ملتقى فلسطين : الامساك بالحلقة المركزية

عوني المشني ـ خاص

كثيرة هي المبادرات الفلسطينية التي انطلقت للتعاطي مع حالة التراجع الفلسطينية والتي وصلت لمستويات خطيرة تهدد مستقبل شعبنا ، اغلب تلك المبادرات انطلقت بدافع الحرص الوطني اولا ، وثانياً بمعظمها اعتبرت ان انهاء الانقسام هي الاولوية الفلسطينية والتي تشكل مدخلا للتعاطي مع حالة التردي الفلسطينية ، وقد بذلت تلك المبادرات على شتى أصنافها جهودا مخلصة مضنية لتحقيق تلك الغاية ولكنها جميعها اصطدمت بحالة المرواحة التي بدور فيها طرفي الانقسام وكانت النتيجة وبالتالي لم تستطع تلك المبادرات ان تحدث اختراقا في هذا الوضع ، ومع ترسخ الانقسام وأخذه ابعادا جغرافية يتساوق في مساره مع صفقة القرن صبح لزاما واكثر من اي وقت مضى البحث عن مدخل اخر ليس لعلاج الانقسام فحسب بل لإعادة ترتيب الوضع الفلسطيني بما يمكن هذا الشعب من مواجهة اخطر المؤمرات التي تتعرض لها القضية الفلسطينية الا وهي صفقة القرن .من هنا جاءت فكرة ملتقى فلسطين ، مبادرة فلسطينية مستقلة تقوم على فكرة تجمع طوعي لمثقفين فلسطينيين يتمتعون بدرجة من الاستقلالية تمكنهم من الخروج من فلك القوى السياسية السائدة وإعادة قراءة الوضع الفلسطيني بشكل حر ومنهجي بعيدا عن تاثيرات الجغرافيا والمحاور الداخلية والخارجية على حد سواء . وقد حرص أعضاء الملتقى ومنذ بدايته على ايجاد مساحة مشتركة تؤسس لعلاقة وطنية بين اعضاءه . ادرك الملتقى ان الامساك بالحلقة المركزية في ظل تزاحم وتعقيدات الحاجات الفلسطينية امرا في غاية الأهمية وعليه يعتمد ترتيب سلم الاولويات ، وهذا ليس امرا منهجيا فحسب بل هو تعبير عن فهم سياسي عميق لطبيعة المرحلة ومآلاتها ، فإذا كان المطلوب اسرائيليا وامريكيا عبر صفقة القرن تفائل وحدانية الفلسطينيين كشعب كمقدمة لابتلاع الوطن الفلسطيني فان منظمة التحرير كهوية جمعية وإطارا للوحدة الوطنية هي الاولوية والمدخل الحامي لمواجهة هذه المؤامرة ، وكما هو معروف ان هناك اتجاهين في النخب الفلسطينية في التعاطي مع منظمة التحرير : نهج القوى المتنفذة في المنظمة والذي تتمثل مصلحتها في الحفاظ على وضع المنظمة كما هي الان بل واتخاذ خطوات تزيد من تنفذها وهيمنتها كما حصل في الاجتماع الاخير للمجلس الوطني في رام الله ، والنهج الثاني يعتقد بان تجاوز منظمة التحرير لأطر بديلة او موازية امرا ممكنا كما عبر هذا الاتجاه عن نفسه في اجتماعات القوى الفلسطينية في موسكو ، كلا الاتجاهين يلتقيان بالنتيجة في اضاعاف وإفراغ منظمة التحرير من مضمونها ، وبالتالي تاكل شرعيتها كممثل وحيد وفقدانها دورها كإطار توحيدي او جبهة وطنية عريضة ، وهناك على اطراف هذين النهجين قوى تبحث عن منظمة تجد نفسها داخلها بقوة تاثير اكثر وتدعوا بإصلاحات على قاعدة المحاصصة الفصائلية ، وتلك الرؤية وان لم تكن تشكل منهجا فهي تدور في فلك المنهجين قربا او بعدا عن احدهما وفق المصالح . ملتقى فلسطين اعتبر ان الحفاظ على منظمة التحرير وتعزيزها كهوية جمعية واطار جبهوي وطني يستدعي اعادة بناءها على اسس وطنية ديمقراطية بعيدا عن المحاصصة والهيمنة وبما يضمن تمثيل الكل الفلسطيني في الوطن والشتات بتوازن ، هذا يعني انهاء الهيمنة اولا وقبر مفهوم تجاوز المنظمة ثانيا واعادة توجيه البوصلة الفلسطينية وطنيا بعيدا عن مخرجات التسويات الفاشلة ثالثا ، وهذا يعني وضع الشعب الفلسطيني موحدا ببرنامج سياسي وطني واحد في مواجهة مؤامرات التصفية . هذا يقتضي اعادة انتخاب مجلس وطني حيث يمكن الانتخاب ما امكن وتمثيل مؤسسات المجتمع الفلسطيني المدني تمثيلا شاملا ، وتوزيع العضوية على تجمعات الشعب الفلسطيني الشتات ، فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨ ، الضفة الفلسطينية وقطاع غزة ، بما يتناسب مح حجم السكان ، وهنا يصبح التمثيل الفصائلي بالحد المعقول وبما ينهي التفرد والهيمنة . ان صيغة كهذه لا تمثل حفاظا على المنظمة فحسب بل هي تهيئة شعبنا استعداد لمواجهة صفقة القرن بما تمثله من خطر استراتيجي على شعبنا ، وهي وهذا هو الاهم يشكل اعادة توحي البرنامج السياسي لشعبنا وقواه ومؤسساته ، اضافة لذلك فان معالجة الانقسام تصبح ظل هذا امرا متيسرا وبسهولة ، حيث تصبح السلطة منفصلة إجرائياً وسياسيا وماليا عن السلطة وتتحول السلطة لمهامها الاساسية وهي ادارة الشئون الحياتية لشعبنا دون ان يكون لها مهام سياسية وكذا الحال لاي تجمع فلسطيني في اي مكان . ملتقى فلسطين لم يقدم وصفة جاهزة لشعبنا إنما حدد عبر ورقة سياسية اسس بناء منظمة التحرير ، وترك الجوانب القانونية والإجرائية لمختصين دستوريا وقانونيا ليضعوا تلك التفاصيل كذلك الامر للبرنامج السياسي ترك لممثلي الشعب الفلسطيني عبر محلية الوطني الذي سيشكل ليصوغ هذا البرنامج ، حتى ان ورقة بناء منظمة التحرير فهي ورقة مقدمة للأواسط الثقافية والسياسية لاغناءها عبر الحوار البناء الهادف ، وفِي النهاية فهي ورقة تشكل أساسا لحوار إيجابي ينطلق مما هو قائم طموحا لتحقيق الوضع الأمثل لشعبنا ، والاهم انه بالحوار على اسس قاعدة هذه الورقة يتشكل واي فلسطيني واسع دعما لهذا التوجه وبالتالي فان الملتقى لم يحدد الهدف فقط بل وسيلة التغيير ايضا وهو الحوار الإيجابي الضاغط والذي يشكل اسلوبا حضاريا يليق بشعبنا .واذا كان ملتقى فلسطين توجها متواضعا باتجاه التغيير الإيجابي للوضع الفلسطيني فانه بالتأكيد يلتقي مع كل المحاولات الاخرى الساعية لذات الهدف وبذات الاسلوب ، كما انه منفتح على كل الافكار والاراء ما دامت تنطلق من الهدف الفلسطيني العام والذي يشكل محور تطلعنا .

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *