خاص – ملتقى فلسطين
تصاب بالذهول وأنت تراجع أسماء أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني المنشورة في آخر تحديث عام 2015 قبل مهرجان رام الله الأخير في 30 نيسان/أبريل 2018. وأول ما يلفت نظرك أن القائمة تشمل 714 عضوا وهو أمر محير ويثير التساؤل المنطقي: هل لمجلس بهذا العدد يمكنه أن ينجر شيئا؟ هل يمكن ل 714 عضوا وما يلحق بهم من مراقبين ومرافقين وحرس وأجهزة أمنية منتشرة بين الأعضاء لسماع همساتهم، أن يناقشوا قضية ولو واحدة بجد ويأخذوا قرارات حقيقية تعكس غالبية رأي الحضور؟ والجواب بكل بساطة لا. وأقول هذا ليس من موقف المتفرج عن بعد بل لأنني شاركت شخصيا كمراقب في جلسات للمجلس كان آخرها 1983 في الجزائر ورأيت بأم عيني كيف تتحول الدورة إلى مهرجان خطابات حتى يمل الحضور وتسلق الأمور بدون أي تروٍ أو تمعن في الساعات الأخيرة للدورة. تفتتح الدورة بكلمات التضامن من الضيوف وأعدادهم كبيرة. ثم يأتي دور الفصائل ثم ليلة للشعر وأخرى للدبكة الشعبية. ويوكل البيان السياسي للجنة الصياغة المنتقاة بعناية كي يمرر الرئيس من خلالها ما يريد. ويقرأ البيان الختامي دون مناقشة في الجلسة الأخيرة التي يغيب عنها الكثيرون لارتباطهم بسفر أو إجهاد أو عودة مبكرة، وتنتهي الجلسة مع منتصف الليل بالتصفيق وتجديد اعضاء اللجنة التنفيذية السابقة، يحذف منهم بعض المشاغبين ويضاف إليهم بعض المتسلقين. الخروج من بيروت وتجربة حرب ال88 يوما والتشتت في أصقاع العالم العربي والدخول في مرحلة ما بعد رحيل الثورة من لبنان ووعود الرئيس ألأمريكي ريغان ودور فيليب حبيب في مفاوضات الرحيل ومذبحة صبرا وشاتيلا لم يتم التوقف عندها إلا بشكل عابر. كل ما طرح كان عبارة عن إشادة بالصمود والبطولات في بيروت، وأقسم أحدهم “أن حلف الناتو يدرس معجزة صمودنا في بيروت” أما خواتم تلك الحرب والرحيل بعدها إلى المنافي فلا ذكر لها. ومنذ ذلك المؤتمر تفرقت الطرق بيننا وتذكرت قول مظفر النواب: “حينما لم يبق وجه الحزب وجه الناس قد تم الطلاق”.
ملاحظات حول حجم المجلس الوطني وعضويته.
العدد
لنراجع بعض أعداد برلمانات عالمية مهمة لنرى أن الغالبية الساحقة من البرلمانات لا تتجاوز المئات الثلاث وأحيانا الأربعة وتنزل إلى ما دون المئة في كثير من البلدان الصغيرة والمتوسطة. فبلد كبير مثل الولايات المتحدة الأمريكية عدد مجلس الشيوخ الأمريكي 100 عضو وأعضاء مجلس النواب 435 عضوا، أي أن مجموع ممثلي دولة عدد سكانها 330 مليون نسمة 535 شخصا مقسمومين على مجلسين. وعدد سكان البرلمان البريطاني 650 عضوا لدولة كانت تدير مستعمراتها حول العالم وما زالت ترأس الكومونويلث للدول التي كانت يوما جزءا من إمبراطوريتها. أما روسيا فعدد أعضاء الدوما 450 عضوا. وكندا 338. أكبر مجلس شعب في العالم هو مجلس الشعب الوطني في الصين الشعبية الذي يصل عدد أعضائه إلى 2980 (عام 2018) وهم يمثلون المجالس البلدية والمناطقية والمقاطعات لدولة المليار و400 مليون يعملون في مناطقهم ثم يجتمعون لمدة أسبوعين في السنة لاتخاذ قرارات تشريعية لكن هناك لجنة من 170 شخصا (على طريقة المجلس المركزي) في حالة اجتماع متواصل للقضايا اليومية. البرلمان الفرنسي يضم 384، والمصري 596، والألماني 630، والياباني 242 والهندي 560 إضافة إلى مجلس الشيوخ 245 المعين في معظمه. أما الدول غير المعترف بها فعادة تضم برلمانات صغيرة مثل كوسوفو 120 وتايوان 113، و الصحراء الغربية 53، وقبرض الشمالية 50.
مؤتمر وادي الصومام للثورة الجزائرية 20 آب/ أغسطس 1956 ضم 34 عضوا فقط. أما تعويم المجلس الوطني بهذا العدد الكبير من المستقلين والفضائل والعسكر والاتحادات والنقابات فليس له أي مبرر إلا تحويلة إلى مهرجان يصفق للقادة ويمرر ما يريدون. ولا عجب أن نفس هذا المجلس مرر النقاط العشرة وحل الدولتين والاعتراف بقراري 242 و 338 كأساس لحل الصراع وأعلن الاعتراف بحق دول المنطقة بالعيش بسلام ضمن حدود آمنة وأعلن التخلي عن الإرهاب والعنف والتحريض وألغى معظم بنود الميثاق الذي تتحدث عن الصهيونية وحق الشعب الفلسطيني في وطنه واحتلال كل فلسطين الذي لا يموت بالتقادم و الكفاح المسلح وحرب الشعب طويلة الأمد. الذي غير البرامج هي القيادة والذي صفق لها معظم أعضاء هذا المجلس المسيطر عليه من قبل حركة فتح في الماضي والحاضر.
تصنيف الأسماء
تبدأ القائمة الطويلة المكونة من 27 صفحة بقائمة المستقلين التي تصل إلى 158 عضوا. ولو تفحصت القائمة لوجدت فيها الكثير من المحسوبين على الفصائل صنفوا كمستقلين. ومن بين المشمولين رئيس المجلس الوطني منذ 1993 سليم الزعنون (وعمره 87 عاما)، وكذلك ليلى خالد، وأحمد مجدلاني، والشاعر المرحوم أحمد دحبور، والمرحوم أنيس البرغوثي، والمرحوم سميح أبو كويك (قدري) وسلمان الهرفي السفير المتقاعد ورشاد أبو شاور، وعبد الباري عطوان وعائشة عودة وغيرهم من الأسماء التي لم تشارك في أي لقاء لا من قريب ولا من بعيد بعد اتفاقيات أوسلو. بعد قائمة المستقلين تجد قائمة جديدة غريبة تحت بند “الجدد في الوطن”، وعددهم 86 ومعظمهم من الموظفين التابعين للسلطة أو الوجهات العشائرية. يأتي بعدهم أعضاء المجلس التشريعي وعددهم 125 عضوا كما جاء في القائمة. وبعد ذلك يضاف 42 تحت قائمة العسكريين، وقد يكون هذا البرلمان (إن صحت هذه التسمية) الوحيد الذي يعطي حصة للعسكريين ليدخلوا دون انتخاب.
المنطقة الوحيدة التي ذكرت كجغرافيا هي الولايات المتحدة والتي أدرج تحتها 14 إسما مات معظمهم أو أصبحوا غير قادرين على العمل لأسباب السن أو التوازن العقلي. فمثلا المرحوم سميح فرسون مذكور في القائمة وقد توفي عام 2005. بينما غادر حسن عبد الرحمن، سفير فلسطين في واشنطن، عام 2006 ليصبح سفيرا في المغرب ثم يتقاعد منذ نحو عشر سنوات. ولا أريد أن أعلق على بعض الأسماء التي أدرجت لمعرفتي بها والتي لا علاقة لها بالوطن أو العمل الوطني.
بعد ذلك تأتي حصص الفصائل فتمنح فتح 51 مقعدا والجبهتان الشعبية والديمقراطية 21 لكل منهما وحركة فدا لصاحبها سابقا ياسر عبد ربه 13 مقعدا، وجبهة التحرير الفلسطينية 12 والصاعقة 12 حيث لم يعثروا على الإسم الثاني عشر فتركوه شاغرا لصالح الصاعقة التي لم يعد لها وجود لا في فلسطين ولا لبنان ولا سوريا. وتتابع الحصص فتجد جبهة التحرير العربية 9 مقاعد هي وحزب الشعب بينما تمنح حركة الجهاد الإسلامي 5 مقاعد وجبهة النضال 7.
وبعد الفصائل يأتي دور الاتحادات والنقابات فيمنح اتحاد المرأة 27 مقعدا فالعمال 18 فالمعلمون 14 فالطلاب 13 فاتحاد الكتاب 8 أما اتحاد الصحفيين فواحد فقط علما أن عدد الصحفيين في أي بلد يفوق عدد الكتاب الممتهنين. وكذلك يفصل اتحاد الفنانين، فيعطى مقعدا واحدا للتعبيريين ومقعدا آخر للفنانين التشكيليين ثم تعطى 10 مقاعد للأطباء مدموجين في الهلال الأحمر الفلسطيني. كما أعطيت بعض المقاعد لحركات لم يسمع بها أحد.
هذا العدد الكبير لا يمكن أن يقوم بمناقشة جادة لأي موضوع مصيري مثل اتفاقيات أوسلو أو إلغاء بنود من الميثاق عام 1996 أو إعادة الإلغاء بالتصفيق أمام الرئيس كلينتون عام 1998. لهذه الأسباب عبرت القيادة من مرحلة التحرير إلى مرحلة التسوية وتنازلت عن 78 في المئة من فلسطين في اتفاقيات أوسلو ومع هذا كان المطلوب من الشعب الفلسطيني أن يستقبلهم عندما عادوا عام 1994 كأبطال محررين بينما الحقيقة كانت كما تكشفت الأمور فيما بعد أنهم عادوا ليصبحوا جهازا أمنيا لإسرائيل، بعلم أو بخديعة، لا فرق فالنتيجة واحدة.
لذلك أطلق ملتقى فلسطين مبادرة مهمة حظيت بتأييد الكثيرين لانتخاب مجلس وطني جديد حقيقي يمثل فيه الناس بالانتخاب ما أمكن لا يتجاوز 150 شخصا وفي أكثر تقدير 200 ليقوموا فورا بانتخاب لجنة تنفيذية فاعلة قادرة على التحرك وإعادة لملمة الشظايا- والانطلاق من جديد إستنادا إلى السردية الحقيقية القائمة على شعب واحد وأرض واحدة وقضية واحدة، ويكون النضال على هذا الأساس لا البحث عن دولة الوهم التي ما فتئ الأوسلويون يوعدون شعبنا بها ليتبين أنها سراب كلما اقتربنا منه قفز بعيدا لنلحق به. صدقنا السراب مرة وراء مرة لكن الحقيقة بأنت وأن الدولة المستقلة المترابطة القابلة للحياة وعاصمتها القدس الشريف “شاء من شاء وأبى من أبى” التي وعدنا بها ما هي إلا وهم تبدد تماما أمام عيوننا منذ عام 1999. لقد حان الآن وقت النهوض والاستنهاض.