ملاحظات لا بد منها في الحرب الوجودية المفروضة على الشعب الفلسطيني


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

أحاول أن أستجمع شتات عقلي وما تبقى من حطام قلبي وأنا أتابع بإحساس غامر بالقصور والتقصير ، حرب الإبادة الجماعيه للشعب الفلسطيني المنقولة وقائعها بالبث الحي على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي .

وأحاول “لعجزي عن تغيير المنكر باليد” حصر مقالاتي حول الحرب الوجودية المحتدمة مع المشروع الاستعماري الغربي الصهيوني، وتجنب الخوض في القضايا الفلسطينية والعربية .

غير أن متابعتي للأحداث جعلتني أدرك ترابطهما الوثيق بحيث يتعذر الفصل الكامل بينها

وسأقتصر في مقالي هذا على ملاحظتين تخصان الشأن الفلسطيني

الملاحظة الأولى تتعلق بالصمت المريب الذي يطبق على الموقف الرسمي الفلسطيني . الذي يقطعه بين الفينة والأخرى تصريحات ممجوجة لمسؤولين – لا يراهم الشعب الفلسطيني إلا على شاشات التلفزة، للتأكيد -عندما يطلب منهم- على الشرعية الحصرية لمنظمة التحرير الفلسطينية في تمثيل الشعب الفلسطيني.

ويتناسى مطلقيها الفارق الجوهري بين منظمة التحرير الفلسطينية كوطن معنوي ومظلة وطنية جامعة للكل الفلسطيني، منحها الشعب الفلسطيني شرعية تمثيلية حصرية مستدامة لبلوغ حقوقه الوطنية والتاريخية الثابتة غير القابلة للتصرف ومرتكزها الحرية والعودة وتقرير المصير على أرض وطنه، وأكسبتها التضحيات الهائلة لعشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى الفلسطينيين وصمود الشعب الفلسطيني واصراره على بلوغ حقوقه المشروعة اعترافا عربيا وإقليميا ودوليا، ما يوجب الحفاظ عليها وحمايتها كأحد أهم إنجازات الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة. رغم الحاجة الماسة لإزالة ما اعترى بناها المؤسسية ووظائفها من ترهل، تنطوي معالجته على أولوية قصوى. وتتناقض جذريا مع ما يدعو إليه البعض بإعادة تأهيل المنظمة لدور مستقبلي -بعد اجتثاث غزة جغرافيا وديموغرافيا – للتساوق مع الدعوات المشبوهة/ الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية والعربية / .

وبين النظام الفصائلي الذي منحه الشعب الفلسطيني شرعية مؤقتة ومشروطة بأهليته في قيادة مشروعه الوطني التحرري. باعتباره صاحب الحق الحصري الوحيد في منح الشرعية تمثيله وفي حجبها.

الأمر الذي يستدعي اليقظة والتنبه فلسطينيا ، والمسارعة بإنهاء التماهي والمطابقة بين منظمة التحرير الفلسطينية كإطار مؤسسي تمثيلي جامع للشعب الفلسطيني في كافة مناطق تواجده وحام لحقوقه الوطنية والتاريخية الثابتة غير القابلة للتصرف، ووطن معنوي للشعب الفلسطيني لحين استعادة الوطن المادي/ الجغرافي/.

وبين النظام السياسي الفلسطيني القائم حاليا بإدارة يشوب مواقفها الغموض في مرحلة مفصلية في الصراع مع العدو الصهيوني.

فالنظام السياسي متغير مهما طال بقاؤه. فيما الوطن يتسم بالثبات، وإن كان معنويا، وإلى حين استعادته جغرافيا.

والنظام السياسي الفلسطيني الذي يمكن ان يفوضه الشعب الفلسطيني في الحديث عن المستقبل باسم منظمة التحرير الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر وما تلاه من حرب إبادة جماعيه ينخرط فيها التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري ويحشد فيها كل قواه . هو ،فقط ، ذاك الذي يمثل الكل الفلسطيني ويضم جميع القوى الوطنية الفلسطينية داخل فلسطين وخارجها. بما في ذلك حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي ولجنة المتابعة العربية .

الملاحظة الثانية تتعلق بالغياب الملفت للمثقفين الفلسطينيين في أحلك اللحظات التي يعيشها الشعب الفلسطيني . مقابل الحضور الطاغي للمثقفين في المستعمرة الصهيونية وفي الدول الغربية.

واللافت التباين الجوهري حد التناقض في تداعيات طوفان الأقصى على المشهدين الفلسطيني والاسرائيلي .

فبينما نرى استعادة فورية للوحدة وتجميد للتناقضات بين المثقفين في الكيان الصهيونى، التي بلغت -قبل السابع من أكتوبر- حدة الاستقطاب بينهم حد إمكانية الانخراط في حرب أهلية رؤوها وشيكة . تحولت على الفور إلى اصطفاف غير مسبوق خلف حرب الإبادة الجماعيه للشعب الفلسطيني، إذ وجدوا في التمرد الفلسطيني على واقع الاحتلال والحصار والتصميم على التحرر ، خطرا وجوديا يهدد روايتهم بأحقيتهم الحصرية في أرض الميعاد .

وبالمقابل ، نرى غيابا لافتا للمثقفين الفلسطينيين ، تعكسه حالة نكوص في الحراك الجماعي الذي شهدناه في السنوات القليلة الماضية . وتمظهر في إصدار البيانات المتتابعة التي تعكس توافقا واسعا بين أعداد متنامية من المثقفين الفلسطينيين اتجاه قضايا مفاهيمه، وأحداث وتطورات سياسية. وعودة للفردية -بعد السابع من أكتوبر- عبر مقالات يتسم بعضها بالضبابية وعدم الوضوح إزاء حرب الإبادة الجارية بتسارع ضد الشعب الفلسطيني . بسبب الخلط وعدم التمييز بين الموقف السياسي والأيديولوجي من حركة حماس باعتبارها جزء من حركة الإخوان المسلمين . وبين دورها كفصيل أساسي فاعل في حركة التحرر الوطني الفلسطينية في مواجهة الكيان الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري.

لقد آن الأوان للمثقفين الفلسطينيين الخروج من دائرة الضياع والحيرة. ورؤية الواقع كما هو، وحقيقة ان استهداف التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري لعموم الشعب الفلسطيني. لا يقتصر على حركة حماس، -التي سبق للكيان الصهيونى مهادنتها لخدمة أولوياته وأهدافه الاستعمارية. في منع وحدة الحركة الوطنية الفلسطينية وتكريس الانقسام في النظام السياسي الفلسطيني / فرق تسد / لاستنزاف الفصائل والشعب الفلسطيني في صراعات بينية.

كما ان الاستهداف الصهيوني لا يقتصر – كما يهيأ للبعض – على قطاع غزة، الذي أعاد انتشار جيشه خارجه لإخراجه مؤقتا من الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية المقاومة ، وضربه كلما أبدى تمردا ، ومحاصرته والسعي لاحتوائه بتسهيلات وتفاهمات تبقيه على قيد الحياة ، وتعمق عزله عن عمقه الفلسطيني، وتوظف الثنائية القطبية في النظام السياسي الفلسطيني للضغط عليهما واضعافهما سويا . والتفرغ لتهويد القدس والضفة الغربية والجليل والنقب.

وعندما فاجأ طوفان الأقصى العدو الصهيوني في السابع من أكتوبر ، بضربة استراتيجية تؤذن بتصويب سوء الإدارة الفلسطينية للصراع الوجودي مع نقيضه الصهيونى ، الذي يسارع الخطى لحسم الصراع باستكمال استبدال كامل فلسطين بإسرائيل، واستبدال كل شعبها العربي بالمستوطنين الصهاينه. سارع التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري الملتزم بتنفيذ وعد بلفور ، إلى تغيير جدول أولوياته. باستهداف قطاع غزة بحرب إبادة جماعيه للسكان، وتدميرها عمرانيا لتحويلها إلى مكان يتعذر السكن والبقاء فيه. والمضي قدما في مخططاته لتهويد القدس والضفةالغربية، لاجتثاث بؤر المقاومة ومنعها من التلاحم مع المقاومة في قطاع غزة . وكثف ملاحقته للفلسطينيين داخل الجزء الفلسطيني المحتل منذ العام 1948. ووظف قانون الطواريء لعزلهم عن بعضهم وعن شعبهم الفلسطيني. ومحاصرتهم في معازل وتطويقهم بميليشيات عنصرية مسلحة مفوضة بالقتل، في استعادة للحكم العسكري الذي فرض عليهم بعد نكبة 1948 واستمر حتى العام 1966.

كما وظف قانون الطوارىء لقمع اي معارضة ليهود إسرائيل، ولإسكات اي صوت متعقل يطالب بتسوية سياسية بالانفصال عن الفلسطينيين .

هذا الواقع الجلي الذي يهدد الوجود الفلسطيني وينذر بنكبة جديدة، بات التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري يراها ضرورية لحماية مصالحه الحيوية في المنطقة وعموم الإقليم. وفي صراعه الأوسع مع الصين وروسيا يقتضي منا جميعا الارتقاء إلى مستوى المسؤولية التاريخية . ويستدعي ذلك منا جميعا الفصل بين المواقف السياسية والأيديولوجية من حركات الإسلام السياسي ، وبين المسؤولية الوطنية التي تتطلب من كافة النخب الفلسطينية، وفي مقدمتهم المثقفين داخل فلسطين وخارجها، القيام بدورهم التنويري، وحمل الحقيقة في وجه القوة . والعمل على بلورة توافق جماعي، أقله كالتوافق الكبير الذي أظهروه قبل شهرين للرد على خطاب أبو مازن المسيء في المجلس الثوري بتاريخ 24/8/2023. والعمل على صعيدين متوازيين :

– على الصعيد الإجرائي

أولا: إصدار بيان باللغة العربية وترجمته إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والاسبانية ونشره على أوسع نطاق،، يوقع عليه المثقفون الفلسطينيون ويوضحون فيه بجلاء

* مخاطر حرب الإبادة الجماعيه في قطاع غزة، المتزامنة مع الاعتداءات والتطهير العرقي الجارية بتسارع في الضفة الغربية. والقمع والاجراءات الانتقامية ضد مواطني إسرائيل الفلسطينيين .

* المطالبة بالوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة

* المطالبة برفع فوري للحصار المفروض على قطاع غزة وفتح معبر رفح لإيصال المساعدات الإغاثية العاجلة كالدواء والغذاء والماء والكهرباء والوقود ومستلزمات الإيواء و الأغطية والملابس الشتوية الخ….

* التأكيد على رفض مخططات التهجير الفلسطيني داخل الوطن الفلسطيني وخارجه.

* التأكيد على عدم الاعتراف بأي شرعية فلسطينية أو عربية أو دولية لأي نظام تأتي به حاملات الطائرات الامريكية والأوروبية والديابات الاسرائيلية ويتأسس على أشلاء أبناء الشعب الفلسطيني.

* المطالبة بتشكيل فوري لقيادة إنقاذ وطني بالتوافق تضم كافة الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية لإدارة الصراع، لتعذر فرز قيادة تكتسب شرعيتها بالانتخاب أثناء الحرب.

ثانيا : تشكيل مجموعات عمل قطاعية متخصصة لتوفير المعلومات الضرورية لتعزيز الرواية الفلسطينية، والنهوض بالوعي المعرفي حول ما يجري في فلسطين

– توثيق جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل على امتداد فلسطين الانتدابية.

– توثيق الإجراءات العقابية الاسرائيلية ضد مواطني إسرائيل الفلسطينيين في مختلف القطاعات.

– توثيق الاجتياحات والاعتداءات الاسرائيلية في مخيمات وقرى ومدن الضفة الغربية والقدس

– متابعة وتوثيق التصريحات العنصرية ضد الشعب الفلسطيني التي تدلي بها القيادات السياسية والعسكرية والمستوطنين ونشرها على أوسع نطاق . باعتبارها اعترافات وشهادات تؤسس لرفع دعاوى في محاكم الدول الغربيه ، ومحكمة الجنايات الدولية.

ثالثا : حشد مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني ومخاطبة مؤسسات الأمم المتحدة وللمنظمات الحقوقية الدولية ، والضغط لتوفير الحماية الدولية للمواطنين الفلسطينيين في كامل فلسطين الانتدابية .

رابعا : تفعيل شبكة علاقات الأكاديميين والمثقفين وتوجيه رسائل الى إدارات الجامعات والمراكز البحثية في الدول التي لها علاقات مع إسرائيل ، معززة بالإجراءات العقابية التي تتخذها الجامعات الإسرائيلية ضد الأساتذة والطلبة والموظفين الفلسطينيين من مواطني إسرائيل. ومطالبتها بالضغط على إدارات الجامعات الاسرائيلية لوقفها والغائها

على الصعيد الفكري

– تشكيل مجموعات عمل متخصصة لتقييم موضوعي لتداعيات طوفان الأقصى على الصعد المختلفة : السياسية والاقتصادية والقانونية الخ…. واستشراف الفرص المتاحة وهي هائلة. يعكسها التضامن الجماهيري الواسع مع الشعب الفلسطيني غير المسبوق تاريخيا، سواء من حيث حجم تجاوب الشعوب الهائل مع قضية تتجاوز اهتماماتهم المحلية .أم من حيث اتساع نطاقه الجغرافي الذي غطى الكرة الارضية بأسرها. أم من حيث شموليته لكافة الأعراق والألوان والقوميات والأديان والمعتقدات. والتي أسهم فيها تسارع تداعيات النيوليبرالية على حياة جميع الدول والشعوب. وتفاقم اختلال التوازن بين الدول وداخلها . وتعمق الانقسام بين قلة صغيرة متناقصة يتزايد ثراؤها وتتعاظم قوتها وتشتد سطوتها وتغولها ، وبين أغلبية متنامية تتناقص مواردها ويتزايد فقرها وتتراجع مناعتها وتشتد محاصرتها.

فبات المظلومون على امتداد العالم يشعرون بأهمية النضال الجماعي المشترك لمواجهة الظلم والفاشية والإبادة الجماعيه التي يتعرض لها قطاع غزة.

فالشعب الفلسطيني لم يعد وحيدا. ويقف معه اليوم الأحرار والمدافعين عن العدالة وحقوق الإنسان على امتداد العالم، ويدعمون نضاله الوطني التحرري. ويقفون معه في كفاحه لهزيمة النازية الجديدة ، ما يوفر فرصة تاريخية- إن أحسنا توظيفها، باختزال معاناة شعبنا الفلسطيني المكافح الصابر ، وإعادة فلسطين إلى مكانها على الخريطة الجغرافية العربية والإقليمية والدولية .

-تشكيل مجموعات فكرية تهتم بصياغة الرؤية المستقبلية لحل المسألة الفلسطينية وصوغها في مشروع نهضوي تحرري إنساني نقيض للمشروع الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري ، مدرك لتلازم حل المسألة الفلسطينية بحل مسألة يهود إسرائيل المعادين الصهيونية. والاشتراك سويا في النضال التحرري الإنساني لهزيمة الاستعمار والصهيونية والعنصرية ، وتشارك العيش في دولة ديموقراطية تعددية واحدة على كامل فلسطين الانتدابية ،تضمن الحريات والتنوع العرقي والاثني والقومي والديني والثقافي . ويتساوى مواطنوها أمام القانون في الحقوق والواجبات .

ولا يستبعد في الوقت ذاته صيغا انتقالية بالانفصال مؤقتا في دولتين- لا تكبل المستقبل والحل النهائي المشار إليه أعلاه،- تبدو ممكنة التحقق في المدى القريب، لارتكازها على قررات الشرعية الدولية التي تجسدها قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالصراع ، بدءا بالقرارين رقم 181 لعام 1947 الخاص بتقسيم فلسطين، والقرار رقم 194 الخاص بعودة اللاجئين وتعويضهم . واللذين على أساسهما اكتسبت دولة إسرائيل شرعيتها القانونية ، واشترطت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قبولها انضمام إسرائيل بالتعهد بتنفيذهما . ولا تستثني القرار رقم 242 لعام 1967، شريطة اقترانه بإنهاء التمييز العنصري ضد مواطني إسرائيل الفلسطينيين ، ومساواتهم مع مواطنيها اليهود. والقرار 194 الخاص بعودة اللاجئين .

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

Author: غانية ملحيس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *