مروان البرغوثي.. فرصة الفلسطينيين الأخيرة…
تعتقل إسرائيل مروان البرغوثي منذ عام 2002 لو كنت فلسطينياً لقدمت صوتي لمروان البرغوثي رئيساً للسلطة الفلسطينية، ولو كنت إسرائيلياً صهيونياً مصمماً على مبدأ حل الدولتين لفعلت أي شيء لانتخاب البرغوثي.
وكإسرائيلي لم يعد يؤمن بحل الدولتين، فإني أحلم، حقاً أحلم، باللحظة التي سيخرج فيها هذا الشخص أخيراً من السجن ويصبح زعيم الفلسطينيين. هو الآن يشكل الاحتمالية الأخيرة لبعث روح الأمل في الشعب الفلسطيني الذي يحتضر، وبعث روح الحياة في الجثة التي تتدحرج على الملأ، جثة العملية السلمية، التي لم تكن في أي يوم عملية، وأيضاً لم تستهدف تحقيق السلام.
لا شيء يثير الغضب ويشعل الخيال ويبعث أملاً أكبر أكثر من تخيل البرغوثي وقد تم إطلاق سراحه من سجن “هداريم” مثلما حدث في 11 شباط 1990 في سجن فيكتور براستر في جنوب إفريقيا، لزعيم حرية يحظى بإعجاب أكثر منه. أطلق سراح نلسون مانديلا بعد 27 سنة: كان حكم عليه بالمؤبد مثل البرغوثي، وأدين بالإرهاب مثل البرغوثي. كان يقف أمام مانديلا، فريدريك دي كلارك الشجاع، وأمام البرغوثي اليوم تحريض وغباء وجبن إسرائيلي.
لا دليل أكثر وضوحاً على أن إسرائيل لم ترغب يوماً ما بالتوصل إلى تسوية مثل السجن اللانهائي والغبي للبرغوثي. اسألوا أي رجل في الشاباك وأي سياسي إسرائيلي خبير، وسيقول: البرغوثي هو الفرصة الأخيرة.
الفرصة الأخيرة لتوحيد الفلسطينيين وصنع السلام. مانديلا انتخب رئيساً لبلاده، أما البرغوثي فربما سيتنافس على رئاسة شعبه. مانديلا فعل ذلك وهو حر، أما البرغوثي فسيفعل ذلك وهو سجين، ومحكوم عليه بحكم هزلي استعراضي، خمسة مؤبدات و40 سنة سجناً، التي يمكن، لا سمح الله، أن تنتهي في أي يوم.
أقول “لا سمح الله” لأن البرغوثي هو الفرصة الأخيرة. ليس لجهل لدى إسرائيل الرسمية، بل لأنها تعرف ذلك أفضل مني، فهو لن يتم إطلاق سراحه في أي يوم. مع ذلك، يمكن تصور هذا الشخص القصير القامة والسريع الحركة ويلبس ساعة “كاسيو” عادية وله ابتسامة ساحرة وعبرية خاصة، وقد أطلق سراحه من السجن وأصبح رئيساً. تصور كهذا يشعل الخيال. كيف لخطوة واحدة صغيرة أن تغير الكثير جداً.
في مثل هذا الأسبوع قبل 24 سنة، في يوم الأرض في العام 1997، عندما تجولنا بسيارته بين إطارات السيارات المحترقة في مظاهرات في رام الله، قال لي: “أكثر شيء أخاف منه هو فقدان الأمل”. هذه اللحظة جاءت، والبرغوثي هو الذي يمكنه تخلصينا منها.
من يود معرفة ما حدث للفلسطينيين فلينظر إلى ما حدث للبرغوثي. رجل السلام الذي تحول إلى رجل إرهاب هو الدليل على أن الفلسطينيين قد جربوا كل شيء. هل بقي شيء لم يجربوه؟ لقد طرق أبواب رؤساء الأحزاب الصهيونية في نهاية سنوات التسعين متوسلاً إليهم: افعلوا شيئاً ما قبل أن يتفجر كل شيء. لكن إسرائيل لم تفعل أي شيء، وكل شيء تفجر. وقد أخذ أولاده إلى حديقة الحيوانات في “رمات غان”. وفي جولة برلمانية مدهشة لا يمكن نسيانها في أوروبا، تصادق مع أعضاء كنيست من الليكود وشاس وحتى من المستوطنين. وقد كان يشجع فريق “هبوعيل تل أبيب” وكان رجل سلام، وربما رجل السلام الفلسطيني الأكثر تصميماً من أي شخص آخر.
وعندما أدرك بأن الأمر لن يجعل إسرائيل تتنازل عن مقاربتها المتعالية وعبادة قوتها، حقق نبوءته، كل شيء سيتفجر، وانضم إلى الكفاح المسلح، بالضبط مثل مانديلا.
قضى البرغوثي حتى الآن 20 سنة في السجن، وهو متهم بعمليات إرهابية في الدولة، هذه الدولة التي يعدّ احتلالها هو الإرهاب الأكثر وحشية والأكثر ظلماً بين البحر والنهر. في المرة الأخيرة التي رأيته فيها كان يرتدي زي السجن الخاكي في المحكمة في تل أبيب. الآن هو يفكر بالترشح للانتخابات الفلسطينية، وهي انتخابات في ظل الاحتلال.
إذا تم انتخابه كرئيس، فلن يكون الفلسطينيون وحدهم الكاسبين. إذا انتخب رئيساً فسيسجل الاحتلال المزيد من نقاط الحضيض الفظيعة في تاريخه: محارب حرية وراء القضبان، ورئيس بالأصفاد.
هآرتس 1/4/2021