قد يتبادر الى الذهن عند سماع كلمه ” التوازن” في توصيف العلاقة بين واقعنا واحلامنا، بين الثورية والانهزامية، مشهد اشبه بشخص يسير على حبل دقيق، يحمل عصا طويله بيده، ومن شده خوفه ومن السقوط فانه لا يقدم على ايه حركه ويبقى ساكنا في مكانه، لا يتقدم ولا يتأخر ولا يميل يمينا او يسارا. هذا ليس المقصود بالتوازن. التوازن لا يعني انعدام الحركة والسكون.
وقد يوحي التوازن ايضا بوجود منطقة وسطى بين منزلتين. صحيح ان التوازن هو بالضرورة نقطه بين قطبين، لكن هذه النقطة لا تعني نقطة تقع في منتصف الطريق. النضال ضد الاحتلال من اجل الحرية لا تعني ان تقبل بنصف احتلال ونصف حرية باعتباره نقطة الوسط بين الاثنتين. وعليه التوازن لا يعني نقطة الوسط.
لكن التوازن يعني ان اولا انه لا يمكن حسم اي نقاش عيني في وضع سياسي تاريخي معين عن طريق طرح ادعاء واحد او توجيه تهمة واحده جاهزة للخصم مثل تهمة: مغامر ثوري غير واقعي، او بالمقابل تهمة انهزامي يرضخ للواقع. كل شخص، وكل موقف لكل حزب معرض لواحدة من هذه التهم: من ينادي بحل الدولتين يعتبر من يدعم خطة ترامب وصفقة القرن انه انهزامي، ومن يدعم الدولة الديموقراطية الواحدة التي يعيش فيها اليهود والعرب بمساواة يتهم اصحاب حل الدولتين انه انهزامي، ومن يدعو لتحرير فلسطين وطرد المستعمر يعتقد ان اصحاب حل الدولة العلمانية الديموقراطية على انهم مفرطين ومتواطئين. والعكس صحيح.
عدا عن ذلك فالمقصود بالتوازن ايضا هو الادراك العميق لدى كل راديكالي او ثوري بأهمية تحديد اهداف محددة ومعينة وتحقيقها وانجازها ومراكمتها وتطوير لغة ووعي ونوع من الممارسة التي تعزز معنى المقاومة. بدون تحديد اهداف عينية (منع عدم بيت، اقالة وزير، الغاء قانون الخ)، فان تأخر تحقق الاهداف والاحلام الكبيرة سوف يخلق حالة من النكوص والاحباط والتلذذ بالفشل السياسي والتعويض عنه بتشدد فكري اخلاقي. التوازن في هذه السياق تعني ايضا فن المراكمة، الاهتمام بالإنجازات العينية دون حجب الرؤية عن الاهداف البعيدة والنبيلة. لكن ذلك يعني ايضا ان لا تجعل غبار الانجازات اليومية ان يحجب الرؤية التي ترشد العمل السياسي برمته.
المشتركة ليست في أحسن حال، ولَم تكن كذلك ولم تحقق ما كان متوقعا منها وخلقت احيان كثيره شعورا في البلبلة. لكن هذه البلبلة لا تتعلق فقط بالشخوص ونوعية القيادة انما ايضا بنوعيه وطبيعة المرحلة واشكالاتها والتي تستدعي هذا النوع من القيادات، ولا يمكن الاكتفاء بكيل التهم لقياده المشتركة بدون الحديث عن السياق العام الفلسطيني والعربي والدولي.
على ايه حال فان من يرغب بمحاسبه قيادة المشتركة من باب الوازع الوطني والحرص على مصالح شعبه، لا يمكنه ان يكتفي بذلك، لأنه اذا تسببت المشتركة بمشاكل فان انتصار الموحدة سيشكل كارثه سياسيه من الناحية الوطنية، وفِي ظروفنا ستشكل مأسسة غير مسبوقة لنفس سياسي استجدائي بطريقه غير معهوده، ولتقسيمنا الى عرب جيدين وعرب ارهابيين.
اذا وضعنا جانبا زلات اللسان المتكررة (للدكتور عباس) والتي تكشف شيئا عن فهم طبيعة العلاقة مع الدولة، الا ان الاطروحة الأساسية التي يروج لها تشكل مشكله حقيقيه، الا وهي الاطروحة بانها (اي الموحدة) مستعده للذهاب للحكومة مع من يتجاوب مع مطالبها، ان كان نتنياهو او من يقف مقابله ان كان جانز او لبيد او غيره.
ان هذا المنطق هو منطق اللوبي، الذي يكون على استعداد لدعم ايه حكومة تستجيب لمطالبه. الا ان منطق اللوبي يقوم على الفرضية انه مقبول اصلا في اللعبة السياسية وانه قادر ان يلعب لعبه الميزان وان ينقل ولاءه من طرف الى آخر بين ليله وضحاها. ومنطق اللوبي يقوم ايضا انه ليس لصاحبه مواقف سياسية خاصه به انما يسعى لتكبير حصته في الكعكة ليس أكثر ويترك امور السياسة الكبرى لغيره. ومنطق اللوبي يقوم على فكره عدم اقامه النضال والتحالفات السياسية الأيديولوجية وعليه فان لحظه القوة الوحيدة التي يمارس فيها لعبته هي لحظه التصويت، اما عدا ذلك فيكاد يكون معدوم القوة لأنه وضع نفسه سياسيا وفكريا خارج السياسة ونأى بنفسه عن ايه تحالفات او صراعات عينيه ولا شأن له في حرية الصحافة، المبنى القانوني، الاستيطان، الخصخصة وغيرها.
هل يمكن للموحدة ان تكون شاس العربية؟
قد تستطيع ان تكون شاس، لكن فقط بعد ان تصبح موضع اجماع في الخارطة السياسية الإسرائيلية. ستصبح موضع اجماع في اسرائيل فقط إذا فقدت كل لون سياسي وطني وتخلت عن ايه مشاريع فيها تحدي لسياسة الدولة البنيوية. اما لونها الديني فسوف يتحول الى لونها الوحيد شاءت ذلك ام ابت لأنه بدون هذا اللون لا لون لها، ولا مشكله لإسرائيل مع ذلك.
هذه فقط بعض الاسباب العينية لماذا يمكن اعتبار الموحدة مشروعا يهدد كل العمل السياسي الوطني في الداخل ويضعه في خانه عدم الشرعية واعتباره ضربا من التطرف الداعم للإرهاب. الموحدة ستكون المتحدث الوحيد امام مؤسسات الدولة، والنخب الاقتصادية والثقافية العربية ستصفق لها وتصطف وراءها.
المشتركة ليست مثالا يحتذى وبعض مواقفها اشكاليه، لكن نجاح طريق الموحدة يشكل كارثه وطنيه وسياسيه. الذي يرفض المشتركة بسبب تأتأتها سيجد نفسه مع ” الموحدة” وسيكون متأخرا عندها محاوله بناء مشروع وطني في المنظور القريب.