويت

فرضت دعاية ترامب هذا الموضوع في فضاء الانتخابات، على الرغم من أنه لم يكن مطروحًا. وقد نجح في إثارته لكي يستدعي تعاطفًا من سائر ذوي الميول المحافظة، بمساندة واضحة من الملياردير إيلون ماسك، مع أن دعاية الديمقراطيين لم تثره على الإطلاق، مخاطباً الجمهور بشعارات مثل: “يذهب ابنك إلى المدرسة ويعود إليك بنتًا، من دون موافقة الوالدين” !“Your boy leaves the school, comes back a girl. Without parental consent”[18]، ومن خلال مهاجمة هاريس باستغلال تصريحات سابقة لها في أثناء الانتخابات التمهيدية الديمقراطية لعام 2020 حول تأييدها تمويل عمليات جراحية لتأكيد الجنس للسجناء والمهاجرين المحتجزين (باستخدام أموال الضرائب العامة وفقاً لزعمه)؛ كما روّجت حملته إعلانات مثل ” كَامَلا من أجل they [بالإشارة إلى المثليين الذين يرفضون ضمير المؤنث والمذكر]؛ أما الرئيس ترامب فمن أجلك أنت”، “Kamala is for they/ them, President Trump is for you”، وهو الإعلان الذي حظي بالانتشار الأوسع من بين إعلانات حملته[19].
لقد انزلقت في العقد الأخير نخبٌ ثقافية ليبرالية ويسارية وتمادت في تحويل قضية خاصّة مثل التوجّه الجنسي إلى مسألة سياسات عامة تصل إلى حد فرض الخطاب على الناس في الإعلام والسينما وتطبيقات مثل نيتفلكس، وصولاً إلى مناهج التدريس. وأسهم ذلك من ضمن عوامل أخرى في إبعاد القوى الليبرالية واليسارية عن القضايا الأساسية التي كانت تهمها تاريخيًاً، مثل الحقوق الاجتماعية وقضايا الرفاه والحقوق والحريات وتوجيه قسط غير متناسب من طاقاتها نحو مسائل تتعلق بالهوية، سواء كانت هوية إثنية أو هوية جنسية أو ما يسمَّى هوية جندرية. لقد انخرط الحزب الديمقراطي أيضًا في سياسات الهوية والدعاية على أساسها، وفي بناء جزء كبير من حملته على التوقّع بأن تصوّت له جماعات هوية محددة، ولا سيما في أوساط الأقليات.
 وقد أصبحت هذه المسائل تعالَج تحت عنوان الهوية الشخصية أو الهوية الذاتية. وأصبحت هذه النزعة فريسة سهلة للدعاية الشعبوية التي وقعت على آذان أغلبية صامتة وغير راضية ومحتقنة. فوجدت الأخيرة في هذه الدعاية ضالّتها، وكأنها تصدح بصوتها جاهرةً بمشاعرها الخفية التي لم تعد النخبة الثقافية تعبّر عنها. لقد جاء من يعبّر عنها بكل صلافة، ولا يخشى الصواب السياسي، بل يسخر منه، ويعادي النخب الثقافية في الوقت ذاته.
ثانيًا: نتائج استطلاعات آراء الناخبين الأميركيين فور خروجهم من مراكز الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الأميركية خلال الأعوام 2016 و2020 و2024
شهدت الانتخابات الرئاسية الأميركية في الأعوام 2016 و2020 و2024 تغييرات ملحوظة في سلوك الناخبين وتثبيت أنماط التصويت وفقًا لما شُرح أعلاه، وظهر ذلك في تحليل سلوك الناخبين ومواقفهم فور خروجهم من مراكز الاقتراع Exit Polls[20]، كما يبين الجدول (3).
1- التصويت بحسب الجندر والعرق
استمر دونالد ترامب في الحصول على أصوات الرجال بنسبٍ أعلى من منافسيه من الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الثلاثة الأخيرة، وتفوّق على هاريس بـ 13 نقطة في انتخابات عام 2024 مقارنةً بـثماني نقاط في انتخابات عام 2020، و11 نقطة في انتخابات عام 2016 هي الفرق بين نسبة ناخبيه من الرجال البيض ونسب تأييد بايدن وهيلاري كلينتون على التوالي. لاحظ أن الفارق الأقل كان في حالة المرشّح الديمقراطي الرجل والأبيض! أما بالنسبة إلى النساء، فقد حاز مرشّحو الحزب الديمقراطي نسبًا أعلى من أصواتهن من ترامب في الانتخابات الثلاثة، إلا أن هاريس حصلت على دعم النساء بفارق ثماني نقاط مئوية عن حصة ترامب، وهو أقل من الفارق الذي حققه بايدن (15 نقطة) وكلينتون (13 نقطة) في الانتخابات السابقة. أيعود ذلك إلى كونها امرأة وسمراء، أم إلى الأسباب نفسها المتعلقة بعزوف أجزاء من قاعدة الحزب التي تطرقنا إليها سابقًا؟ يطابق هذا التغيير، أي ارتفاع نسبة ترامب بين الرجال البيض وتراجع نسبة تأييد المرشحة بين النساء، ما استخلصناه في الفرضية المشروحة أعلاه؛ أي تغييرات داخل نمط التصويت ذاته.
ظلّت نسبة التصويت لترامب بين الرجال البيض تراوح بين حوالى 60 و62% على الرغم من تقليص بايدن الفارق بين المرشّح الديمقراطي وترامب من 20 نقطة في انتخابات عام 2016 لصالح ترامب إلى 17 نقطة في انتخابات عام 2020، وحافظت هاريس على هذا الفارق تقريبًا (16 نقطة لصالح ترامب)، مع الانتباه إلى أن نسبة الناخبين البيض عموماً ارتفعت من 67%  عام 2020 إلى 71 في المئة عام 2024. إلّا أن الفارق في تصويت الناخبين غير البيض شهد تغيّراً أكبر؛ وذلك بتقليص الفارق من 53 نقطة لصالح كلينتون و45 نقطة لصالح بايدن، ليصل إلى 31 نقطة لصالح هاريس. ويعود هذا التغيير بدرجة كبيرة إلى نتائج تصويت الناخبين من أصول لاتينية (انخفض الفارق لصالح الديمقراطيين بينهم من 38 نقطة و33 نقطة في انتخابات عامي 2016 و2020 على التوالي، ليصل إلى 6 نقاط فقط في عام 2024).
وإذا ما حلّلنا النتائج بالتقاطع بين الجندر والعرق/ الإثنية، يتبيّن أن ترامب حظي بزيادة ملحوظة في دعم الرجال اللاتينيين له؛ إذ تفوّق على هاريس بفارق 12 نقطة مئوية بعد أن كان تصويتهم لصالح بايدن بفارق 23 نقطة عن منافسه في عام 2020، ولصالح كلينتون بفارق 31 نقطة في عام 2016. وعلى الرغم من استمرار دعم النساء اللاتينيات للمرشحة الديمقراطية، فإن الفارق تقلّص إلى 22 نقطة لصالح هاريس في عام 2024، مقارنة بـ 39 نقطة لبايدن في عام 2020، و44 نقطة لكلينتون في عام 2016. كما تقلّص الفارق في نسب دعم الرجال السود للمرشح الديمقراطي، على الرغم من تصويت أغلبيتهم للديمقراطيين؛ إذ كان الفارق لصالح هاريس 56 نقطة في عام 2024، مقارنةً بـ 60 نقطة لصالح بايدن، و69 نقطة لصالح كلينتون.
2- التصويت بحسب المستوى التعليمي
لم يتأثر التفاوت في تصويت الناخبين من حملة الشهادات الجامعية للمرشّح الجمهوري والمرشّح/ة الديمقراطي/ة لصالح الأخير/ة خلال الانتخابات الرئاسية الثلاثة، بفارق 10 نقاط إلى 13 نقطة لصالح المرشح/ة الديمقراطي/ة، إلّا أن ترامب تمكّن من زيادة الفارق لصالحه بين الناخبين الذين لا يحملون شهادة جامعية ليصل الفارق إلى 14 نقطة في انتخابات عام 2024، بعد أن كان في انتخابات عام 2020 بنقطتين فقط وبفارق سبع نقاط في انتخابات عام 2016 (لا سيّما بين الناخبين ممّن لديهم شهادة ثانوية عامة فأقل؛ حيث كان الفارق في انتخابات عامي 2016 و2020 بـخمس  وثماني نقاط فقط على التوالي، ليصبح 28 نقطة لصالح ترامب في عام 2024). لقد زادت نسبة التصويت له بين غير المتعلمين الذين يميلون إلى دعمه أصلًا. ويأتي هذا التغيير تحديدًا بانخفاض درجة تفوق المرشّح/ة الديمقراطي/ة عند الناخبين غير البيض ممن لا يحملون شهادة جامعية؛ إذ بلغ الفارق 56 نقطة لصالح كلينتون في انتخابات عام 2016، و46 نقطة لصالح بايدن في 2020، لينخفض إلى 30 نقطة فقط لصالح هاريس في هذه الانتخابات. في حين أن نتائج التصويت بين الناخبين البيض ممن لا يحملون شهادة جامعية ظلت لصالح ترامب ولم تشهد قاعدته هذه تغييرًا يُذكَر في الانتخابات الثلاثة الأخيرة.

استطاع ترامب كسب تصويت الناخبين من ذوي الدخل السنوي الذي لا يزيد على 50000 دولار أميركي لصالحه، بعد أن كانت هذه الفئة تصوّت لصالح الديمقراطيين

كما انخفض تفوق المرشّح/ة الديمقراطي/ة بين المصوتين غير البيض من حملة الشهادات الجامعية بشكل ملحوظ من فارق 50 نقطة لصالح كلينتون في عام 2016 إلى 43 نقطة لصالح بايدن في عام 2020، و33 نقطة في عام 2024، وهي الفرق بين نسبة دعم هاريس ونسبة دعم ترامب من أصواتهم؛ هذا على الرغم من حصول ارتفاع في نسبة تصويت البيض من حملة الشهادات الجامعية لصالح الديمقراطيين بعد أن تفوّق ترامب بثلاث نقاط في انتخابات عام 2016 لينعكس بفارق ثلاث نقاط لصالح بايدن، وأصبح الفارق سبع نقاط لصالح هاريس، ويعزى ذلك لكسبها تصويت النساء البيض الحاصلات على شهادة جامعية بفارق 16 نقطة وتحسّن ملحوظ مقارنة ببايدن وكلينتون، كما يظهر في الجدول (3).
3- التصويت بحسب العمر
استطاعت هاريس تقليص الفارق في تصويت الناخبين الأكبر عمرًا (65 عاماً فأكثر) لتتعادل نسب التصويت (49% لكلا الحزبين)، وهي الفئة التي تميل إلى التصويت لصالح الجمهوريين تقليديًا، إلّا أن ترامب استطاع تقليل الفروق بين الناخبين الأصغر سنًّا (18-30 سنة)، لا سيّما مقارنةً بانتخابات عام 2020 ضد بايدن، وزيادة الفرق لصالحه بين الناخبين ممن تراوح أعمارهم بين 45 و64 سنة بفارق 10 نقاط، بعد أن كان الفارق نقطة واحدة في انتخابات عام 2020.
حصلت هاريس على غالبيةٍ من بين المصوتين الشباب (الذين صوّتوا للمرتين الأولى والثانية) بنسبة 54%، ولكن نسبة ترامب بلغت 43% بينهم. ليست أصوات الشباب مضمونة للمرشّح الأكثر ليبرالية أو تقدمية. ففي مقابل الجيل الشاب الباحث عن معنى لحياته في الغايات لا في المظاهر، وفي نقد الممارسات السياسية والاجتماعية من منطلق القيم الأخلاقية التي يتمسك بها، نشأ في نفس فضاء التواصل الاجتماعي والمجتمعات الرقمية جيلٌ شاب (ربما ما زال يشكل أقلية بين الشباب) يعدّ الرغبة في الإثراء والنجاح قيمًا قائمة بذاتها، ولا يخجل من التشديد على مبادئ البقاء للأفضل، والقوة الجسدية والمظاهر، ويعدّ تحدي الصواب السياسي تأكيداً على هويته الذاتية متباهياً بها وفقًا لثقافة منتشرة تشجع على أنّ حب الذات فضيلة، وصولًا إلى حدّ المجاهرة حتى بالمواقف العنصرية بوصفها نوعًا من تحدي الهيمنة. وجذب مظهر القوة والنجاح وكراهية النخب الثقافية عند ترامب حتى فئات من الشباب التي ترتاح لظهور الموقف المحافظ والرجعي بمظهر المتحدي كما يليق بالشباب، هكذا التبس النقد بالتحدّي، والسخرية الاجتماعية بالسينيكية العديمة القيم.
4- التصويت بحسب المناطق
استطاع ترامب استعادة قوته في المناطق الريفية في الولايات المتحدة ليحصل على فارق 30 نقطة مقابل هاريس، بعد أن قلّص بايدن الفرق إلى 15 نقطة في انتخابات 2020، وبعد أن تفوّق ترامب على منافسته كلينتون بفارق 27 نقطة. وقد استطاع ترامب ترجيح كفّته في الضواحي التي بقيت ساحة معركة متقاربة بين الحزبين بفوارق ضئيلة. ومن الجدير بالذكر أن المدن شهدت تحولاً طفيفاً بانخفاض تفوّق المرشّح/ة الديمقراطي/ة من 26 نقطة لصالح كلينتون ضد ترامب إلى 22 نقطة لصالح بايدن، و21 نقطة لصالح هاريس.
5- التصويت بحسب دخل الأسر
استطاع ترامب كسب تصويت الناخبين من ذوي الدخل السنوي الذي لا يزيد على خمسين  ألف دولار أميركي لصالحه، بعد أن كانت هذه الفئة تصوّت لصالح الديمقراطيين؛ حيث كان الفارق لصالح الديمقراطيين بـ 12 نقطة في انتخابات عام 2016 و11 نقطة في انتخابات عام 2020، ليصبح ثلاث نقاط لصالح ترامب. كما تمكن من استعادة تفوّقه بين الناخبين ممن يراوح مدخول أسرهم السنوي بين خمسين ألف ومائة ألف؛ حيث كان الفارق في انتخابات عام 2016 لصالح ترامب بثلاث  نقاط، لينجح بايدن في تغييره لصالحه بـ 15 نقطة، وليستعيد ترامب التفوّق ضمن هذه الفئة في الانتخابات الأخيرة بفارق خمس نقاط. في المقابل، استطاعت هاريس تغيير تصويت الناخبين ممن يفوق دخل أسرهم السنوي مائة  ألف دولار ؛ حيث أصبح الفارق خمس نقاط لصالح هاريس بعد أن كان لصالح ترامب بـ 12 نقطة في انتخابات عام 2020، وتعادل ترامب وكلينتون في تصويت هذه الفئة في انتخابات عام 2016.
6- قضايا الاقتصاد والمهاجرين والسياسة الخارجية
يلاحظ نجاح ترامب في كسب أصوات الناخبين الذين اعتبروا أن الاقتصاد هو القضية الأهم في تصويتهم؛ وذلك بعد أن تفوّقت كلينتون عليه بين الناخبين من هذه الفئة بفارق 11 نقطة، ليكسب ترامب في انتخابات عام 2020 تأييدهم بفارق 21 نقطة، وليصل الفارق مع هاريس إلى 61 نقطة. واستطاع ترامب أيضًا زيادة الفارق بين تصويت الناخبين الذين اعتبروا أن مسألة المهاجرين هي الأهم؛ حيث كان الفارق في انتخابات عام 2016 بينه وبين المرشحة الديمقراطية كلينتون 31 نقطة لصالحه، وارتفع  إلى 81 نقطة لصالحه في انتخابات عام 2024، في حين لم تظهر هذه القضية في إجابات الناخبين المستطلعة آراؤهم في انتخابات عام 2020. وفي مسألة السياسة الأميركية الخارجية، التي لم تظهر أيضًا في انتخابات عام 2020، تفوّق ترامب بـ 20 نقطة بعد أن كان الفارق بين المرشّحين 27 نقطة لصالح كلينتون في انتخابات عام 2016. تجدر الإشارة إلى أنّ الحديث هنا ليس عن فئات ديموغرافية ثابتة نسبياً، فالتشديد على مواضيع محددة باعتبارها الشاغل الأساس للناخب لا يصنع قطاعاً سكانيًا أو جماعة ثابتة مثل السود والبيض والرجال والنساء، أو ثابتة نسبياً، مثل المتعلمين وغير المتعلمين والجمهوريين والديمقراطيين؛ فمن يشددون على هذا الشأن أو ذاك يتغيرون من انتخابات إلى أخرى.
الجدول (3)
نتائج استطلاعات آراء الناخبين فور خروجهم من مراكز الاقتراع في الانتخابات الرئاسية 2024 و2020 و2016

المصوتون بحسب202420202016
% من المصوتينكَمَلا هاريسدونالد ترامبمرشح آخر/ رفض الإجابة%من المصوتينجو بايدندونالد ترامبمرشح آخر/ رفض الإجابة% من المصوتينهيلاري كلينتوندونالد ترامبمرشح آخر/ رفض الإجابة
الجندر(النوع الاجتماعي)الذكور474255348455324741527
الإناث535345252574215354415
العرق/ الإثنيةالبيض714157267415817137576
غير البيض296433333712632974215
السود11851321387121128983
لاتيني من أصل إسباني125246213653231166286
آسيوي354397461345465278
أخرى342544455414356368
الجندر متقاطعًا مع العرق/ الإثنيةالبيض/ رجال343760335386113431627
البيض/ نساء374553232445513743525
السود/ رجال577212479192582135
السود/ نساء791728909179442
لاتيني من أصل إسباني/ رجال643552559365563325
لاتيني من أصل إسباني/ نساء660382869301669256
جميع المصوتين الآخرين648466858384661318
العمر18-29 سنة145443317603641955369
30-44 سنة234948323524622551418
45-64 سنة354454238495014044524
65 سنة فأكبر284949222475211645523
المستوى التعليميمن دون شهادة جامعية574256259485025044515
شهادة ثانوية أو أقل153563219465401846513
بعض التعليم الجامعي من دون شهادة264751223514723243516
درجة الزمالة (دبلوم مدة عامين)16415631647503
بشهادة جامعية435542341554325052426
شهادة جامعية بكالوريوس245345227514723249447
تعليم جامعي عالٍ195938315623711858375
المستوى التعليمي متقاطعًا مع العرق/ الإثنيةالبيض/ من دون شهادة جامعية393266235326713429667
البيض/ بشهادة جامعية335245332514813745485
غير البيض/ من دون شهادة جامعية196434224722621676204
غير البيض/ بشهادة جامعية106532310702731372226
المستوى التعليمي متقاطعًا مع الجندر بين البيضالنساء/ من دون شهادة جامعية203563217366311734615
النساء/ بشهادة جامعية175741214544512051445
الرجال/ من دون شهادة جامعية182969218287021623716
الرجال/ بشهادة جامعية164750317485111739538
المنطقةالمدنUrban295938329603823460346
الضواحيSuburban514751251504824945496
الريفRural193464219425711734615
الديانةالكاثوليك224058225524712346504
البروتستانت/ مسيحية أخرى423663143396015269565
اليهود2782202......371236
أخرى1059347869292862299
بلا ديانة247126322653141567258
دخل الأسرةأقل من 50000 دولار274750335554413653416
50000 – 99.999 دولارًا324651339574213046495
100000 دولار فأكثر405146326425443447476
القضية الأهم بالنسبة إلى المصوتينالاقتصاد3219801351738 5252417
الديمقراطية3480182................
الإجهاض1474251................
المهاجرون119901........1333643
السياسة الخارجية437576........1360337
عدم المساواة العنصرية........209271........
فيروس كورونا........1781154........
سياسات الرعاية الصحية........1162371........
الجرائم والأمن........1127712........
الإرهاب................1840573

المصدر:

“Election 2024: Exit Polls,” CNN, accessed on 17/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPyS; “Exit Polls (2021),” CNN, accessed on 17/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPs2; “Exit Polls (2016),” CNN, accessed on 17/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPET

ثالثاً: تغير السياسات المتوقع بعد انتخاب ترامب وحدودها
تتلخص العناوين الرئيسة المصرح بها لسياسات ترامب على نحو متكرر بما يلي:
1. تشديد سياسات الهجرة، ومحاولة إبعاد عدد كبير من المهاجرين غير الشرعيين، الذين يُقدّر عددهم بـ 11.7 مليونًا، بحسب آخر إحصاءات تموز/ يوليو 2023، مقارنةً بــ 10.5 ملايين في عام 2017[21]. وهي تقديرات ومعطيات غير مثبتة. لا تعيش غالبيّة هؤلاء على التسوّل أو السرقة، خلافاً لما تروّجه دعاية الجمهوريين، بل على العمل بما في ذلك دفع الضرائب. ولا تقتصر عملية طردهم على التداعيات الإنسانية، سواء في التجاوزات التي سوف تتم خلال عمليات الطرد، وخصوصاً إذا تورّط الحرس الوطني في دعم عمليات دائرة الهجرة والجمارك الأميركية ICE، كما وعد ترامب[22]، وتمزيق شمل العائلات، وغيرها من التداعيات، وإنما ستكون لها أبعاد اقتصادية متعلقة بالأعمال التي يشتغلون فيها بأجور قليلة وظروف عمل صعبة من دون حقوق. كما سوف تؤدي إلى التأثير في العرض والطلب في سوق العمل في اتجاه ارتفاع الأجور، ومعها التضخم الذي جعل ترامب من مكافحته شعارًا انتخابيًا. وهو في الحقيقة شعار فارغ لأن التضخم من آثار مرحلة جائحة فيروس كورونا التي حكم خلالها. وقد تجمّدت نسبه أخيراً، في ظل اقتصاد أميركي قويّ تراجعت فيه نسب البطالة على الرغم من الهجرة غير الشرعية، وسيؤثر الإبعاد في المكسيك؛ لا سيما في مسألة التحويلات المالية والعلاقات التجارية. وكان ترامب قد صرّح بأنه سيفرض ضرائب جمركية على المكسيك، أكبر شريك تجاري لأميركا خلال العام الماضي، بنسبة تراوح بين 25 و100% ما لم تبذل جهدًا أكبر لوقف الهجرة غير الشرعية[23].
2. تخفيض الضرائب وتقليص الإنفاق وزيادة الدخل. إن قوام سياسة تخفيض الضرائب تشجيع الاستثمار وزيادة النمو، ومنطلقها الفعلي تحرير الأغنياء من مسؤوليتهم الاجتماعية وفقًا لعقلية اقتصادية نيوليبرالية ترى في الضرائب اعتداءً على الملكية الخاصة. وتؤدي هذه السياسة إلى زيادة العجز في الميزانية الحكومية. وسوف يواجه ترامب ذلك بتخفيض الإنفاق بدءًا بتقليص جهاز الدولة الإداري وتنجيعه. وهو بالنسبة إلى الأثرياء من نوع ترامب (وهو نوع محدد جدًا من بينهم) الموضوع المفضل في مسامراتهم التي يدّعون فيها الخبرة في كل شيء، ويتنافسون بالمزايدة في كراهية بيروقراطية الدولة الطفيلية التي تعيش على ضرائبهم على غرار الفقراء “الكسالى”. وقد أَوكل ترامب هذه المهمة لمقربَين منه، وهما الملياردير إيلون ماسك من خارج الحكومة (لا أحد يعرف كيف سيرتب الأمر من الناحية القانونية) مع رجل الأعمال والمرشح الرئاسي الجمهوري السابق فيفيك راماسوامي Vivek Ramaswamy لقيادة “وزارة الكفاءة الحكومية”. ولن يشمل ذلك تقليصات لأسباب إدارية فحسب، بل سيشمل عمليات تطهير سياسي وتعيين موالين له أيضاً. والعملية برمّتها لن تمر من دون صراع. كما يتضمن خفض الإنفاق وتقليص المساعدات للدول الأجنبية، ومصاريف القوات المسلحة الأميركية في الخارج، ومطالبة الدول الحليفة بتخصيص مبالغَ أكبر لميزانيات الدفاع، والدفع للولايات المتحدة مقابل “خدماتها” وشراء المزيد من السلاح منها، بما لذلك من آثار في العلاقات الدولية.
3. رفع الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة عمومًا (20%)، ومن الصين خصوصاً (60%). تتفاوت الأرقام وكذلك التقديرات بشأن آثار هذه العملية الاقتصادية، فالهدف منها إحياء القطاعات الإنتاجية الصناعية لتوفير عدد أكبر من الوظائف للطبقة العاملة الأميركية، لكن إلى حين تحقيق ذلك سوف ترتفع الأسعار بالنسبة إلى المستهلك الأميركي، وقد تتأثر اقتصاديات دول صديقة للولايات المتحدة تعتمد على التصدير إلى الصين إذا تراجع إنتاج هذا البلد، ومنها دول تُصدِّر موادّ خاماً مثل النفط (الخليج) والنحاس (دول أميركا اللاتينية)، وغيرهما. ويُفتتح بذلك عهدٌ جديد يمكن أن تتبع فيه دول رأسمالية متطوّرة حليفة للولايات المتحدة، في أوروبا مثلًا، سياسات حمائية مضادّة. ويصعب تقدير الخطوات التي سوف تتخذها الصين في المقابل على مستوى استخدام الدولار في التعاملات التجارية وغيرها من الإجراءات، وآثار ذلك الإجمالية في التجارة العالمية. يبعث هذا كله على التقدير أن ترامب قد يتوخى الحذر والانتقائية في تطبيق بعض سياساته، وقد يستخدمها للضغط والمقايضة.
4. التراجع عن التزامات اتفاق باريس لمكافحة التغير المناخي والحدّ من الانبعاثات الكربونية، وتقليص الصرف المخصص لمشاريع حماية البيئة، ومراجعة المتطلبات المفروضة على القطاعات الإنتاجية والخدمية، وزيادة التنقيب عن النفط. وجميعها أمور مرتبطة بآراء ترامب ومعتقداته التي صرّح بها في غير مناسبة معبّرًا عن استخفافٍ بالعلم والعلماء، وتفضيل التفسيرات السطحية بما في ذلك “نظريات” المؤامرة. وجدير بالذكر في سياق موضوع النفط تحديدًا، أن إدارة بايدن لم تقلِّل عمليات الحفر للتنقيب عن النفط، بل زادت وتيرتها[24].
5. تغيير السياسات التعليمية وتفويض غالبية المهمات التي تقوم بها وزارة التربية والتعليم الفدرالية إلى الولايات لكي يتاح للأغلبية فيها اتباع سياسات أكثر محافظة بشأن التعليم ومضامينه. وقد بلغ الأمر حد مطالبة بعض الأوساط القريبة من ترامب بإلغاء هذه الوزارة الفدرالية. ثمة حوافز عديدة نابعة من قيادة تياره وجمهوره تدفعه إلى فرض صيغة محافظة مما يسمى القيم الأميركية تارة ونمط الحياة الأميركي تارة أخرى (شرعية دافع الربح، وعدّ النجاح في حد ذاته قيمة، وحرية حمل السلاح للدفاع عن النفس، والحريات الفردية، ورفع قيم العائلة فوق الحريات الفردية إذا اصطدمت معها). ينذر تطبيق بعض هذه السياسات، الذي سوف يشجعه على الإقدام عليه وجود أغلبية جمهورية في مجلسَي الشيوخ والنواب وأغلبية في المحكمة العليا، بصراعات داخلية على مستويات عدة.
وقد تؤدي العوامل نفسها المغرية للشروع في تنفيذ هذه السياسات (أي وجود أغلبية في مجلسَي الشيوخ والنواب) وانسداد سبل التصدّي لها مؤسسيًا إلى تدفق المعارضة نحو الشوارع والساحات العامة. لن يحصل هذا في البداية؛ فعلى الرغم من رفض العديد من الأميركيين أفكار ترامب، من المتوقّع أن لا تشهد رئاسته الثانية معارضة شعبية فاعلة في أوّل الأمر، بسبب الصدمة والتسليم بفوزٍ تجاوز جميع العوائق، ولأن أوساطًا واسعةً من المعارضين لترامب تعبت من رفض حتى فكرة وجود شخص كهذا في البيت الأبيض. قد تشهد الولايات المتحدة انسحاباً جماعيّاً من الحياة العامة[25]، قبل أن تختمر المعارضة للخطوات التي سوف يتخذها.
رابعًا: على المستوى الدوليّ، هل هي واقعية سياسية؟
أما على المستوى الدولي، إضافةً إلى رفع التعرفة الجمركية المذكور أعلاه والحث على استدرار دخل أكبر من الحلفاء، فتتمحور الترجيحات المستندة إلى خبرة أربع سنوات من حكم ترامب، وكذلك تصريحاته ودعايته الانتخابية ونوعية مستشاريه ومساعديه الذين اختارهم بعد نتائج الانتخابات الأخيرة، حول النقاط التالية:
1. اتباع سياسات تقوم على عقلية المقايضة والصفقات Transactional Policies؛ بمعنى التخلّي عما اعتُبِر واجبات الولايات المتحدة الناجمة عن كونها دولة عظمى، والتي (إذا تخطّينا مرحلة حكم الرئيس وودرو ويلسون 1913–1921) أُرسيت في مرحلة فرانكلين روزفلت، ولا سيما بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك بشأن التجارة العالمية بعد استنتاجات الولايات المتحدة من الأزمات الاقتصادية فيها في مرحلة انغلاقها على ذاتها في ثلاثينيات القرن الماضي، واستنتاجات أخرى من صعود الفاشية والنازية في أوروبا، وضرورة الدفاع عن الديمقراطيات الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية.

“يلاحظ نجاح ترامب في كسب أصوات الناخبين الذين اعتبروا أن الاقتصاد هو القضية الأهم في تصويتهم” 

ثمّة إجماع على أن سياسات ترامب وأعوانه تحت عنوان “أميركا أولاً”، وإعجابه على رؤوس الأشهاد بالزعماء الأقوياء الذين يمكن عقد صفقات معهم، تُمثّل نقيضًا لهذه الاستنتاجات، وتعكس عدم اكتراث بمصير الديمقراطية في دول حليفة، وربما حتى في الولايات المتحدة نفسها. يأتي انتصار ترامب في فترة تشبه العقدَين اللذين سبقا الحرب العالمية الثانية لناحية معاداة الأميركيين للمهاجرين والتشكيك في التجارة الدولية والتدخلات الخارجية (هيمنة النزعة الانعزالية في فترة ما بين الحربين). وقد استغل ترامب أيضًا غضب الناخبين من فشل الديمقراطيين في الحد من الهجرة غير الشرعية، واستفاد من فشلهم في الإقرار بضعف أداء بايدن الجسدي والذهني والتأخر في اختيار مرشح ديمقراطي قادر على هزيمة ترامب[26]. ولكن الأجواء التي احتضنت خطابه ومزاجه شبيهة بأجواء ثلاثينيات القرن العشرين.
رأى ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، تعليقًا على الانتخابات، أن الهيمنة الليبرالية التي قادت السياسة الخارجية الأميركية منذ نهاية الحرب الباردة قد انتهت بعد أن فشلت إدارة بايدن في إحياء هذه الاستراتيجية، إذ كان مصير محاولتها كمصير المحاولات السابقة؛ ليس مصوّتو ترامب، في نظره، مهتمين بنشر الديمقراطية وقضايا حقوق الإنسان، ولا حتى بالتجارة الحرة، وهم يرغبون في الحد من الهجرة إلى الولايات المتحدة، كما أنهم سئموا من المؤسسات العالمية، مثل منظمة الأمم المتحدة، وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومنظّمة التجارة العالمية، وغيرها، وهم متفقون مع ما يروّجه ترامب عن هذه المؤسّسات[27]. ومن هنا، يأتي القلق الأوروبي بشأن موقف ترامب وإدارته من دعم أوكرانيا في حربها مع روسيا وميله، مع نائبه جيه دي ڤانس JD Vance، إلى صيغة من “الواقعية السياسية” تفيد أنه لا يمكن أن تنتصر أوكرانيا على روسيا. وقد اقترح ڤانس تجميد القتال مع ضمان حياد أوكرانيا تجاه روسيا، والتعهد بعدم انضمامها إلى الناتو مقابل احتفاظ أوكرانيا باستقلالها، ومساهمة ألمانيا ودول أوروبية أخرى في إعادة إعمارها. ومن ثم، فإن الدعم المالي والعسكري المتدفق من الولايات المتحدة يجب أن يتوقف بإنهاء الحرب؛ إذ دعمت الولايات المتحدة أوكرانيا بمساعدات عسكرية تُقدَّر بأكثر من 64 مليار دولار أميركي مع بداية الحرب عام 2022، بينما قدّم لها الاتحاد الأوروبي وبريطانيا مجتمعَين 57 مليار دولار إضافةً إلى مساعدات اقتصادية وإنسانية[28]. ومن الواضح أن الرئيس الروسي ڤلاديمير بوتين لن يقبل بإيقاف الحرب من دون الاحتفاظ ببعض المكاسب، مثل الحصول على اعتراف أميركي بضمّ شبه جزيرة القرم وبعض الإنجازات الترابية الأخرى، لا سيما في الأقاليم الأربعة التي ضمتها روسيا بشكل أحادي الجانب في عام 2022 (دونيتسك ولوغانسك وزابروجيا وخيرسون، فضلًا عن شبه جزيرة القرم التي من الواضح أنّ ترامب يسلّم بضمّها)، وغير الترابية، سواء على صعيد الإدارة الذاتية لهذه الأقاليم أو على صعيد اللغة الروسية، وغير ذلك. وسوف تشكل هذه الإنجازات لسياسات بوتين العدوانية مصدر قلق لدول البلطيق وبولندا وألمانيا ودول أوروبا عمومًا، وقد تؤدي إلى تعزيز التيارات السياسية المؤيدة لروسيا في دول أوروبا الشرقية، وهو باعث آخر للقلق والتوجس من سياسات الإدارة الأميركية الجديدة.
والحقيقة أن الواقعية السياسية ليست تجديدًا أدخله ترامب. فهي الغالبة على سياسات الولايات المتحدة عمومًا، ومنذ فشل التدخل في العراق خصوصًا، فيما عدا أسابيع قليلة مالت فيها إدارة أوباما إلى التغيير الديمقراطي في مصر ثم سرعان ما راجعت نفسها. وقد كانت إدارة بايدن واقعية سياسيّاً، ويمكن مقاربة حتى تدخّلها في أوكرانيا بمنظار الواقعية السياسية، وليس فقط دفاعًا عن الديمقراطية. فقد كان مقصده تحجيم دور روسيا ومنعها من التمدد في القارة الأوروبية بعد مرحلة من التمدد في الشرق الأوسط وأفريقيا والنشاط حتى داخل دول أوروبا الغربية، وتحجيم دورها العالمي، وشد عصب حلف الناتو الذي أوهنته سياسات ترامب. لا تتميز سياسة ترامب من غيرها بالواقعية السياسية، بل بصنف محدد من الواقعية السياسية وهو العقلية التجارية، الذي قد تثبت التجربة، في النهاية، عدم واقعيّته، وفي إطار حسابات الربح والخسارة بالخلط بين الفوائد العائدة على الدولة وتلك العائدة على الرئيس ومقرّبيه.
يجدر التذكير في سياق سياسة الصفقات أن إعجاب ترامب بالزعماء الأقوياء لا يعني بالضرورة التوافق معهم في كل حالة، بل الاعتقاد بسهولة التوصل إلى صفقات معهم، والتخلي عن المواقف الأميركية المسبقة منهم، إذا تطلبت المصلحة الأميركية ذلك، وفقًاً لتصور ترامب لها. هذا ما يدعو إليه ترامب، ويُتَّهم بسببه بدعم الدكتاتوريين. غير أن هذه التهمة لا تزعجه، ولا يعنيه كيف يدير القادة السلطويون بلدانهم. وربما يعتقد أن بعض الشعوب لا تُحكَم إلا بهذه الطريقة. ليس الميل إلى القادة الأقوياء مبدأ قائمًا بذاته عنده. قد يكون معجبًا بالرئيس رجب طيب أردوغان، وغير مهتم بكيفية إدارته لتركيا، وغير مكترث بمطالب الكرد في سورية، ويميل إلى عدم التعاطف مع الحركات الانفصالية وإلى سحب القوات الأميركية منها. لكن إذا وجد من يقنعه بأن المصلحة الأميركية تكمن في البقاء في سورية، فلن يُقدم على سحب هذه القوات.
2. تخفيض الدعم للناتو والاستمرار في مطالبة أعضائه بتحمّل حصص أكبر من نفقاته، هذا بعد أن عزّز بايدن قوة الحلف الذي استعاد وحدته، ووسع صفوفه وتلقى طلبات جديدة للانضمام إليه من خلال التصدي لروسيا في أوكرانيا، وذلك في حرب بدت فيها روسيا كأنها دولة عالم ثالث كبيرة مالكة للسلاح النووي، إذ لم تتمكن من هزيمة أوكرانيا بفضل مساندة الناتو لها من دون تدخل مباشر، ما عرّى القوة الحقيقية لروسيا التي يريد ترامب إعادة الاعتبار لها. هكذا يرى حلفاءُ الولاياتِ المتحدة الأوروبيون الأمر.
3. التشديد على لجم التوسّع الصيني، وتقليص العجز في التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والصين الذي يميل حاليًا لصالح الأخيرة، وتقليل احتمالات وصولها إلى التكنولوجيا الأميركية التي تنافس فيها السلع الأميركية ذاتها، ومنعها من استخدامها في الصناعة العسكرية. والحقيقة أن إدارة بايدن كانت أكثر مثابرة من إدارة ترامب في التصدي للصين على المستوى الجيواستراتيجي، وذلك بإقامة تحالفات في المحيط الهادي، وإنشاء المحاور المختلفة التي يمكن أن تطوّق التمدد الصيني، ولا سيما من خلال حلفاء مثل اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وتايلند وأستراليا والهند، وحتى دول متوجسة من امتداد النفوذ الصيني مثل فيتنام، إضافةً إلى نشاط إدارة بايدن المكثف لتشكيل محور هندي خليجي إسرائيلي يشمل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
4. ثمة إجماع عابر للحزبين في هذا الشأن، ولكن ترامب يريد أن يبدو أكثر صرامة، كما أن دوافعه لاحتواء الصين مختلفة تمامًا. ويتجلّى الفرق على نحوٍ خاص في مسألة تايوان؛ فقد صرّح أكثر من مرة أن على تايوان أن تدفع أكثر مقابل حمايتها، ولم يُجِب إطلاقًا عن السؤال فيما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للدفاع عنها في حال إقدام الصين على اجتياحها. وكانت تايوان قد اشترت أسلحة أميركية بقيمة 21 مليار دولار خلال رئاسة ترامب الأولى، وبقيمة 7 مليارات دولار خلال رئاسة بايدن[29]. ويطالب ترامب كلًّا من اليابان وكوريا الجنوبية بفعل المزيد في مجال الدفاع. ويشدّد، حتى في إطار الاتفاق على احتواء توسّع الصين ودورها، على احتوائها اقتصاديًا وليس استراتيجيًّا، مع أنه سوف يسوّق تحسين علاقاته مع بوتين ليبدو الأمر كأنه إبعاد لروسيا عن الصين.
5. على مستوى الشرق الأوسط؛ تتحكم عقلية الصفقات التجارية أيضاً في سياساته في الشرق الأوسط، ما عدا في قضية فلسطين. وليس سبب استثناء فلسطين تعلُّق ترامب بالوعود والنذور التوراتية التي يؤمن بها بعض المهاويس من أتباعه؛ فهو، خلافًا لهؤلاء، لا يؤمن بالتوراة، وخلافًا لبايدن، لا يزعم أنه صهيوني، بل يكمن السبب، وفقًا لقناعات ترامب، في غياب طرف يضع قضية فلسطين في مركز علاقاته مع الولايات المتحدة، وقادر على عقد “صفقات” بخصوص فلسطين تضمن بعض حقوق الفلسطينيين. والمشروع الذي حاول أن يشهره بتسمية “صفقة القرن” اقتصر عليه وعلى نتنياهو[30]. من هذه الناحية، يمكن عدّ فلسطين “يتيمة” في عالم الصفقات، ويمكن الاستفراد بها، ولا سيما مع وجود حليف استراتيجي موثوق بالنسبة إلى الولايات المتحدة في الجانب الآخر، أي دولة الاحتلال ذاتها. ويمكن أن تُترك فلسطين فريسة مطامع هذا الحليف وتصوراته الاستراتيجية. هكذا تبدو الأمور للرئيس المنتخب. ولذلك، قد تسوِّل له نفسه فرض الصفقة بينه وبين نتنياهو على أكبر عدد ممكن من حلفائه العرب، وربما مقابل تنازلات شكلية، مثل تسمية الكيان الفلسطيني المذكور فيها دولة. ومع ذلك، فخطر التهجير ماثل أيضًا، أو الهجرة القسرية في حالة عدم الإسراع في إعادة إعمار غزّة ومواصلة التضييق على السكان في الضفة الغربية، ولا سيما إذا لم يوجد في الإدارة الأميركية من ينبه ترامب إلى أهمية استقرار الأردن ومصر.

“قد يقدّم ترامب شروطاً لاستعادة العلاقات مع إيران وعدم فرض عقوبات جديدة عليه”

بغضّ النظر عن صهيونية ترامب أو عدمها، والتزام معاونيه بشعوذات الكنائس الإنجيلية وأسفار العهد القديم وغيرها من الخزعبلات التي تقود إلى إنكار وجود قضيةٍ وشعبٍ في فلسطين، ومن منطلق التفكير التجاري المحض، لا يوجد من يقايض الولايات المتحدة مصالح أميركية بتنازلات أميركية بشأنها، باعتراف بعدالة قضية فلسطين أو من دونه. فليس في المنطقة العربية دولة أو تجمّع دول تفاوض الولايات المتحدة بحيث تُمثّل قضية فلسطين. أمّا السلطة الفلسطينية القائمة، فليس لديها ما تقدمه؛ لأنها رهينة الاحتلال الإسرائيلي. في هذه الظروف تستطيع إسرائيل أن تدّعي أنها حجّمت المقاومة دورًا ووزنًا في حربها الأخيرة على غزة، التي أدت فيها دول العالم العربي عمومًا دور المتفرج في انتظار النتائج. وإذا أضفنا إلى غياب الدافع البراغماتي للاعتراف ببعض حقوق الشعب الفلسطيني ووضع حدود للتغول الإسرائيلي على مستوى السياسات الأميركية الإقليمية، حضور الدافع البراغماتي في هذا الخصوص على مستوى السياسة الداخلية الأميركية من خلال حاجة الرئيس المنتخب إلى مكافأة حلفائه المتطرفين على دعمهم له، سواء أكانوا من المهاويس دينيًا أم من كبار المتبرعين اليهود؛ من ميريام أديلسون Miriam Adelson وبيل أكمان Bill Ackman، إلى أوساط المتبرعين الذين يدورون في فلك صهر ترامب، جاريد كوشنر، فإن صورة إدارة ترامب تظهر مظلمة تماماً، ولا يُتوقع منها في فلسطين سوى الأسوأ.
خذ مثلاً إعلان ترامب تعيين مايك هاكابي Mike Huckabee سفيرًا في تل أبيب. هذا الشخص متطرف أيديولوجيًا. لا يعترف بتسمية الضفة الغربية، ولا بتسمية المستوطنات؛ فهذه يهودا والسامرة، وتلك قرى ومدن عادية داخل إسرائيل. ويُسأل السؤال: لماذا يُعلَن أصلًا عن تعيين سفير الولايات المتحدة في إسرائيل من دون الدول الأخرى، بالتزامن مع إعلان تعيين سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، وكذلك وزيرَي الخارجية والدفاع، والمدّعي العام؛ وكأن درجة السفير في إسرائيل ودرجة هؤلاء المسؤولين هي الدرجة نفسها. إنها رسالة إرضاء واضحة لداعمي ترامب في الولايات المتحدة حول الأهمية التي يوليها لإسرائيل والعلاقة معها. ولا يُستَبعد أن تعترف إدارة ترامب بضمّ الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية إلى إسرائيل إذا أقدمت الأخيرة على هذا الأمر، بل ربما تشجعها على ذلك، كما اعترفت سابقًا بضم الجولان وضم القدس، ومثلما أوقفت إدارته السابقة دعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، محتذيةً حذو إسرائيل في عدم الاعتراف بوجود قضية لاجئين، وإغلاق مكتب منظمّة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وهي خطوات لم يراجع بايدن منها سوى مسألة تمويل “أونروا” التي عاد وأوقف تمويلها خلال حرب إسرائيل على غزة بحجة وجود انتماء بضعة موظفين غزّاويين فيها إلى حركة حماس.
تستحيل مواجهة تحدّيات المرحلة من دون وحدة فلسطينية ذات برنامج سياسي وطني متفق عليه يتضمن ثوابت الحل العادل وكتلة عربية أو عربية – إسلامية داعمة لها، ومستعدة لوضع قضية فلسطين على جدول أعمال العلاقة مع الإدارة الأميركية الجديدة.
يؤكد مقالٌ شارك في كتابته دينيس روس، المبعوث الأميركي السابق لعملية السلام، والمستشار في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى The Washington Institute for Near East Policy، على أن المرحلة هي الأنسب لفرض التطبيع مع إسرائيل في المنطقة وتهميش قضية فلسطين، وللتصدّي للبرنامج النووي الإيراني ومنع تهديد إيران لإسرائيل بأي وسيلة ضرورية، حيث إن قدرات إيران وحلفائها في المنطقة قد حجِّمت بفضل “براعة إسرائيل وابتكارها في التخطيط والتنفيذ”، حتى بتحدٍ وتجاوز للحكومات الغربية أحيانًا[31]، وهو مديح لطريقة إسرائيل في خوض الحرب على غزة ولبنان على الرغم من تحفظات إدارة بايدن على بعض الممارسات، ودعوة لحصد النتائج السياسية للحروب العدوانية الإسرائيلية. ومن المرجّح أنّ هذا هو المزاج السائد في واشنطن بعد الانتخابات.
عمومًا، يدعم بعض العرب وغير العرب ترامب من خارج الولايات المتحدة، وإن لم يكن لدعمهم أيّ قيمة، من منطلق الاتفاق مع عقليته وليس بسبب المصالح فقط؛ وذلك في قضايا حقوق الإنسان وعدم ملاءمة الديمقراطية للعرب، وفي الموقف من المرأة ولون البشرة، أو في قضايا إلغاء الضرائب عن الأغنياء، أو غيرها.
ولكن، لنفترض أن بعض العرب الذين يعوّلون عليه صدّقوا فعلاً كلامه عن وقف الحروب في أوكرانيا وفي فلسطين، فهل لهذا التعويل أساس يا ترى؟ لندع أوكرانيا لحالها، وننصرف إلى فلسطين وربما لبنان أيضًا. ليس ترامب عابئًا بمعاناة الضحايا وحجم الدمار وجرائم العدوان عموماً، ما يهمّه هو عدم تورط الولايات المتحدة في صرف أموال بلا حدود أو حرب مباشرة قد تجرّها حروب إسرائيل إليها، فتتأثر بذلك مشاريعها التجارية والاستثمارية وغيرها. كما يخشى ترامب أن تتأثر عملية التطبيع التي ينوي مواصلتها بوصفها إنجازه السياسي. لذلك، فهو حين يصرح بما معناه أن الحرب يجب أن تنتهي قبل أن يتولى الرئاسة، إنما يقصد أن على نتنياهو التعجيل بالانتصار؛ ففي مكالمة هاتفية مع نتنياهو، في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أعرب ترامب عن دعمه العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد “حماس” وحزب الله، وقال له خلالها “Do what you have to do”، أي “افعل ما عليك فعله”[32]. وسابقًا، في أغسطس/ آب 2024، صرّح ترامب بأنه حثّ نتنياهو على إنهاء الحرب في غزة بسرعة بقوله “Get your victory [because the] killing has to stop”، أي “احصل على انتصارك لأن القتل يجب أن يتوقف”[33]. يعني أن ترامب يطلب من نتنياهو ألّا تطول عملية القضاء على المقاومة الفلسطينية واللبنانية. وهو مستعد لأن يتغاضى عن الوسائل التي ينفذ بها نتنياهو مأربه ولن يحاسبه عليها. وهو حريص على صورة إسرائيل. فقد صرّح في مقابلة له مع برنامج “The Hugh Hewitt Show”، في إبريل/ نيسان الماضي، أن على إسرائيل “إنهاء ما بدأته” و”إتمام الأمر بسرعة”، حيث إنها “تخسر معركة العلاقات العامة” كلما طالت الحرب بسبب الصور القادمة من غزة[34]. إن القلق من تضرر صورة إسرائيل من إطالة مدة الحرب هو همٌّ إسرائيليٌّ أيضاً.
وبالنسبة إلى دول الخليج العربية، يرجح أن تسود سياسة الصفقات العلاقة معها، وكذلك الرغبة في ابتزاز كل منها على حدة لزيادة تخصيص الأموال لشراء الأسلحة والاستثمار في الولايات المتحدة في مختلف المجالات، وربما تمويل بعض متطلبات سياساتها الإقليمية. وسوف يدفع ترامب بقوة باتجاه مواصلة مسار تطبيع هذه الدول علاقاتها مع إسرائيل. والغريب أن بعض حكومات دول الخليج احتفت بانتخاب ترامب، على الرغم من أن سياسات بايدن تجاهها كانت أكثر فائدة لها، إذ بلغت حدَّ التوسل بشأن التطبيع مع إسرائيل من دون ممارسة أي ضغط عليها في قضايا مثل حقوق الإنسان وغيرها، كما أنها لم تأمرها بشراء كميات أكبر من الأسلحة. فعلى الرغم من تبجّح حملة بايدن الرئاسية في عام 2020 بعودة التزام الولايات المتحدة الدولية بالديمقراطية وحقوق الإنسان في حالة انتخابه، لم يُتَرجَم ذلك على الإطلاق في العالم العربي حتى لفظًا، بل فقط في زعم الدفاع عن الديمقراطية في أوروبا في مواجهة روسيا. كما لم تنجح إدارة بايدن من خلال اتباع سياسات أكثر واقعية من ترامب في استعادة الاتفاق النووي مع إيران الذي أبرمته إدارة أوباما وألغاه ترامب.
يواجه ترامب خيارين حاسمين بشأن إيران؛ إما التفاوض على اتفاق نووي جديد أو الموافقة على عملية عسكرية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية، ودعم قدرة إسرائيل على مواجهة إيران وحلفائها. ولكن، مع تقدم إيران في تخصيب اليورانيوم أصبح إحياء الاتفاق النووي من عام 2015، الذي انسحب منه ترامب وفشل بايدن في إحيائه، بنصّه الحرفي غير واقعي. ومع أن ترامب كان قد تعهد بمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية، فقد عبّر عن عدم رغبته في الصدام معها والإضرار بها، وذلك عشيّة فوزه في الانتخابات الرئاسية، مضيفاً أنه يأمل أن تصبح إيران “دولة ناجحة”. وهذا الموقف، الذي يشاركه فيه نائبه ڤانس، قد يحبط “الصقور” في واشنطن وإسرائيل، وربما يؤثر في علاقته مع دول الخليج، لا سيّما أن وثيقة خطة “مشروع 2025” المتعلقة برؤية حكم ترامب لولاية ثانية تشدِّد على ضرورة أن يتحمل حلفاء الولايات المتحدة من العرب مسؤوليةً أكبر في حماية أنفسهم من التهديدات الإيرانية. ويفترض أن تكون دول الخليج قلقة من رئاسة ثانية لترامب؛ حيث قد تجد نفسها مجبرة على التعاقد لشراء ما لا تحتاج إليه، كما حصل سابقاً، وكذلك من حرب ترامب التجارية مع الصين، التي قد تؤثر سلبيًا في أسعار النفط؛ فتقلُّص الصادرات يعني تقليص الإنتاج، ومقتضاه استهلاكٌ أقل للطاقة[35].
قد يبدأ ترامب حكمه، إذاً، كما يبدو، بمحاولة الحوار مع إيران على أساس الربح والخسارة، بحيث يقدّم شروطًا واضحة ومحدّدة لاستعادة العلاقات معها وعدم فرض عقوبات جديدة عليها، ولجم الخطوات الإسرائيلية التي قد تؤدي في النهاية إلى حرب شاملة على إيران. ويمكن تلخيص شروطه بوقف التسلّح النووي الإيراني وقبول نتائج الحرب الإسرائيلية على لبنان والمتمثلة في تحجيم دور حزب الله وتحويله إلى حزب طائفي لبناني مثل غيره، بحيث يتخلّى عن المواجهة مع إسرائيل، وإن بقي مسلحًا. وحينئذ، لن يكون مهمًا إذا ما كانت إيران تدعمه سياسيًا ومالياً. وينطبق الأمر على سورية أيضاً التي يجب أن تحرس حدودها مع لبنان لمنع تهريب السلاح إليه. باختصار، سيطلب ترامب من إيران أداء دور “بنّاء” في المنطقة في مقابل التعهد بعدم العمل على إسقاط النظام، وعدم فرض العقوبات عليها، وربما رفع بعض العقوبات المفروضة عليها.
وأخيراً، لا يبدو أن سورية تشكل بنداً مستقلاً على جدول أعمال إدارة ترامب الجديدة، التي لا تختلف بذلك عن الإدارة الحالية؛ فالسياسة الأميركية تجاهها عبارة عن متغير تابع لسياساتها تجاه تركيا وروسيا وإسرائيل وحتى لبنان. وقد تتغير في حالة تغير هذه السياسات.

خريطة بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024

الهوامش

[1] “Donald Trump’s Victory Speech in Full: Transcript,” Newsweek, 6/11/2024, accessed on 19/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPN4

[2] تمكّن الجمهوريون من استعادة الأغلبية الحزبية في مجلس الشيوخ بعد خسارتها عام 2021، وذلك بفوزهم بأربعة مقاعد كانت تحت سيطرة الديمقراطيين في أوهايو وفرجينيا الغربية وبنسلفانيا ومونتانا. وانتُخب جون ثون John Thune، السيناتور الجمهوري، عن ولاية داكوتا الجنوبية، لمنصب زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ للعامَين المقبلَين ليحلّ محل ميتش ماكونيل Mitch McConnell الذي يتنحى في كانون الثاني/ يناير 2025. ويُعتبر ثون أحد الحلفاء المقرّبين من ماكونيل. واحتفظ الحزب الجمهوري بالأغلبية في مجلس النواب بحسب النتائج التقديرية بحصوله على الـ 218 مقعدًا من المقاعد اللازمة للاحتفاظ بالسيطرة من أصل 435 مقعدًا. وصرّح مايك جونسون Mıke Johnson، النائب الجمهوري عن ولاية لويزيانا والحليف المقرب لترامب، الذي أصبح رئيس مجلس النواب في العام الماضي، عن نيته البقاء في هذا المنصب. ينظر:

Lauren Fedor, “US Midterm Elections 2024: Senate Results,” Financial Times, 14/11/2024, accessed on 17/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPVz;

يمنح الفوز بأغلبية مجلسَي الكونغرس لصالح الجمهوريين ترامب سيطرة أكبر، ويحدده بقيود أقل من فترة رئاسته الأولى، بما في ذلك إشغال المناصب الوزارية وتعيين قضاة جدد في المحكمة العليا، وكذلك في تطبيق برنامجه والتأثير في التشريعات التي تتعلق بالإنفاق والضرائب. من الجدير بالذكر أن ترامب واجه خلال فترة رئاسته الأولى معارضة من الجمهوريَين ميتش ماكونيل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، وبول رايان Paul Ryan رئيس مجلس النواب، على الرغم من أن مجلس شيوخ بقيادة ماكونيل في حينه صدّق على 234 من مرشحيه بينهم ثلاثة قضاة للمحكمة العليا. ويرجح البعض أن وجود أعضاء مستقلين في المجلس وكذلك جمهوريين معتدلين أمثال سوزان كولينز Susan Collins وليزا موركوسكي Lisa Murkowski قد يعرقل تنفيذ بعض خططه؛ حيث من المتوقع أن يواجه تحديات في الموافقة على المناصب العليا. ينظر:

“What a Republican Trifecta will Mean for Governing,” The Economist, 7/11/2024, accessed on 16/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zQ28

[3] “Donald Trump’s Victory Speech in Full: Transcript.”  

[4] ينظر الموقع الرسمي للمشروع: www.project2025.org؛ وموقع مؤسسة “هيريتيج”:

“Project 2025,” The Heritage Foundation, 31/1/2023, accessed on 16/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zQar

[5] 32 في المئة للاقتصاد، و11 في المئة للهجرة غير الشرعية. ينظر:

“Election 2024: Exit Polls,” CNN, accessed on 17/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPyS

[6] Ibid.

[7] “Election 2024: Exit polls,” CNN, accessed on 22/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPyS  

[8] بحسب استطلاع غالوب في الفترة 1–21 تموز/ يوليو 2024:

“Presidential Approval Ratings — Joe Biden,” Gallup, accessed on 19/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPII

[9] Jeffrey M. Jones, “Last Trump Job Approval 34%; Average Is Record-Low 41%,” Gallup, 18/1/2021, accessed on 19/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPz9   

[10] “Democrats Need to Understand: Americans Think They’re Worse,” The Economist, 7/11/2024, accessed on 16/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPwu

[11] ينظر دراسة المؤلف التي نشرها حول هذا الموضوع في حينه: عزمي بشارة، “صعود اليمين واستيراد صراع الحضارات إلى الداخل: حينما تنجب الديمقراطية نقائض الليبرالية”، سياسات عربية، العدد 23، مج 4 (تشرين الثاني/ نوفمبر 2016)، ص 7-19.

[12] شهدت الانتخابات الرئاسية لعام 2024 نسبة إقبال مرتفعة جدًا، لتكون ثاني أعلى نسبة بعد انتخابات عام 2020. وفي حين أن الاعتقاد السائد تقليديًا أن الإقبال المرتفع على التصويت يفيد الديمقراطيين ويُصعّب فوز الجمهوريين، فإن الجمهوريين استفادوا من ذلك في هذه الانتخابات. بل إن ترامب نفسه عبّر عن ذلك في عام 2020 عندما حذّر من مشروع قانون لتوسيع التصويت بالبريد، لا سيما في أثناء جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، بأنه إذا أقر هذا المشروع، “لن يكون لديك جمهوري منتخب في هذا البلد مرة أخرى”. لكن استراتيجية حملته في الانتخابات الأخيرة كانت تشجيع الناخبين على التسجيل وتحفيزهم على التصويت مبكرًا، والتركيز على الناخبين الذين لا يصوتون عادةً أو غير المنتظمين في قوائم الأحزاب، وهي الفئة التي راج منذ فترة طويلة الاعتقاد أنها لن تصوت للحزب الجمهوري. وعلى الرغم من تجاوز هاريس مجموع أصوات بايدن في بعض الولايات، فإن أداء ترامب كان أفضل مما قدمه في الانتخابات السابقة. وكان الإقبال المرتفع على التصويت في الولايات السبع المتأرجحة بارزًا مقارنة ببقية الولايات، حيث زادت نسبة المشاركة في ولايات مثل جورجيا وميشيغان ونيفادا وكارولينا الشمالية وبنسلفانيا وويسكونسن مقارنة بانتخابات عام 2020، بينما تراجعت في ولايات غير تنافسية مثل إلينوي وأوهايو. ينظر:

Nicholas Riccardi, “Big Voter Turnout this Year Benefited Republicans, Contradicting Conventional Political Wisdom,” ABC News, 17/11/2024, accessed on 19/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPrq

[13] Kevin Schaul & Kati Perry, “How Counties are Shifting in the 2024 Presidential Election,” The Washington Post, 6/11/2024, accessed on 16/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zQeo

[14] سجلت إدارة بايدن أرقامًا قياسية في مجال توفير الوظائف وخفض معدل البطالة، وكذلك خفض ديون الطلاب وقروضهم بمليارات الدولارات، بل حققت إدارته في بعض منها أفضل النتائج التي شهدتها الولايات المتحدة منذ نصف قرن؛ وذلك أن معدل البطالة ظلّ عند نسبة 4 في المئة أو أقل خلال 30 شهرًا على التوالي، وهي أطول فترة منذ 50 عامًا. وانخفضت أيضًا معدلات البطالة بين العمال السود، لا سيّما لدى النساء منهم، إلى أدنى مستوى قياسي خلال فترة رئاسته، وكذلك للعمال من أصل إسباني، والأشخاص من ذوي الإعاقة، إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق تحت إشراف بايدن. وفي حين أن الاقتصاد الأميركي شهد نموًا مستقرًا في عهدَي ترامب وبايدن، فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي نما بنسبة 8.4 في المئة في عهد بايدن مقارنة بـ 6.8 في المئة في عهد ترامب. وبقي التضخم يمثل تحديًا مستمرًا لإدارة بايدن، حيث ارتفعت الأسعار إلى أعلى مستوياتها منذ 40 عامًا بعد الجائحة، حين بلغت نسبة التضخم 9.1 في المئة في حزيران/ يونيو عام 2022. ورغم إنجازات إدارته بتخفيض التضخم، بمعدل 3.3 في المئة في أيار/ مايو 2024، ظلت الأسعار مرتفعة نسبيًا. ووثّق معهد السياسة الاقتصادية The Economic Policy Institute, EPI ارتفاعًا في “الأجور الحقيقية” (المعدلة وفقًا للتضخم) للعمال ذوي الأجور المنخفضة؛ إذ نمت بنسبة 12.1 في المئة في المدة 2019-2023. وتأتي هذه المكاسب بسبب السياسات الاقتصادية في سوق العمل والنمو الاقتصادي، وكذلك بسبب فرض ثلاثين ولاية أميركية زيادة الحد الأدنى للأجور بمستوى أعلى من المستوى الفدرالي، الذي ما زال عالقًا عند 7.25 دولارًا أميركيًا في الساعة منذ عام 2009، في حين أن العشرين ولاية الأخرى التي لم ترفع الحد الأدنى للأجور لديها هي في الغالب ولايات “حمراء” تقليدية، مثل تكساس وأوكلاهوما وميسيسيبي وكارولينا الجنوبية، أو ولايات يسيطر عليها الجمهوريون في المجلس التشريعي مثل ولايتَي ويسكونسن وبنسلفانيا. وعلى الرغم من التعافي السريع للاقتصاد الأميركي من جائحة فيروس كورونا وتركة ترامب، واجه بايدن صعوبة في إقناع الأميركيين بأن سياساته الاقتصادية تحسِّن أوضاعهم المالية، وظلت غالبيتهم تصدق كلامه عن نجاح سياساته الاقتصادية. ينظر:

Richard McGahey, “Record-Breaking Accomplishments on Jobs and Unemployment Under Biden,” Forbes, 7/6/2024, accessed on 19/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zQ0P; Abha Bhattarai, “Biden’s Economy vs. Trump’s, in 12 charts,” The Washington Post, 23/12/2023, accessed on 19/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPVP

[15] Eva Xiao et al., “Poorer Voters Flocked to Trump — and other Data Points from The Election,” The Financial Times, 9/11/2024, accessed on 16/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPUw  

[16] Justine McDaniel et al., “Trump’s false claim about Haitian immigrants eating pets invokes racist trope,” The Washington Post, 14/9/2024, accessed on 17/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPjh; Julie Hirschfeld Davis, “Trump Calls Some Unauthorized Immigrants ‘Animals’ in Rant,” The New York Times, 16/5/2018, accessed on 17/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPCu; Linda Qiu, “Trump’s Claims That Blame Migrants: False or Misleading,” The New York Times, 18/10/2024, accessed on 17/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPw2

[17] في المقابل، غاب شعار أو عنوان رئيس لحملة هاريس.

[18] Mathew Rodriguez, “Donald Trump Insists Trans Surgeries at School Are ‘Actually Happening.’ They’re Not,” Them, 22/10/2024, accessed on 19/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPLe

[19] Ashley Parker et al., “How Kamala Harris — and Joe Biden — Lost to Donald Trump and Left Democrats in Shambles,” The Washington Post, 9/11/2024, accessed on 16/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zQ5f

[20] “Election 2024: Exit polls;” “Exit Polls (2021),” CNN, accessed on 17/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPs2; “Exit Polls (2016),” CNN, accessed on 17/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPs2

[21] Robert Warren, “US Undocumented Population Increased to 11.7 Million in July 2023: Provisional CMS Estimates Derived from CPS Data,” Center for Migration Studies (CMS), 5/9/2024, accessed on 19/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zQfG

[22] MaryAlice Parks, “Trump Wants a Mass Deportation Program. How Much Could it Cost?” ABC News, 1/11/2024, accessed on 22/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zQfs

[23] Annabelle Timsit et al., “What Trump’s Win Means for the World’s Most Pressing Problems,” The Washington Post, 6/11/2024, accessed on 16/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zQ11

[24] سجّلت الولايات المتحدة، أكبر منتج للنفط الخام عالميًا، إنتاجًا قياسيًا بلغ 13 مليون برميل يوميًا عام 2023، مع زيادة في وتيرة إنتاج النفط في عهد بايدن، الذي وافق على إصدار تصاريح للتنقيب عن النفط والغاز أكثر من ترامب في نفس الفترة من رئاسته، رغم دعوات بايدن للتحول إلى بدائل الطاقة النظيفة. ينظر:

Nicole Narea, “Biden isn’t Advertising America’s Record Oil Boom,” Vox, 13/3/2024, accessed on 16/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPwj  

[25] Dana Allin, “The Return of Donald Trump,” The International Institute for Strategic Studies (IISS), 7/11/2024, accessed on 16/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zQ8m

[26] “Welcome to Trump’s World: His Sweeping Victory Will Shake up Everything,” The Economist, 6/11/2024, accessed on 16/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zQ0X  

[27] Stephen M. Walt, “The 10 Foreign-Policy Implications of the 2024 U.S. Election: What to think about Trump 2.0.,” Foreign Policy, 8/11/2024, accessed on 16/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPF4

[28] Timsit et al.; Felicia Schwartz, “‘I’ll have a Deal Made’: How Donald Trump Will Handle US Foreign Policy,” The Financial Times,6/11/2024, accessed on 16/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPrz

[29] Demetri Sevastopulo & Kathrin Hille, “Taiwan Considers Big US Defence Purchases as Overture to Donald Trump,” The Financial Times, 11/11/2024, accessed on 16/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zQb3

[30] ينظر الفصل المعنون “صفقة ترامب – نتنياهو”، في: عزمي بشارة، قضية فلسطين: أسئلة الحقيقة والعدالة (الدوحة/ بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2024)، ص 223-266.

[31] Jeffrey Sonnenfeld, et al., “Donald Trump’s Return Could Bring a more Peaceful Middle East,” TIME, 9/11/2024, accessed on 16/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPn5

وسبق أن نشر دينس روس مقالًا في مجلة فورين أفيرز، شدد فيه على إمكانية تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية وإعادة تشكيل المشهد السياسي في الشرق الأوسط، ينظر:

Dennis Ross, “Biden’s Middle East Moonshot:The Time is Right for an Israeli-Saudi Deal that could Help End the War in Gaza,” Forgien Affaires (August 2024), accessed on 22/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPlA

[32] Isaac Arnsdorf et al., “Trump Signals Support in Call with Netanyahu: ‘Do What you have to do’,” The Washington Post, 25/11/2024, accessed on 16/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPD6

[33] “What Trump’s Win Means for U.S. Foreign Policy,” Foreign Policy, 6/11/2024, accessed on 16/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPYL

[34] Kate Sullivan, “Trump Says Israel Needs to ‘Finish What They Started’ and Said War with Hamas is ‘Taking a Long Time’,” CNN, 4/4/2024, accessed on 16/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPOr

[35] “Will Donald Trump ‘Stop The Wars’ in the Middle East?” The Economist, 7/11/2024, accessed on 16/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPmE

المراجع

بشارة، عزمي. “صعود اليمين واستيراد صراع الحضارات إلى الداخل: حينما تنجب الديمقراطية نقائض الليبرالية”. سياسات عربية، العدد 23، مج 4 (تشرين الثاني/ نوفمبر 2016).

_______. قضية فلسطين: أسئلة الحقيقة والعدالة. الدوحة/ بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2024.

Ross, Dennis. “Biden’s Middle East Moonshot:The Time is Right for an Israeli-Saudi Deal that could Help End the War in Gaza.” Forgien Affaires (August 2024). at: https://acr.ps/1L9zPlA

عن العربي الجديد

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *