مطعم فرانز كافكا في أورشليم: أمنية لم تتحقق

كان العام 1917 عاماً مصيرياً في حياة “فرانز كافكا”، فهو العام الذي أصيب فيه بمرض السل، وهو أيضاً، العام الذي بدأ فيه يتعلم اللغة العبرية، مما جعل صديقه “ماكس برود” -وهو الناشط الصهيوني الذي كان يخطط للهجرة إلى فلسطين آنذاك- يصاب بالصدمة حين سمع بهذا الأمر. لم يصدق كيف يمكن لأقرب صديق له دراسة العبرية لأكثر من ستة أشهر دون أن يخبره؟ أدى اكتشاف برود لهذا إلى اندفاعهما للمراسلة بالعبرية، حيث سعى “كافكا”، من خلال ذلك، إلى ممارسة اللغة العبرية مع من هو أكثر كفاءة منه.

وإذا كان “برود” قد نظر، في البداية، إلى قرار صديقه كمحاولة للترفيه عن نفسه فكرياً، فسوف يزيد هذا، دون شك، من اهتمامه بالحركة الصهيونية وبجذوره اليهودية كلما تعمق، في دراسته للعبرية. فبالإضافة إلى رغبته في قراءة نصوص العهد القديم باللغة الأصلية، فقد أصبح أكثر اهتماماً بالتيار الاشتراكي للصهيونية. وقام بمتابعة عدد من المجلات الصهيونية باللغة الألمانية، واطلع على التقارير والأخبار التي تهتم بموجة الهجرة اليهودية الثانية إلى [أرض إسرائيل]. ونجد دليل على ذلك في واحد من دفاتر “كافكا” العبرية الثمانية، والتي تحولت مؤخراً إلى ملكية [المكتبة الوطنية الإسرائيلية، הספרייה הלאומית של ישראל] كجزء من ملكية “ماكس برود”، في نهاية عملية قانونية طويلة ليس الآن وقت الخوض فيها.

وثّق “كافكا” في هذا الدفتر الذي بات يعرف باسم “دفتر الملاحظات الأزرق” إضراب المعلمين في فلسطين الانتدابية في تشرين الثاني1922، إلى جانب استعراضه لقائمة من الكلمات العبرية وترجماتها الألمانية. ويحدد أهل الاختصاص تحديد تاريخ هذا الدفتر إلى ما قبل عامين من وفاته بمرض السل في كلوسترنيوبرغ في النمسا. في ذلك الوقت، وصلت إلى براغ معلمة كافكا العبرية، وهي شابة تدعى “بوا بن توفيم”، من ييشوف صهيوني، بهدف دراسة الطب. واستمر في متابعة دراسة العبرية رغم تدهور حالته الصحية؛ وكتب إلى معلمته:”.. من التنهدات الشديدة والعميقة التي تنشأ من الضغط الاقتصادي الذي تتعرض له الصهيونية وعمال [أرض إسرائيل]. اتخذ المعلمون تسعة إجراءات، ثمانية منها أخذها معلمو القدس على عاتقهم. ليس هناك حد لتهديدات الإضراب أو الاحتجاجات والتذكير الذي يصم الآذان [؟] يطير من كل مكان. هناك انطباع بأن المعلمين تعرضوا لواقع أسوأ من بين العمال في الييشوف، وهم وحدهم من يعانون، فضلاً عن حرمانهم من أجورهم. لقد أصبحت مسألة رواتب المعلمين هي القضية المركزية والشائكة. كما لو أن السلسلة تبدأ هنا وتنتهي.. حلقة كاملة من المعاناة والصراع الصعب في هذه الفترة اليائسة.”

جاءت نقطة التحول في حياة “كافكا” في العام 1924، وهو العام الأخير من حياته، عندما أخبر حبيبته، “دورا ديامانت”، عن خططه المستقبلية: الاستقرار في أرض إسرائيل وفتح مطعم يخدم الرواد الصهاينة.

كانت الخطة بسيطة بشكل لافت -ستكون دورا مسؤولة عن طهي الطعام، وسوف يكون هو النادل والمدير.

ربما بدت الخطة التي وضعها لصديقته :دورا” تبدو لها مثل أي قصة أخرى من القصص العديدة التي كان يحلو له قصّها على أصدقائه. غير أن الأمر ربما احتوى، بالنسبة له، على أكثر من مجرد كونه أمنية: فقبل عام من هذا، التقى بصديق دراسته الجامعية، الفيلسوف والمعلم “صموئيل هوغو بيرغمان” وزوجته “إلسا”، وتحدثا حول احتمالية أن يرافق “إلسا” في رحلة العودة لفلسطين الانتدابية. في الواقع، وعلى الرغم من موافقة “بيرغمان”، لكنه حاول التملص من وعوده باختلاق أعذار مختلفة، لكنها معقولة: إذ أخبر زوجته أنه يفضل انتظار “كافكا” فترة أطول في أوروبا. ولأن المنزل كان صغيراً جداً، فهذا يعني أن على “كافكا” النوم في غرفة الأطفال، وحيث إنه كان منهكاً من شدة المرض، فسوف تجعله رحلة شاقة كهذه يواجه، بلا شك، ظروفاً غاية في الصعوبة في [أرض إسرائيل]. ويبدو عدم استقرار حالته الصحية وضع حداً، في نهاية المطاف، لأي احتمال سفر. وأخبر “إلسا” بعدم التعويل كثيراً على إمكانية مرافقته لها في رحلتها، فالأمر برمته لا يعدو أكثر من خيال رجل مريض دون أن يلغي من حساباته احتمال زيارته لهم هناك عندما تتحسن صحته.

وعلى كل حال، لم يخبر إلسا بهذا إلا عندما عرف أنها باعت تذكرة سفر رحلته البحرية معها.

أمضى كافكا أكثر من سبع سنوات في دراسة العبرية.

ربما لم تكن خطته لافتتاح مطعم في فلسطين أكثر من مجرد حلم، لكن رغبته في رؤية المجتمع العبري النامي بأم عينيه والتحدث بلغة الرواد المحليين ظلت دون تغيير حتى وفاته. لم يقم كافكا برحلة تلك قط، لأنه توفي في 3 حزيران1924 في المصحة التي كان يقيم فيها في كلوسترنوبرغ. ودفن في براغ، حيث عاش معظم حياته وحيث كتب أكثر أعماله التي أمنت له شهرة خالدة.

الصورة: الدفتر الأزرق، مجموعة المكتبة الوطنية الإسرائيلية

المصدر: https://blog.nli.org.il/en/kafkas-blue-notebook-revealed/…

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *