مع حق العودة الى المواطنة الفلسطينية التاريخية وتجاوزاً لوهم المواطنة الإسرائيلية


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

على مدار 401 عام (1516-1917) كانت فلسطين جزءا من الدولة العثمانية وضابط جنسية أهلها، منذ عام 1869، كل من ولد من ابوين عثمانيين أو من اب عثماني فقط يحسب على انه من رعايا الدولة العثمانية. وكل أجنبي بالغ اقام في بلاد المملكة العثمانية خمس سنين متوالية يحصل على التابعية العثمانية.

استعمرت بريطانيا فلسطين وأعلنت وعد بلفور لإقامة وطن/دولة يهودية عرقية. وفقاً لهذه المهمة صدر مرسوم المواطنة الفلسطينية عام 1925 مستنداً في ذلك للمادة السابعة من صك الانتداب الاستعماري. هكذا ولأول مرة يحصل سكان فلسطين على مواطنة فلسطينية، ومفهوم شعب فلسطيني، ومانحها والموقع عليها ملك بريطانيا لا غيره. كهذه ولدت كمواطنة استعمارية ناقصه وبدون دولة. اعتمدت مبدأ التبديل الطبيعي من الجنسية العثمانية الى الجنسية الفلسطينية وكذلك التجنس للغرباء. على نقصها هذا ستحاول هذه المساهمة إعادة سياقها التاريخي والقانوني المتجدد كأحد أدوات ترسيخ وحدة الشعب، القضية والأرض في مرحلة تهدد بتفتيته وبتحقيق أكبر أهداف الصهيونية “يموت الكبار وينسى الصغار.”

في هذا السياق خلفت إسرائيل بريطانيا باستعمارها الإحلالي التهويدي ليس على مستوى الأرض وافراغها من أهلها فحسب بل نفي الفلسطيني من حيز السرد التاريخي والشرعية القانونية. وكان لعلم الأثار دور تقطيع أوصال الواقع والذاكرة   وتطبيع التاريخ وتركيبه من جديد بما يتفق والهوية الدينية الجغرافية اليهودية. وكان لقانون العودة/ الجنسية الجمهورانية منح الدولة لليهود واقصاء الفلسطيني من حيز جنسيتها وشرعيتها العضوية. كهؤلاء اصبح الفلسطينيون في وطنهم غرباء مع مواطنة/تابعية استعمارية وبدون حق شراكة في الدولة ولا حيزها (للمزيد انظر مقالنا عرب ال 48.. الحاضر الغائب في جنسية ودولة إسرائيل-الملتقى الفلسطيني).  ومواطنة التابعية هنا ليس أكثر من منة واحسان من دولة ديمقراطية الشعب السيد كما قالها بن غوريون صراحة:

“هناك حاجة لقانون تجنيسي، إنما ليس لليهود. اليهودي الذي أتى ليستوطن في هذه البلاد هو مواطن تلقائياً: إنه يُمنح حق المواطنة مسبقاً. إنّي مميّز هنا ليس بموجب القوانين، إنّما بحقّي اتجاه هذه البلاد. الآخرون يُمنحون الحق بأن يكونوا هنا كإحسان فقط، وليس الأمر كذلك بالنسبة لليهودي. إنّه مستحق. هذه الفرضية الأساسية.” مؤكداً “يطبق قانون المواطنة عملياً على غير اليهود، دون الحاجة الى ذكر ذلك.” وعليه تصيب لنا طاطور في مقالها المثري “صناعة المواطنة الإسرائيلية” حين تقول: “سمح هذا الحل للقيادات الإسرائيلية بالتمييز ضد الفلسطينيين دون أن تفقد إسرائيل صورتها الليبرالية.” وأبعد التهمت الأحزاب العربية هذا الطعم السم وتوهموا، وأوهموا الجماهير، ان لهم مواطنة حقة ودولة ويمكن النضال من داخلها من اجل العدل، المساواة والسلام. الأمر الذي عزلهم عن باقي الشعب الفلسطيني ومطلبه في التحرر وحق تقرير المصير. وما كان لاتفاق أوسلو الا اكمال المهمة.

هكذا سقط القناع عن القناع اذ لم تترك هذه الحقيقة ومشروع دولة إسرائيل الواحدة بين النهر والبحر، مجال للشك في ان عرب ال 48 جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني ومن قضية حق تقرير مصيره أينما تواجد بما فيها استرداد الجنسية الفلسطينية التاريخية كأحد أدوات إعادة لحمته.

في هذا السياق يبين الخبير القانوني معتز قفيشه ان مراسيم الجنسية الفلسطينية التاريخية (1920-1941 ) مطبقة اليوم بحكم الواقع في قطاع غزه وكذلك في الضفة الغربية بعد اعلان الأردن التخلي الإداري والقانوني عنها.  قفيشه يؤكد تعزز هذه الجنسية قانونيا بعد دخول السلطة الفلسطينية والتي تتمتع بجوانب من مظاهر الدولة مثل حق تفعيل سلطات تشريعية، تنفيذية وقضائية. كهذه تستطيع سن القوانين بما فيها قانون الجنسية الذي نحن بصدده. ويذهب قفيشه الى ما هو ابعد بقوله: ان الحق في ممارسات الانتخابات للمؤسسات المختلفة لا يمارس الا من قبل مواطني الدولة وممارسة السلطة القضائية يعتبر عملاً سيادي. كذلك اصدار جوازات السفر لأهل الضفة وغزة، وأن كانت “وثيقة سفر” لكنها معترف بها عالمياً. وبحسب قفيشه وغيره من القانونين ليس شرط ان تكون دولة كاملة السيادة لكي تمنح الجنسية. “قد تكون الدولة خاضعة لنظام الحماية او الوصاية او الانتداب ومع ذلك تصدر قانون الجنسية وهكذا كان الحال في سوريا ولبنان في عهد الاستعمار الفرنسي وفلسطين وشرق الأردن في عهد الاستعمار البريطاني وتونس والمغرب في زمن الاستعمار الفرنسي.”

غير ان فرنسيس بويل خبير القانون الدولي يذهب الى ابعد من قفيشه بقوله: وفقاً للقانون الدولي الوضعي ما دام الانتداب مستمراً على فلسطين وبموجب المادة 80/1 من ميثاق الأمم المتحدة فإن الكثير من نظام الانتداب يعزز سلطة الجمعية العامة. ويستطرد، سنوات كثيره قبل اعتراف الجمعية العامة بدولة فلسطين كدولة لها صفة مراقب، إذا اعترفت الجمعية العامة بدولة فلسطين قد يؤدي هذا الاعتراف الجزئي لاعتراف نهائي بالشعب الفلسطيني كشعب مستقل سبق ان تم الاعتراف به من قبل عصبة الأمم والذي لا يزال ساري حتى اليوم وفق المادة 80/1 لميثاق الأمم المتحدة.

اعتماداً على هذه الخلفية القانونية يقترح بويل إحياء قانون الجنسية الانتدابي والذي لا يزال حاضراً ومؤثراً حتى اليوم وفقاً للمادة 7 من نظام الانتداب والمادة 22 من عهد عصبة الأمم والمادة 80/1 من ميثاق الأمم المتحدة. وعليه يجب على الدولة الفلسطينية، المعترف بها في السياق المذكور أعلاه (وقد تكون مختزلة في السلطة الفلسطينية/الدولة المعترف بها من 141 دوله، ممثلةً في المجلس التشريعي) عليها سن دستور رسمي لدولة فلسطين أساسه قانون المواطنة الشامل بنفس مفهوم قانون مجلس العموم البريطاني حول المواطنة في فلسطين. وذلك اعتباراً من يوم وتاريخ محدد قبل النكبة بحيث يشمل كل الأفراد الذين كانوا في فلسطين اضافة لأطفال واجداد هؤلاء وذريتهم وهم بحكم الواقع القانوني مواطنين دولة فلسطين.

هكذا بحسب فرانسيس بويل يصبح معظم الفلسطينيين في فلسطين التاريخية، مخيمات اللاجئين والشتات مواطنين رسمياً لدولة فلسطين الجديدة دون حاجة الى أي اجراء اخر من جانبهم ولن يكون من الضروري لأي فلسطيني حاصل على جنسية من دولة أخرى ان يتنازل عنها حتى يحصل على الجنسية الفلسطينية هذه. هكذا وحّد قانون الجنسية الشعب والقضية والأرض بما ينسجم مع برنامج منظمة التحرير الفلسطينية، قبل منتصف السبعينات، لإنشاء دولة ديمقراطية واحدة في عموم فلسطين على حد تعبير بويل.

هل تستطيع منظمة التحرير/السلطة الفلسطينية اليوم سن قانون الجنسية هذا في السياق المذكور أعلاه؟

أعدت وزارة الخارجية للسلطة الفلسطينية، عام 1995، مسودة قانون للجنسية الفلسطينية انطلاقاً من قانون المواطنة الفلسطيني (1925-1941) ولم يًطرح حتى اليوم على المجلس التشريعي. هناك من يدعي ان السبب يكمن في قيود اتفاقية أوسلو واخرين يدعون التخوف من سن قانون لا يشمل كل الشعب الفلسطيني. باعتمادنا هذا التشخيص دعونا نحاول إيجاد المخارج والحلول الممكنة لسن قانون جنسية يشمل كل الشعب وفقاً لمعيارين قانوني وسياسي.

فاذا اخذنا بالمعيار القانوني الدولي فهذا ممكن بحسب ما يطرحه فرنسيس بويل كما وضح أعلاه. بالمقابل يرى معتز قفيشه الحل في المعيار السياسي حيث “يعتبر بموجبه كل الأشخاص الذين تواجدوا في فلسطين ابان العهد الانتدابي واولاد هؤلاء، مهما كانت جنسيتهم الحالية، واينما تواجدوا، ما لم يكتسبوا الجنسية الإسرائيلية (التي أثبتنا انها وهميه تابعية وهلامية)، أنهم فلسطينيون ويحق لهم الحصول/استرداد الجنسية الفلسطينية.”

اذاً المعيار السياسي والقانوني يعطي الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية، مخيمات اللجوء والشتات الحق في استرداد والعودة الى جنسيتهم الفلسطينية التاريخية بما يمنحهم حق العودة قانونياً لفلسطين لذلك يشدد قفيشه القول: “الأجدر بأي مشروع فلسطيني ان يعتمد المعيار السياسي، وان يتمسك به بالرغم من كل المعوقات التي ستواجهه حتماً.” بالإضافة الى هذا يقترح سن قانون العودة الفلسطيني الذي يمنح الفلسطيني حق العودة الى أي بقعه في فلسطين وطنه متى شاء وكذلك منح كل الشعب الفلسطيني جواز سفر فلسطيني وخصوصاً أهل المخيمات دون ان يتخلوا عن الوثائق الأخرى. توجه تدعمه القوانين الدولية الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني ومنها نص المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان والذي يحق بموجبه “لكل انسان التمتع بجنسية ولا يجوز تعسفا حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته.”

والأمر هكذا كيف ستدار الأمور برؤية استراتيجية “معاً ولوحدنا” وسنة الهدف 2048؟

أولاً: ان “لا نكب الطفل مع الميه” بمعنى الاعتراف بالواقع ان منظمة التحرير/ السلطة الفلسطينية بحالها اليوم، وفي ظل موازين القوى الداخلية والخارجية الراهنة، في وضع صعب للغاية ومع هذا يجب العمل على تصحيح مسارها بنفس طويل وفق مخطط تمكين وتنظيم مجتمعي يشكل حالة استنهاض لها ويدفع بها لأخذ دور “المعاً” لكل الشعب الفلسطيني بما فيه الداخل. وأول الخطوات سن قانون الجنسية وغيره في سياق ما ذكر أعلاه.

الثاني: التعاون مع التيار الداعم لهذا التوجه داخل السلطة والمنسجم مع قول المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية انه “لا يوجد شيء في اتفاقيات أوسلو يمنع فلسطين من قبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية او ممارسة هذه الولاية من قبل المحكمة.” في هذا السياق يجب ان يفهم مثلاً قرار قاضي محكمة الصلح في جنين احمد الأشقر الذي رد على طعن صاحب جنسيه إسرائيلية بعدم قانونية محاكمته في السلطة بسبب اتفاقيات أوسلو بقوله: “ان اتفاقية أوسلو حملت بذور فنائها بنفسها بحكم طبيعتها المؤقتة وهذا ما يقود الى القول ان سريان اتفاقية أوسلو قد انتهى منذ سنوات مضت”، بما يجعل السلطة صاحبة ولاية في التقاضي بخصوص أي جريمة تحصل على الأراضي الفلسطينية لأن حتى لو كان مقترفها إسرائيليا. ولكي نبرز الصراع نذكر هنا رفض مجلس القضاء الأعلى الفلسطيني هذا القرار لأن مسألة نهاية اتفاقية أوسلو “شأن سياسي تقرره القيادة الفلسطينية وليس أي جهة قضائية.” كذلك يمكن فهم تصريح وزير العدل الفلسطيني محمد شلالده  لقوله : احكام المحاكم الفلسطينية سوف تدعم قضية فلسطين المنظورة امام المحاكم الجنائية الدولية والتي ينص نظامها التأسيسي على مبدأ “التخصيص التكميلي” للمحكمة أي ان ضحايا الانتهاكات اذا استنفذوا كل الإجراءات الوطنية الدستورية دون انصاف حقوقهم او استحال التنفيذ فيمكن لهم حين ذاك التوجه للمحكمة الجنائية الدولية. وبالتالي فالأصل ان القضاء الوطني هو صاحب الاختصاص وفي حال عدم قدرته على المحاكمة حينها يمكن اللجوء للجنائية الدولية. (ناصر ثابت، هل تملك فلسطين مقاضاة الاسرائيليين في محاكمها؟).

هذا الطرح يكتسب أهميته من حقيقة ان السلطة الفلسطينية احالت في 22.5.018 الوضع في أراضيها الى المحكمة الدولية وفي 20.12.019 أعلنت المدعية العامة للمحكمة: “بانها وجدت أساس معقول للشرع في اجراء تحقيق في الجرائم في فلسطين وقدمت طلب للدائرة التمهيدية من اجل البت في ولاية المحكمة على النطاق الإقليمي للأرضي الفلسطينية” مشددة القول بالإضافة الى ما ذكر اعلاه بما يخص أوسلو “على ان الأرض الفلسطينية المحتلة يجب ان يكون لها سيادة وأيضا من الناحية القضائية وهذه السيادة للشعب الفلسطيني.” وعليه خلصت المدعية العامة للقول: “من الافضل النظر الى اتفاقيات أوسلو على انها تضمنت تفويضا للولاية القضائية من قبل فلسطين لإسرائيل فيما يتعلق بمحاكمة الإسرائيليين، ولكن ذلك لم يمثل ولا يمكن ان يمثل تنازلا عن تلك الولاية يعني ممكن لفلسطين ان تسحب هذا التفويض متى شاءت بصفتها صاحبة الاختصاص الأصيل.”(ناصر ثابت)

وهنا تأتي أهمية النضال لتطوير كل هذا ومعه ملاحقة تصريح محمد اشتيه رئيس الوزراء بقوله: السلطة تدرس التعامل مع كل المناطق كمنطقة (أ) وكذلك رد وزير الخارجية رياض المالكي على استفسار المحكمة الجنائية الدولية اذا كان تصريح عباس في 19 مايو 2020 بما يخص حل السلطة من كل الاتفاقيات قد بًلغ لإسرائيل خطياً ورسمياً وفقا لاتفاقية فينا لقانون المعاهدات الدولية؟

رد المالكي بقوله: “إذا ما أقدمت إسرائيل على الضم فإنها ستلغي أي اثار لاتفاقيات أوسلو وجميع الاتفاقيات المبرمة بينهما. وان استمرار انتهاكات إسرائيل لهذه الاتفاقيات يعفي منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين من أي التزام بهذه الاتفاقيات، بما في ذلك الاتفاقيات الأمنية.” بكلمات أخرى لم تبعث السلطة هذا القرار خطياً ورسمياً لإسرائيل وفي هذا السياق يفهم اعلان “انتصار” حسين الشيخ. مع هذا يمكن البناء على ما قاله المالكي منسجماً مع غيره من مواقف.

ثالثاً: ولكي يشتبك المثقف مع الواقع ويساهم في التخطيط والتمكين المجتمعي ومن خلاله التأثير على تغيير منظمة التحرير/ السلطة والمجتمع، لا بد للأفراد والحركات المجتمعية غير الحزبية من تأسيس برلمان الظل من كل قطاعات الشعب الفلسطيني أينما تواجدوا مع تمثيل عربي واسلامي. أعضاء برلمان الظل هذا لا يتجاوزوا ال 101 من خيرة المهنيين في كل المجالات. تقام لجنة توجيه عليها ملاحقة تنفيذ سياسة وقرارات البرلمان ومنها اقامة وتركيز عمل اقسام مهنية موازية لكل وزارة في السلطة الفلسطينية مهمتها وضع الخطط الاستراتيجية البديلة وقياساً بها مواكبة عمل الوزارات المختلفة ومحاولة التأثير على خطط عملها وتنفيذها من خلال العصف الذهني معها وحولها. كذلك اعداد تقارير مراقبة وعرضها للنقاش جماهيرياً. الكورونا اثبتت ان هذا ممكن في عصر العولمة والثورة الرقمية.  إذا وجدنا شركاء للفكرة نستطيع معاً وضع مخطط استراتيجي كامل متكامل للتأسيس والتفعيل برؤية 2048. وطبعاً هذا يشكل أحد روافد المقاومة الشعبية ومساعداً على تمكينها، تطويرها وترشيدها وليس بديلا عنها.

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

Author: عامر الهزيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *