مقال قد يكون مملاُ! لكن لا بد منه..
جميل عبد النبي (غزة)
وسط كل هذا الضجيج الذي تعاني منه الساحة السياسية الفلسطينية، وحالة التجاذب غير المسبوقة، يسهل تصنيف أي محاولة نقدية، على أنها تعبير عن كراهية مسبقة للجهة محل النقد، لكن الحقيقة ليست دائما كذلك، وشخصيا لم أنف يوما من الأيام، ولم أخف معارضتي لحماس، وعدم إعجابي بها، لا كحكومة، ولا كتنظيم، لكنني أزعم أنني لا أكرهها، ولقد كتبت يوما مقالا مطولا- لا يزال جوجل محتفظا به- عنوانه: ” لحماس ” أعادت بعض الصحف المحلية نشره يومها، كان مضمونه باختصار: أنني لا أتمنى شطب حماس، لأنني لا أريد نظاما سياسيا أحادي الحزب، المسألة إذن ليست مسألة حب وكراهية، حتى وإن بدت بعض ملاحظاتنا قاسية، المسألة تتعلق بوجهات نظر لم يعد بوسع حماس أن تتجاهلها، وأن تكتفي باتهام مطلقيها بالحقد، والكراهية، دون أن تقدم إجابات حقيقية لما يتم طرحه.مثلا: كانت الخطيئة الأولى التي ارتكبتها حماس وآخرون، أنها تجاهلت الواقع الإقليمي، والدولي، المتعلق بالقضية الفلسطينية، وظلت تطلق شعارات عاطفية، دون أن تبين لنا كيف يمكن لهذه الشعارات أن تتحول إلى برنامج سياسي ممكن التطبيق، من ضمن هذه الشعارات، شعار تدمير إسرائيل بقوة السلاح، واكتفت بخطاب بعيد عن التفاصيل، يدمج في ثناياه بعض النصوص الدينية، التي زادت من تعقيد المشكلة، إلى الحد الذي صار معه مجرد الحديث عن فحص منطقية هذا الشعار مخالفة دينية، ووطنية..! لم تبين لنا حماس إن كان هذا التدمير سيتم بقوة فلسطينية ذاتية، وبسلاح فلسطيني يتم تكديسه لهذه المسألة، وأي نوع من السلاح سنحتاجه لهذه المهمة، وهل يمكننا بالفعل الحصول عليه؟ وإن كان التدمير سيتم بواسطة قوى خارجية نراهن على تخلقها في المحيط، فأين هي هذه القوى؟ ومتى يمكن أن تتم جهوزيتها؟ وما هو دورنا في فلسطين خلال فترة عدم الجهوزية؟ وهل هذا الدور يحتاج إلى تجييش المقاومة؟ وإن كان الجواب لا، فلماذا كل هذا السلاح، الذي منح إسرائيل فرصة إظهار صراعها مع شعبنا الأعزل، وكأنها حرب بين متكافئين، أو حرب ضد الإرهاب، كما استطاعت فعلا إسرائيل أن تقنع العالم به؟الخطيئة الثانية:الفكرة البائسة التي أوهمت بها نفسها، أن الجمع بين المقاومة وسلطة تحت الاحتلال أمر ممكن..! وتكرارها للشعار العاطفي: يد تبني، ويد تقاوم..! دون أن تقول لنا كيف يمكن لها أن تحصل على مقدرات البناء من الاحتلال، وهي ترفع شعار تدمير هذا الاحتلال، ولا كيف يمكنه أن يمنح قوة تفكر في تدميره، ما يساعدها على إتمام مشروع التدمير..!حتى بعد اثنتي عشرة سنة من الانحدار البنيوي للحياة الفلسطينية في قطاع غزة، لا تبدو حماس مستعدة لأن تعترف أنها لم تستطع تحقيق هذا الشعار، وليس لديها ما تقدمه لمتضرري فترة حكمها، ولا حتى وعود مستقبلية، إنما مطالبة بمزيد من الصبر لأجل غير محدود، وهي ترى، وتدرك، أن مئات الآلاف من الشباب تحت حكمها لا أمل لهم في أي مستقبل، ولا يعرفون ماذا ينتظرون، ولا حتى لماذا هم أحياء..!الخطيئة الثالثة:تزعم حماس أن بقاءها في الحكم يعني بقاء برنامج المقاومة، ونحن لا نرى ما يدلل على أن الحكم تحت الاحتلال يحمي المقاومة كفعل حقيقي على الأرض، إنما كجيش لا يملك القدرة الحقيقية على تحقيق غاية تدمير إسرائيل، ولا تحقيق انتصارات عسكرية حقيقية، بينما تتخذ إسرائيل من ذريعة دمج الحكم بالمقاومة حجة لخنق غزة.لم تقل لنا حماس شيئا عن مستقبل المقاومة فيما لو صارت غزة كيانا مستقلا، هل يمكن لهذا الجيش أن يواصل شن هجماته على الدولة التي تقبض على كل مدخلات حياته، ثم يستطيع بعد ذلك أن يوفر حياة كريمة لمن هم تحت حكمه؟ وهل سيتحول دوره إلى جيش للضبط الداخلي، ما يجعله عرضة لانتقادات كتلك التي تشنها حماس على أمن السلطة في الضفة؟وهل ستواصل التذرع ببناء القوة إلى أجل غير مسمى، وهل ستصل إلى قوة تمكنها من تدمير إسرائيل؟ أم أن هذا الجيش لن يكون أكثر من جيش شبيه بجيوش الدول العربية التي تواصل البناء، دون أن تمتلك القدرة على مهاجمة إسرائيل؟أنا أزعم أن أي كيان مستقل سينشأ في غزة، سيعني نهاية عملية لفكرة المقاومة المسلحة، وسيكون أقصى حلم هذا الكيان هو فقط الحصول على بعض مقومات الحياة، دون أن يكون له الحق في التدخل فيما تقوم به إسرائيل خارج غزة، وفي الضفة تحديدا.أين المخرج؟لا شك أن المشهد في غاية التعقيد، سواء على مستوى الساحة الداخلية الفلسطينية الممزقة، والمشحونة بعدم الثقة، أو في المشهد الإقليمي، والدولي الداعم لإسرائيل، لكن دائما يبقى هناك ما نستطيع فعله.لا بد أولا من الاعتراف بأن فكرة إزالة إسرائيل بقوة السلاح ليست فكرة قابلة للتطبيق في الوقت الراهن، وعليه.1. طالما أن السلاح الفلسطيني لن يكون قادرا وحده على تدمير إسرائيل، وأن أقصى ما نستطيعه في هذا الشأن هو أن نحافظ على حضور المظلومية الفلسطينية، فإننا نستطيع التوافق على ما نسميه النضال الشعبي السلمي- والذي لا تعارضه السلطة- ما يعني أن مساحة الخلاف قد تقلصت كثيرا.2. توحيد النظام الفلسطيني، دون أن نحاول الزعم بأن سلطة تحت الاحتلال يمكنها أن تتبنى برنامج مقاومة مسلحة، وتستطيع في نفس الوقت توفير مقدرات البقاء، والحياة الكريمة.3. ولأن تجييش المقاومة كان خطأ كبيرا، حيث جلب ردات فعل إسرائيلية عنيفة، ودحرج المواجهة إلى المربع الذي تتفوق فيه إسرائيل، فلا بد من العودة إلى الحد الأدنى من الفعل، الذي يحافظ فقط على جذوة الصراع مشتعلة، وبتوافق فلسطيني كامل، لا يحتاج إلى جيوش، تجعلنا أمام العالم قوة موازية لإسرائيل، بينما نحن في الحقيقة لم نتجاوز بعد صفة الشعب الأعزل.4. قبول السلطة بإشراك حماس، بعد وضع السلاح تحت سلطة فصائلية وطنية مشتركة تابعة للسلطة، واستخدامه فقط كسلاح دفاعي، فيما لو تعرض قطاع غزة لهجوم إسرائيلي……….أدرك ان ما طرحته كخاتمة لا يكفي، وأعرضه هنا للفحص والإضافة.لن ألتفت إلى التعليقات التي لا تناقش الفكرة بالفكرة، وتكتفي بتهمة الحقد والكراهية، فيما سأكون سعيدا بأي معارضة للفكرة مبنية على البرهان، ومقيدة بأخلاقيات الحوار.