مشاهد من رحلة اللجوء
في ضباب البحر، ووجوم اللاجئين، وتعويذاتهم , ودعوات النساء وتوسلاتهن للخالق, كنت انفصل للحظات عن البلم والطريق وكل شيء, وتحضر صديقتي مي من أوسع وأقرب باب للذاكرة. فينهشني الألم لعدم متابعتها الطريق معنا, وأقول مع نفسي لو كانت مي في البلم لتحولت رحلتنا الى كرنفال من الضحك والفرح, فهي قادرة على تحويل كل حدث وأصعب لحظة, إلى فرح ونشوة, رغم أنها تخاف الخطر, لكنها تصارعه بروحها الجميلة وبديهتها لالتقاط كل شيء وتحويله الى كوميديا بسيطة وآسرة. مع الأسف ليست معنا مي!
ارتفع الموج أكثر, وفرض بطء الإبحار, لكن الضباب انحسر قليلا فبدت لي الأضواء التي اعتمدناها سمتا للطريق. وعلا صوت الشابين المسؤولين عن قيادة المركب, من يضع البنزين في خزان المحرك, فنهرناهما, وتقدم احدهما ليحمل البيدون ويملأ الخزان.
بعض السذج والبسطاء , نساء ورجال, كانوا يسألون ” مطولين لنوصل”؟ وكأن من في البلم سبق له وركب البحر في رحلة الهروب. لكنني كنت أطمئنهن وأشد عزيمتهم, ولو بالكذب من أجل راحتهم النفسية.
ظهرت أضواء في البحر, لم نعرف هل هي مراكب صيادين أم مهربين أم خفر السواحل اليوناني. لم يتبادر الى ذهني شيء آخر, أن تكون مراكب قراصنة مثلا! ارتبك قائد البلم, وأوضح انه يخشى أن يكونوا خفر سواحل , فيتحمل هو العقوبة باعتباره المهرب, فحاول تغيير الاتجاه للابتعاد عن المراكب المجهولة الهوية. فطلبت منه بلهجة آمرة أن لا يغير الاتجاه, لأنني كنت قد لاحظت أن حركة القوارب أشبه بدورية خفر السواحل, وهذا عنصر اطمئنان, فالكل يعرف أن اليونانيين في تلك الفترة لا يعيدوا اللاجئين من مياههم الإقليمية إلى تركيا. ومضى البلم بمن عليه نحو الضوء… إنه الضوء الذي يعني أول مايعني , إن وصلناه أننا باقون على قيد الحياة.
( حدث في ليلة5/9/ 2015)