
بعد التنظيم اللافت لقطر لمونديال 2022 في دوحة العرب وانطلاقته في العشرين من تشرين الثاني /نوفمبر الجاري ، لابد من استحضار فلسطين وهويتها والذي كان أحد أركانها منتخبها الوطني لكرة القدم، حيث خاض تصفيات كأس العالم عام 1934، لكن أقصي أمام مصر، واستمرت المحاولات حتى كانت نكبة عام 1948م، التي أدت الى تهجير النسبة الكبرى من الشعب الفلسطيني وتشتيت طاقاته المختلفة ومنها الرياضية.
طاقات رياضية
قبل إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية في ربيع 1994 كانت تدير وتشرف على الحركة الرياضية في أماكن تواجد الشعب الفلسطيني دائرة رعاية الشباب والرياضة في منظمة التحرير الفلسطينية، وقد ترأسها لسنوات الراحل أحمد القدوة المعروف بالحاج مطلق .
تجددت الحركة الرياضية الفلسطينية من جديد في منتصف التسعينيات أي بعد إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتم تشكيل وزارة للشباب والرياضة، وكانت إنجازاتها متواضعة على صعيد الملاعب والمنشآت. بينما تزايد عدد الأندية في غزة والضفة الغربية ، وأقيمت عدة بطولات فيهما، وعانت معظم الأندية من ضائقة مالية.
أما الاتحادات الرياضية فبدأت تحقق الإنجازات على صعيد الاعتراف القاري والدولي بها، حيث قُبلت فلسطين في اللجنة الأوليمبية الدولية وتمّ تشكيل الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم برئاسة جبريل رجوب، وليشارك المنتخب بعدة بطولات وكذلك في تصفيات قارة آسيا المؤهلة لمونديال 2022 ، لكنه لم يكن من ضمن المؤهلين اليه، والمنتخب في تطور مستمر ونتمنى أن يكون حاضراً كبقية أشقائه العرب في مونديال 2026 .
ويمكن الجزم أن هناك طاقات رياضية كبيرة وواعدة بين الفلسطينيين في المهاجر القريبة والبعيدة، و يمكن زجهم وضمهم الى الفرق الرياضية وكذلك في منتخب فلسطين لكرة القدم حتى لا تبقى الأمور محصورة في الضفة والقطاع .
ورغم عدم مشاركة منتخب فلسطين في مونديال قطر 2022 إلا أن فلسطين كانت حاضرة في قلوب المنتخبات العربية المشاركة وكذلك في أفئدة الجماهير المشجعة لها .
قبل النكبة
ازدهرت وتطورت الحياة الرياضية الفلسطينية بشكل لافت، حتى أصبحت فلسطين تعد ضمن خمس دول عربية هي الأكثر اهتماماً بالرياضة، غير أن هذا النشاط الرياضي الملحوظ، لم يواكبه نشاط إعلامي رياضي، يشد أزره ويقوي عضده، إذ لم تعرف فلسطين أي مستوى من مستويات الصحافة الرياضية إلا في عام 1924؛ أي بعد ثمانية وأربعين عاماً من صدور أول صحيفة فلسطينية.
وهذا يعني أن فلسطين عرفت هذا اللون من الصحافة مبكراً، مقارنة مع الدول العربية الأخرى، التي بدأ اهتمامها بالرياضة مع حصولها على استقلالها، بعد الحرب العالمية الثانية.
وظهرت فيها الفرق الرياضية الوطنية التي صارت تشترك في المسابقات المحلية والإقليمية والدولية، أو على أقرب تقدير عام 1922؛ عندما قررت جريدة «الأهرام» أن تصبح الرياضة من موادها الأساسية، وتعاقدت مع إبراهيم علام؛ ليكون محررها الرياضي، مشترطة عليه أن تكون حدود أنباء الرياضة في حيز لا يتجاوز ربع عمود يومياً، وبعد النكبة وإنشاء اسرائيل على نحو 78 في المائة من الوطن الفلسطيني ، منع فلسطينيو الداخل من تشكيل أندية فلسطينية خاصة بهم ، واضطر بعض اللاعبين للانتساب قسراً للأندية الإسرائيلية الناشئة؛ لكن على الرغم من ذلك بقيت فلسطين حاضرة في الدورات العربية والمنافسات الإقليمية، واستمر النشاط الرياضي في ظل الاحتلال الإسرائيلي أو في الأجزاء التي أدارتها دول عربية، وتشكلت أندية وروابط للأندية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وكانت تتلقى موازناتها بشكل دوري من قبل منظمة التحرير الفلسطينية التي أنشأت المجلس الأعلى لرعاية الرياضة والشباب في عام 1968، الذي لعب دوراً مهماً في الحفاظ على الهوية الرياضية الفلسطينية. ومع اندلاع الانتفاضة عام 1987م أغلقت الأندية الفلسطينية ومراكز الشباب أبوابها، بينما زج العديد من الرياضيين مع بقية أبناء شعبهم في السجون الإسرائيلية، ناهيكم عن عشرات الشهداء ومئات الجرحى.
تشتت وصعود
إثر نكبة عام 48 وتهجير (850) ألف فلسطيني إلى خارج وطنهم، تشتت النسيج الاجتماعي ومنهم الرياضيون.
في لبنان على سبيل المثال لا الحصر، شكلّ الشباب الفلسطيني فرقا شعبية داخل المخيمات، أطلقوا عليها أسماء بلداتهم للمحافظة على العلاقة مع الأرض والتاريخ، وقد وصل عددها مطلع الخمسينيات إلى أكثر من 60 فريقاً موزّعة على مخيمات برج البراجنة وصبرا وشاتيلا ومار الياس وتل الزعتر بيروت والضاحية والبص والرشيدية والبرج الشمالي وعين الحلوة والبداوي ونهر البارد والمية ومية وجرود بعلبك.
وسطع نجم عدد كبير من اللاعبين الفلسطينيين في كرة القدم في لبنان منذ عقد الستينيات، حيث انضمّ بعضهم للأندية اللبنانية ؛ ومنهم أحمد فستق ووفاء عرقجي، جمال الخطيب وسمير نصّار وحسين قاسم وجميل عباس ورامي وعلي أسعد النجمة والقائمة تطول.
وإثر وصول نحو 85 ألف فلسطيني بعد النكبة الى سوريا ؛ تولدت حالة رياضية فلسطينية في سوريا كنتيجة مباشرة للمجتمع السوري السمح، وسطع نجم مئات اللاعبين الفلسطينيين في العديد من اللعب الرياضية، ليساهموا إلى حد كبير وملحوظ بالنشاط الرياضي في سوريا، ومن بين هؤلاء اللاعب الفلسطيني جورج مارديني الذي لعب في فريق الجيش السوري لكرة القدم حتى عام 1951؛ كما لمع اسم جبرا الزرقاء وكان لاعباً في منتخب فلسطين قبل عام 1948 وأصبح بعد العام المذكور لاعباً في فريق الدرك السوري لكرة القدم حتى عام 1961؛ ومن الأسماء الهامة إسماعيل النجار الذي كان في النادي الإسلامي في حيفا، وانتقل بعد النكبة ليلعب خط وسط في منتخب سوريا لكرة القدم حتى عام 1961؛ أما أسدور الذي كان حارس مرمى في النادي العربي في حيفا؛ فقد بات لاعباً هاماً في فريق الجيش السوري وسافر إلى أرمينيا في أواسط الخمسينيات من القرن العشرين.
وقد ضم فريق الجيش السوري ثلة من اللاعبين الفلسطينيين حتى بداية السبعينيات ومنهم: فؤاد أبو غيدا وهو من طيرة حيفا؛ وكذلك قلب الدفاع المرحوم عزمي حداد؛ وإبراهيم المغربي والأخوان أحمد طالب تميم؛ وإسماعيل تميم وهما من قرية الجاعونة في قضاء مدينة صفد؛ كما سطع نجم آخرين في الأندية السورية مثل: أحمد نجم عمورة من طيرة حيفا وكان لاعباً في نادي النهضة السوري، فضلاً عن نزيه زواوي من قرية معذر قضاء طبريا وكان لاعباً في خط وسط فريق الشرطة ؛ وكذلك هي الحال بالنسبة ليوسف تميم والملقب بالهسي وكان لسنوات قلب هجوم في فريق الشرطة حتى منتصف السبعينيات.
ومن الأهمية بمكان الإشارة الى أن منتخب فلسطين لكرة القدم قد ضمّ خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات لاعبين فلسطينيين من سوريا ولبنان وبرعاية دائرة الشباب والرياضة في منظمة التحرير الفلسطينية.
عن القدس العربي