معنى مختلف لوحدة الساحات
كان هناك “فرضية” سارية قبيل المواجهة الأخيرة (من 8 – 13 أيار/ مايو)، بين حركة الجهاد الإسلامي (في قطاع غزة) والجيش الإسرائيلي، أنّ هناك تعدد جبهات ضد إسرائيل؛ من جنوب لبنان، وفصائل الضفة الغربية الجديدة (المجموعات المسلحة)، فضلا عن قطاع غزة. لكن أثناء المواجهة، رغم المظاهر البطولية فيها، تراجعت التوقعات، ووصلت حد السؤال، هل تتحرك “جبهة” غزة موحدة؟ هل تدخل جميع الفصائل ذات القوة الصاروخية في المواجهة، وتحديدا هل تدخل، أو هل دخلت، حركة “حماس” المواجهة؟
في الواقع إنّ الحديث عن تعدد الجبهات، ووحدة الساحات، ينقصه الكثير من الواقعية، وبحاجة لوقفة، لسببين، الأول، مدى دقّة الطرح والثاني، المعنى الحقيقي للوحدة المطلوبة.
من حيث مدى دقّة الطرح، فإنّ الجبهات الحقيقية للمواجهة هي داخل فلسطين، فجنوب لبنان لظروف كثيرة تتعلق بلبنان، وحسابات قواه السياسية وقدراتها، بما فيها حزب الله، لا يمكن، وربما لا يجب، أن تكون جزءا من المواجهة، إلا من حيث تقديم الدعم للمقاومة الفلسطينية. من جهة أخرى فإنّ الصدق مع النفس، يتطلب إبلاغ الناس أنّ هناك موقفين أساسيين في المشهد الفلسطيني، الأول هو موقف “السُلطتين” في الضفة الغربية وغزة، على انقسامهما واختلاف الظروف، والثاني، موقف فصائل المعارضة المسلحة، وتحديداً “الجهاد”، و”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” (التي لا تمتلك ذات قدرات الجهاد)، يتقاطع معهما مجموعات الشباب المسلّح. والحديث عن “السُلطتين” هنا، هدفه الإشارة إلى أنّ وجود حكومة، أو حُكم، وإدارة يومية لشؤون الحياة يغير من الأولويات ومن حسابات المواجهة، بغض النظر عن النوايا. لذلك يجب الاعتراف أنّ هناك مقاربتين الآن، الأولى فيها اعتبارات وواجبات السلطة (أي سلطة) والثانية “متحررة” من هذه الحسابات.
الأمر الثاني، يتعلق بالمعنى الحقيقي لوحدة الساحات وتعدد الجبهات، فحتى مع افتراض إمكانية توحّد الفصائل في فصيل واحد لا غير، فإنّ هذا لا يعني أنّ جميع الجبهات، التي يديرها هذا الفصيل يجب أن تتحرك في ذات الوقت دائماً، وأن كل الأدوات يمكن توظيفها دائماً.
في انتفاضة (1987 – 1991)، كان هناك منهج واضح، وهو أنّ هناك تنوع أدوات، فالمقاومة الشعبية الجماهيرية، ومن ضمنها القوى الضاربة المسلحة بالحجارة والزجاجات الحارقة تتركز داخل الضفة الغربية والقطاع، في المقابل تُرك العمل الفدائي المسلح للأرض المحتلة عام 1948، ضد أهداف إستراتيجية عسكرية. كما تم العمل على إيجاد إسناد جماهيري خارجي مثل تسيير سفينة باسم سفينة العودة، من قبرص إلى فلسطين (شباط/ فبراير 1988) تحمل مبعدين ومتضامنين، وكل هذا كان متزامناً.
تعدد الجبهات ووحدة الساحات، لا تطلب تحرك الجميع في كل الأماكن في ذات الوقت، فحتى في الحروب النظامية لا يحدث هذا. بل أن تقوم كل “جبهة” بواجباتها بالأداة المناسبة للزمان والمكان. فإذا كان هناك زخم جماهيري في القدس والشيخ جراح، وبيتا وغيرها في الضفة الغربية، ليس بالضرورة أن يكون الإسناد المطلوب صواريخ من غزة، فلماذا لا تقوم التنظيمات بتحريك جماهيرها داخل وخارج فلسطين في نضال جماهيري؟.
كل جبهة، وكل ساحة، بحاجة لوسائلها وأدواتها، وإعدادها وتدريبها الخاص، وهذا لا يحدث دون التنظيم السياسي الذي يتبناها ويقودها ويحركها ويسندها، ويوزع أدوارها. والواقع أنّ الساحة الفلسطينية تفتقد ذلك فلا يوجد تنظيم فلسطيني يمتلك القدرة على ذلك. الانقسام الفلسطيني لا يتعلق فقط بانقسام الضفة وغزة، وفتح وحماس، بل هناك الانقسام بين إستراتيجية وحالتي السلطة تحت الاحتلال، والمقاومة والتحرر، ولا يوجد تنظيم يمتلك كل الأدوات في كل المناطق.
على سبيل المثال، تعاني “فتح”، وأصبحت “حماس” مثلها تقريباً تعاني من مسألة ازدواجية السلطة والمقاومة، والفصيلان لا يطمأن أو يقبل أن يعمل الفصيل الآخر في مناطق “سيطرته”. أما الجهاد الإسلامي، فبفضل الدعم الإيراني، لديها قدرة على حرب صاروخية ومجموعات مسلحة، لكن دون تنظيم جماهيري حقيقي.
دون إستراتيجية عمل موحدة، تحدد العلاقة بين متطلبات “السلطة” و”المقاومة”، ودون فصائل تجمع أنواع القوة المختلفة، الجماهيرية، والمادية، وتنتشر جغرافياً وتتنوع أدواتها، فإنّ هذا سيبقى نقطة ضعف. على سبيل المثال فإنّ الإسناد بالصاروخ عندما يكون المطلوب نضالا جماهيريا، أو الاكتفاء بالأدوات القانونية (المحاكم والقرارات) رداً على الاعتداءات الإسرائيلية والاستيطانية، علامات ضعف وليست إستراتيجية حقيقية.
عن الغد