مكامن الخلل
على هامش انعقاد مؤتمر الحزب الشيوعيّ الإسرائيلي ـ الـ 28
يبدو لي أن هناك فارقًا بين قوة مجتمعنا/شعبنا هنا وبين تمثيله في أحزاب والكنيست أو في الأطر الجامعة. في اعتقادي أن مجتمعنا أقوى بكثير من التمثيل الحالي الذي هو محصّلة سيرورات تاريخيّة. بمعنى أن التمثيل في أحزاب متأخّر عن طاقة مجتمعنا السياسية والإنسانيّة. أو إنه ـ التمثيل ـ غير جاهز لحمل كامل الطاقة الكامنة في مجتمعنا وتحويلها إلى فعل سياسيّ مؤثّر. ومن هنا أن قسمًا منها يذهب مرغمًا إلى الحيز الصهيوني على أمل منها أن تستفيد من مكوّناته المدنيّة.
هذا الخلل الذي يُعيق السياسة العربية يأتي من عوامل تاريخية ـ اجتماعية ـ سياسيّة ـ تنظيمية عديدة وأهمّها ثلاثة:
الأول ـ غياب قراءة مُحتلنة للواقع والتاريخ (لا يزال الجميع في حدود وعي قرار التقسيم ودولتين لشعبين أو أدنى من ذلك ـ الحركة الإسلامية الجنوبية) تنفذ إلى صميمه وتُحيط به إحاطة منهجية علمية يتمّ تعميمها. أقول هذا علما بوجود قراءات حزبية جهوية تقادمت جدّا خاصة وأنها متأثّرة بإيديولوجيات منهارة أو مأزومة ـ قراءة ماركسية اهترأت تمامًا علما بوجود قراءات ماركسية جديدة ومحتلنة على مستوى العالم والتنظير المُستأنف في الماركسية، وقراءة إسلامية مائعة محصورة في الحقوق الدينية والميزانيات والاصطفاف ظهير أيمن في منظومة استعماريّة، وقراءة قومية مقسومة على نفسها لم تتفق إلى الآن على قراءة أحداث الثورة المضادة للربيع العربي. من هنا دعواتي المتكرّرة إلى القيادات أن تجتهد في تحديث قراءتها للواقع السياسي والإقليمي والدولي الذي نعيش وسطه كي تعرف ماذا ستقول للناس وإلى أين تريد أن تقودهم.
الثاني ـ هو العجز التنظيمي الواضح. فالقواعد التنظيمية هي، أيضا، متقادمة غير قادرة على حمل المُستجدات لا سيما التحوّلات الاجتماعية ـ الاقتصادية داخل مجتمعنا. فلا الأحزاب تطوّرت تنظيميًا (تبدو لي من مشاهداتي جامدة أو في تناقص) ولا الهيئات الجامعة قادرة على حمل الراهن خاصة وأنها تنوء تحت أعباء الماضي. لنأخذ لجنة المتابعة مثالًا. فهي محصّلة توازنات قوى في الثمانينات والتسعينيات ولم تستطع إلى الآن أن تشمل مراكز القوى الجديدة لا سيّما الفئات الوسطى الصاعدة ولا أن تستفيد من اجتهادات مفكرين/ات ومثقفين/ات عندنا ولا هي عدّلت من قراءتها للاجتماع في البلدة العربية.
الثالث ـ لا تزال أوساط قياديّة بيننا مرهونة في قرارها وتوجّهاتها للخارج ـ السلطة الوطنية أو جهات عقائديّة في الإقليم أو لمموّلين. عامل يُجهض كل محاولة جادة لتشكيل إرادة جمعية معقولة وقادرة. وهو عامل يمنع أيضا وجود قراءة جمعية مستقلّة للراهن تمهيدًا لاستشراف المستقبل.
كل هذه الأمور وغيرها تحول دون تحويل الطاقة السياسية الكامنة في مجتمعنا هنا إلى فعل سياسيّ مؤثّر. وهي عوامل تمنع قبل ذلك تطوير مشروع سياسيّ جديد وجامع يشكّل قاعدة نظريّة للفعل السياسيّ. من هنا يتمّ الهرب إلى سياسات شعبوية تركّز في الغالب على المطالب اليومية ـ ولا اقلّل من أهميتها ـ وعلى صورة في جلسة عمل أو لقاء، ما عدا موقف هنا أو هناك.
ما العمل؟ هو سؤال المليون. تبدأ الإجابة عليه حينما نقرّ أن إرثنا ثقيل ولم يعد ينفع في معظمه بل صار عبئًا نُدافع عنه مكابرة وننسى أن الأحزاب وجدت لتأخذ المجتمع إلى غد أفضل وليس لتقدّس تاريخها الذي قد يكون مليء بالثغرات والزلّات.