مقاربة أولية لفهم متغيرات الصوت العربي في الانتخابات الإسرائيلية
في محاولة لمقاربة التغييرات والمستجدات في السياسة العربية خارج الإطار الإسرائيلي
السياق الذي نجح في فرض نفسه على معظم المعلقين والمحللين:
١) لا يمكن فهم وتحليل ظاهرة انشقاق الحركة الاسلامية الجنوبية عن المشتركة وخوضها الانتخابات ونجاحها واستقطابها شرائح غير متدينة ومن الطبقة الوسطى من الناخبين دون العودة إلى تحليل التيارات العميقة التي جرت وتجري تحت السطح داخل المجتمع الفلسطيني في الداخل والمنطقة. وتتداعى الأسئلة الهامة حول مستقبل العمل المشترك داخل لجنة المتابعة والأطر الجمعية الأخرى وما هو الثمن الذي ستكون “الموحدة” على استعداد لدفعه مقابل قبض بعض الفتات الذي يعد نفسه به منصور عباس وقائمته. ونقول فتات لأن منصور ابتعد حصريا وعن نية مسبقة عن أي مطلب يعرف سلفا بأنه يمت بصلة إلى جوهر سياسة الإقصاء والتمييز، فهل كان ممثل الاسلامية الجنوبية ليرفع مطلبا بتحرير الأوقاف الإسلامية وإرجاعها إلى أصحابها الشرعيين أو رفع يد سلطة أراضي إسرائيل عن مقبرة الشيخ عزالدين القسام أو منع المستوطنين من دخول الأقصى المبارك أو حتى الاعتراف بملكية عرب النقب على أراضيهم.
من الواضح أن الخطاب الشعبوي للموحدة الذي جمع بين اللجوء إلى المحافظة الاجتماعية باستخدام الدين من جهة والمطالب المدنية في المساواة والتأثير والاندماج وجد أرضا خصبة.
٢) يبقى السؤال المركزي والأهم هل يمكننا كشعب خوض اللعبة السياسية الإسرائيلية التي تجري ضمن علاقات القوة وقوانين اللعبة التي يضعها نظام التمييز والفصل العنصري ولعب دور داخل البرلمان كلاعب مؤثر ومفيد لتحصيل الحقوق وفي نفس الوقت عدم الانزلاق إلى مهاوي الأسرلة وفقدان الهوية والابتعاد عن الجذور ومقايضة روايتنا التاريخية وكوننا أصحاب الوطن الأصليين “بإنجازات”مدنية وهمية وقبول مواطنة مجتزأة في نظام استعماري.
هل يمكن أن يتحول التمثيل العربي في البرلمان الإسرائيلي إلى تمثيل العرب كمجموعة قومية ضمن استراتيجية واضحة لطرح القضايا الجماعية من قبل قيادة شعب وليس مجموعة مشتتة من النواب تتنافس على النجومية والظهور في الإعلام والقبول بدور يكاد يشبه دور الوسيط أو الوكيل بين السلطة والمواطن؟؟ هل يمكن حمل خطاب ومشروع ديموقراطي مدني يعتمد خطاب الحقوق والمواطنة المتساوية مما يعني بالضرورة مقاومة المبنى والممارسات الاستعمارية للدولة التي تعرف نفسها دولة اليهود؟ أي بمعنى آخر هل يمكن ترجمة شعار دولة كل مواطنيها على أنه مشروع نزع للطبيعة والبنى الاستعمارية للدولة العبرية؟
٣) هل نجحت المشتركة في تحقيق أي خطوة في هذا الاتجاه.
كان هذا هو المأمول من إقامة المشتركة عام ٢٠١٥ وكان هذا ما عولنا عليه في التجمع الوطني الديموقراطي خاصة بعد أن تحولت المشتركة إلى الكتلة الثالثة في البرلمان. وقد توفرت فعلا عوامل تأثير جيدة لو عملت المشتركة بانسجام ومن خلال رؤية استراتيجية تصبو لتمثيل المصالح الجماعية النابعة من أننا شعب نعيش في وطنا ولنا حقوق تاريخية غير مشتقة من المواطنة. ولكن بدل رفع سقف المطالب والعمل من خلال هذه الرؤية الاستراتيجية سقطت المشتركة في الامتحان منذ خطواتها الأولى وأصبحت مجموعة مبعثرة من النواب يتنافس بعضهم على النجومية ومن أقرب إلى “الصحن” ومن تربطه علاقات أوثق بالوزير الفلاني أو العلاني وكل يغني على ليلاه، وفشلنا كأحزاب في تحقيق الحد الأدنى من برنامج ومشروع المشتركة كمشروع وطني جماعي دعمته الغالبية الساحقة من المصوتين العرب، وسعى كل حزب باستثناء التجمع لتحقيق مكاسب فئوية من خلال المشتركة وتحسين حصتها من المشاركة للمرات القادمة، وكنا نواب التجمع ندفع بالاتجاه المعاكس بكل قوتنا ونحاول رفع السقف وخاصة سقف الخطاب والممارسة واستخدمنا الكوابح والفرامل أحيانًا وبادرنا لفعاليات ذات بعد سياسي وطني أحيانًا (على سبيل المثال لا الحصر لقاء عائلات الشهداء في القدس والعمل على تحرير جثامين الشهداء، ودخول مسجد الأقصى وكسر قرار نتنياهو وغير ذلك) وتعرضنا نتيجة ذلك للإبعاد وعقوبات أخرى ولكن في المحصلة فشلنا وكانت النتيجة العامة هي ما ذكرت. وجاء انشقاق المشتركة في انتخابات نيسان ٢٠١٩ تحصيل حاصل لوضع المشتركة المهلهل ككتلة برلمانية بدون بوصلة وتوجه استراتيجي واحد.
٤) نستطيع أن نقرر الآن وبناء على ما آلت إليه الأمور أن فشل المشتركة في التحول إلى مشروع قومي جماعي واستراتيجي قد أدى إلى نتائج وخيمة. الفشل في رفع سقف المطالب لا يعني أن السقف سيبقى على ما كان عليه وإنما سينخفض وسيتدهور معطيا الشرعية لسلوكيات سياسية حسبنا أنها ولّت إلى الأبد. وهذا هو الدرس والعبرة من فشل المشتركة فعدم التقدم للأمام عندما كنت تملك ذلك لا يعني أنك ستراوح مكانك وإنما ستتراجع إلى الخلف.