يشكل الأردن قنبلة موقوتة. وشعب إسرائيل يحب الهدوء، ومريح لنا جميعا ألا نتعمق أكثر في ما يحدث في المملكة التي تؤمن حدودنا الشرقية، وهي الحدود الأطول لإسرائيل مع إحدى جيرانها. وراء هذه المملكة يمتد بحر من التهديدات والعداء والفوضى. مريح لنا أن نعتقد أن الملك، على الرغم من تصريحاته العدائية من حين لآخر، سوف يعالج مايجب معالجته بالفعل من أجل الحفاظ على الهدوء .

لكن عرش الملك، الذي لم يتميز دائما بالاستقرار ، يتأرجح – وهذا التأرجح يزداد قوة يوما بعد يوم . و عدم الاستقرار لا يهدد فقط بتقويض أمن الأردن وإنما يهدد أمن الشرق الأوسط بكامله . والمشاكل في المملكة هي أيضا مشاكل في إسرائيل . وأسباب تآكل دعائم السلطة هناك معروفة فقط بشكل جزئي للجمهور الإسرائيلي .

السبب الأول لهشاشة السلطة الهاشمية ينبع من عدد اللاجئين المرتفع في المملكة. ففي عام 1948 كان عدد سكان المملكة 400 ألف نسمة، أما اليوم فيبلغ عددهم 11.5 مليون نسمة، بما في ذلك الكثير من اللاجئين . وتنبع هذه الزيادة بشكل خاص من موجات الهجرة الضخمة إليها. من أين يصل اللاجئون؟ بعد الحرب في العراق عام 2003، وصل العديد من اللاجئين إلى الأردن قادمين من الشرق . ورغم أن عددهم اليوم صغير نسبياً مقارنة باللاجئين السوريين والفلسطينيين، إلا أن التقديرات تتحدث عن عشرات الآلاف من اللاجئين العراقيين الذين ما زالوا يقيمون في الأردن. وعدد كبير من اللاجئين في الأردن وصل من سوريا إثر الحرب الأهلية التي بدأت عام 2011 : ووفقا لمعطيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR )، هناك نحو 670 ألف لاجئ سوري مسجلين في الأردن ، لكن تقديرات غير رسمية تشير إلى أن العدد الإجمالي لهم يمكن أن يكون أعلى من ذلك بكثير ، حوالي مليون .

بالإضافة إلى اللاجئين “الجدد”، يقيم في الأردن لاجئون فلسطينيون منذ عام 1948. كم يبلغ عددهم ؟ ليس واضح وذلك لأنه يوجد للسلطة الهاشمية مصلحة في إخفاء الرقم الحقيقي . وتشير التقديرات إلى أن العدد الإجمالي للفلسطينيين في الأردن يبلغ 3.5 مليون على الأقل من أصل 11.5 مليون مواطن. وبالإضافة إلى هؤلاء اللاجئين، يقيم في الأردن لاجئين أو مهاجري عمل من دول مثل اليمن والسودان ومصر .
كان من المتوقع أن يكون طالبي اللجوء أسرى جميل صاحب الوطن الذي قدم لهم المأوى في وقت الحاجة، ولكن الأمر لم يكن كذلك دائما . فالأجانب الذين يملؤون الأردن عرضة لتأثيرات إيديولوجية وسياسية هدفها إزاحة العائلة المالكة الهاشمية والسيطرة على المملكة وكل حسب اسبابه الخاصة .
على سبيل المثال، تحظى أيديولوجية الإخوان المسلمين بشعبية كبيرة لدى الجمهور الفلسطيني الكبير في الأردن. وهذه هي نفس أيديولوجية حماس ، وهي نفس الأيديولوجيا التي أدت إلى اغتيال السادات في مصر . بالإضافة إلى ذلك، فإن إيران بالطبع تثير نزاعات وتمارس ضغوطاً هائلة على حدود المملكة من العراق وسوريا. وهكذا تحول الأردن من بلد له حدود مع مناطق خاضعة للسيطرة الأمريكية، كما هو الحال في العراق، إلى بلد يتقاسم حدوده مع تنظيمات عميلة لإيران. كل هذا في وقت تعاني فيه الأقلية البدوية المخلصة للملك من صراعات داخلية حادة تضعفه بشكل مدمر .
هذا الضعف الذي يصيب السلطة المركزية في الأردن محسوس بشكل جيد في إسرائيل . فحجم تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الضفة الغربية وحتى إلى داخل دولة إسرائيل ، ينبع مباشرة من الخلل الوظيفي في أداء الجيش الأردني . ومن هذا الضعف أيضا ينبع المسعى الإيراني – الفلسطيني لتنفيذ هجمات إرهابية ضد إسرائيل ، مثلما حدث في معبر اللنبي . والأخطبوط الإيراني الذي يشتم رائحة هذا الضعف، يبذل جهدا كبيرا لتحويل الأردن إلى بلد آخر تابع لنظام آيات الله مثل اليمن والعراق وسوريا ولبنان .
لا داعي لشرح حجم التحدي الذي ستواجهه إسرائيل إذا تحققت المؤامرات الإيرانية بشأن الأردن. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما الذي يمكن عمله في مواجهة هذا التحدي الذي، كما يبدو الآن، سيتحول خلال فترة قصيرة إلى وجع رأس أمني خطير. الإجراء الأول الذي يجب اتخاذه هو تعزيز الحجم الضئيل نسبياً للقوات في وادي الأردن وعربا . إضافة إلى ذلك، لا بد من إقامة نظام عوائق كبير ، جوهره جدار مماثل لذلك الموجود على الحدود المصرية.
أيضا المجال الاقتصادي مهم لاستقرار جارتنا الشرقية. ولذلك، يجب على إسرائيل أن تستمر في تنفيذ الخطط المنفذة جزئيا ، مثل الطريق الاقتصادي الذي يمر عبر الأردن شرقاً إلى الهند، ومشروع البحر إلى البحر، وتطوير تعاون صناعي وزراعي أكبر . ويجدر الذكر بأن سوق الطاقة الأردني يعتمد بشكل واسع على إسرائيل، كما أن إمدادات المياه في الضفة الشرقية تنبع من الاتفاقيات المبرمة بين عمان والقدس .
من المهم أن نتذكر : ليس كل شيء مرهون بنا وحدنا. فالأردن دولة ذات سيادة، وقدرة إسرائيل على التأثير في التوجهات المعقدة فيها محدودة . ومن ناحية أخرى، ساعدت إسرائيل الهاشميين أكثر من مرة في الحفاظ على عرشهم، وأبرز مثال على ذلك التهديد الإسرائيلي بالتدخل ضد الغزو السوري للأردن خلال أحداث “أيلول الأسود”، عندما كانت سلطة الملك حسين في خطر حقيقي .
صحيح أن التصريحات المناهضة لإسرائيل تُسمع من حين لأخر من الشرق فليس كل شيء مثالي في العلاقة بين دول شهدت حالات تقدم وحالات تراجع في علاقاتها . ولكن الاستراتيجية السياسية والجيوسياسية يجب أن تتبلور بتأني وبهدوء وبموازاة بدائل وليس نتيجة لتفكير انفعالي .

المصدر:يديعوت أحرونوت

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *