مرحلة جديدة من العدوان على غزة: انسحاب وحزام أمني وغزوات ضد بنى تحتية
تستعد تل أبيب للانتقال من الحرب الشاملة في غزة، إلى جولات قتالية تسحب فيها قواتها من القطاع وتحتفظ بحزام أمني، وتنفذ غزوات ضد بنى تحتية عسكرية، وفق ما تحدثت الصحافة الإسرائيلية، أمس الإثنين.
ونقلت صحيفة، «هآرتس» عن مصادر عسكرية تحذيرها من أنه دون «ضربة قاضية» لحماس ستعود إسرائيل إلى نقطة البداية، ولحرب أشد وأخطر مقابل إيران و»حزب الله».
ووفق المصادر، الجيش الإسرائيلي يستعد في الوقت ذاته للمرحلة التالية التي سيجري فيها خلال 2024 الانتقال من الحرب إلى جولات قتالية يسحب فيها قواته من القطاع ويحتفظ بحزام أمني يقتطعه من القطاع، والقيام بغزوات ضد بنى تحتية عسكرية.
ووفق هيئة البث الإسرائيلية، فإن الجيش الاحتلال يبحث مقترحا لمرحلة ما بعد الحرب على غزة، بحيث يتوغل من وقت لآخر لتنفيذ اقتحامات محددة في مناطق من القطاع، على غرار عملياته بالضفة الغربية.
وأوردت الهيئة أنه بعد الانتهاء من الحرب، يستعد الجيش الإسرائيلي للأشهر التي تلي هذه المرحلة، سيشن خلالها من حين لآخر غارات واقتحامات محددة، على أن يكون الهدف هو إنشاء هيئة تدير هذه العمليات في غزة كجزء من فرقة أو حتى لواء إضافي.
وكشفت أنه من بين المقترحات المطروحة لأول مرة على طاولة المناقشات، إنشاء قوة جديدة إضافية أو حتى لواء موسّع يتولى المسؤولية على أراضي قطاع غزة، بعد انتهاء العملية البرية وإنهاء القتال الميداني الذي تديره حاليا قيادة المنطقة الجنوبية بالجيش الإسرائيلي.
وأشار محلل الشؤون العسكرية في صحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل، إلى أن القوات الإسرائيلية الغازية تستعد للسيطرة على جباليا والشجاعية خلال أيام في غزة.
كما أوضح مراسل الإذاعة العبرية العامة أن القوات الإسرائيلية تواصل مساعيها للسيطرة على الشجاعية وجباليا واستكمال تدمير الأنفاق والبنى التحتية العسكرية في شمال القطاع.
«يفاجئوننا بصواريخ وبنادق»
وعن صعوبة المواجهة المكلفة، قال :»في منطقة خان يونس يخرج جنود حماس من أنفاق بين الردم وأكوام الهدم، ويفاجئوننا بصواريخ وبنادق، وأحيانا فوهات الأنفاق مفخخّة، والمشكلة أن هناك أربع كتائب عسكرية سالمة، وتقاتل بقوة».
وبعد أن كشف تقرير لـ «يديعوت أحرونوت» أمس الأول، عن إصابة 5000 جندي إسرائيلي حتى الآن، 2000 منهم باتوا معاقين رسميا (لاحقا تم شطب معظم مضمون التقرير وإخفاء الرقم 5000) قالت «هآرتس» أمس أن «الجيش كان يرفض الرد على سؤال تعداد الجرحى ثم بات يزعم أن عدد جرحاه بلغ 1600 جندي فقط، لكن الحقيقة مختلفة جدا».
استنادا لمعطيات قسم التأهيل في وزارة الأمن الإسرائيلية كشف «واينت» أمس الأول عن 5000 جندي، وهذا ما يؤكده أيضا تحقيق «هآرتس» (نحو خمسة آلاف جندي جريح) نقلا عن معلومات كل المستشفيات الإسرائيلية، وهي في مجملها تتحدث عن أرقام أعلى بكثير من أرقام الجيش.
وعلى سبيل المثال تشير «هآرتس»، إلى أن مستشفى «بارزيلاي» في مدينة أشكلون (عسقلان) الحدودية استقبل لوحده 1949 جنديا جريحا، ومستشفى «سوروكا» في بئر السبع استقبل 1000 جندي ومستشفى «رمبام» في حيفا 148 جنديا، فضلا عن 181 جنديا في مستشفى «هداسا» في القدس، و178 في مستشفى «إيخيلوف» في تل أبيب و287 في مستشفى «بيلنسون» في مدينة بيتح تكفا و139 في مستشفى «شاعري تسيدك» في القدس و500 في مستشفى «شيبا» في تل أبيب.
وربما هذا يفسّر تصعيد السعي بحثا عن «صورة انتصار» وزيادة الحرب النفسية التي يشارك فيها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو. بـ «دعوته مقاتلي حماس للاستسلام وعدم التضحية بأنفسهم من أجل (قائد حماس في القطاع) يحيى السنوار»، وكذلك بالتصريحات الأخيرة للناطق العسكري دانئيل هغاري حول التصميم على قتل السنوار والقياديان في الحركة، محمد ضيف ومروان عيسى حتما.
وهذا ما يدفع وسائل إعلام عبرية نحو تغطيات لا تختلف عن مزاعم الناطق العسكري وتبلغ حد السخرية بسعيها المحموم لعرض صورة انتصار، تارة على شكل علم إسرائيلي يرفعه الجنود الغزاة في دوار فلسطين في قلب مدينة غزة، وتارة صورة لرجال غزيين عراة تبين لاحقا أن معظمهم مدنيون، مع أن هذه الصورة، أرتدت على إسرائيل من ناحية صورتها في العالم.
في المقابل، تتزايد الانتقادات الإسرائيلية حول إدارة الحرب ومحاولات التغطية على فشلها بتحقيق أهدافها رغم قصف غزة بـ 410 ألف طن ديناميت و100 ألف قذيفة وفق معطيات الجيش.
وهذا ما يدفع المعلق السياسي البارز في صحيفة «يديعوت أحرونوت» ناحوم بارنياع لمواصلة التأكيد منذ بدء الحرب على عدم وجود «صورة انتصار».
في تحليله أمس يتفق مع من انتقد نشر صورة الرجال الغزيين شبه عراة، معتبرا أنها «قنبلة دعائية» ضدنا في العالم.
وعن «صورة الانتصار» المفقودة، يضيف: «شاهدنا رفع صورة للعلم الإسرائيلي في دوار فلسطين في قلب مدينة غزة. يظن الإسرائيليون أنها صورة انتصار وقد نسوا أن الجيش لم يدخل غزة لاحتلالها، وربما نتورط هناك مدة طويلة».
ويدعو بارنياع، رئيس الاستخبارات العسكرية، للاستقالة الآن، ليكون «قدوة للآخرين».
وقد وجّهت الإذاعة العبرية أمس سؤالا لضابط إسرائيلي عن معنى مؤشرات انكسار حماس، فقال إنها «تتجلى بتعليمات عسكرية من قيادة حماس ولا يتم تطبيقها، علاوة على مقتل سبعة آلاف من إرهابييها وعدد كبير من الجرحى غير معلن عنه».
ردا على سؤال حول مزاعم إسرائيلية رسمية بوجود مؤشرات على انكسار حماس، قال الرئيس السابق للقسم الأمني- السياسي في وزارة الأمن الجنرال في الاحتياط عاموس غلعاد للإذاعة العبرية صباح أمس: «المعركة قائمة ومستمرة، وعلى الصحافة أن تركّز على النتيجة النهائية. هذه الحرب تطول كثيرا وما نحتاجه نحن هو انكسار لا صورة انكسار، وهذا يعني تفكيك مراكز قوى حماس».
وعندما سئل وكيف يبدو الانهيار إذن؟ قال: «عندما تتوقف حماس عن أداء وظائفها أو عندما يقتل السنوار، أو يخرج وبقية قيادة حماس من القطاع. الحرب ما زالت مستمرة منذ 65 يوما والثمن باهظ».
وهذا ما يؤكده أيضا المحاضر في الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب الدكتور ميخائيل ميليشتاين، بقوله للإذاعة ذاتها أمس:»لا أعرف إذا كانت هناك أصلا نقطة انكسار. هناك خطوات ناجحة ولكن الانكسار يعني توقفهم عن القتال. لدى حماس لا يوجد استسلام بل قتال حتى الرصاصة الأخيرة حتى وإن استسلم بعضهم»،
وواصل: «مؤشّرات انكسار وحالة تمرّد الشعب في غزة، كل هذا لا يحدث حتى الآن».
وأضاف: «علينا التعوّد على حرب طويلة استنزافية ومحبطة أكثر، ربما وحسب تقديراتي الحرب لن تتوقف حتى بعد قتل السنوار. علينا أن نتبنى الفهم أن الحرب طويلة، وأطول مما شهدناه حتى الآن».
وردا على صورة الرجال الغزيين العراة انضم ميليشتاين وهو جنرال في الاحتياط للانتقادات، مؤكدا أن نشرها دون شروح يعني أن العالم سيفهم الصور كـ «عمل بربري إسرائيلي»، مرجحّا أن غايتها مزدوجة، ضرب معنويات الفلسطينيين ورفع معنويات الإسرائيليين وتوفير فشة خلق لهم، لاحقا تبين أن معظمهم مدنيون».
كما اعتبر مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي في تصريح للقناة 12 العبرية أن نشر هذه الصورة كان خطأ ولن يتكرر».
وفي التزامن تتزايد أيضا الانتقادات الإسرائيلية لمعالجة ملف الرهائن لدى حماس، وسط اتهامات للمستويين السياسي والعسكري، بالتنازل فعليا عنهم.
ويشير عاموس هارئيل في «هآرتس» في هذا المضمار إلى عدم تحقيق الهدف الثاني المعلن للحرب، وهو استعادة المخطوفين.
وينقل عن مصادر عسكرية قولها إن الحملة البرّية لا تساعد في استعادتهم، وهذا ينسف الرواية الإسرائيلية الرسمية الزاعمة بأن التوغّل البرّي يخدم الهدف الأول المتمثّل بتدمير حماس ولا يتناقض مع الهدف الآخر وهو استعادة المخطوفين، بل بالعكس.
يشار أن إسرائيل كانت رسميا قد تنازلت عن استعادة الأسرى في غزة في الأيام الأولى للحرب بحديثها فقط عن تدمير حماس، وأمام استفاقة عائلاتهم ومساندتهم من قبل الإعلام والشارع الإسرائيليين صارت إسرائيل الرسمية تقرن تدمير حماس باستعادة المخطوفين وضمان عدم نشوء تهديد عسكري داخل القطاع مجددا ضمن سلة الأهداف.
لكن فعليا إسرائيل تنازلت عنهم وفق مؤشرات كثيرة، منها مواصلة القصف العشوائي رغم تحذيرات المخطوفين الإسرائيليين المحررّين العائدين من أن حياتهم كانت في خطر جراء القذائف الإسرائيلية.
ولذلك تواصل أوساط إسرائيلية الضغط بسبب إهمال المخطوفين عمليا.
وينضم بارنياع إلى هارئيل في هذه المسألة، ويقول «لا مناص من تجديد المفاوضات لاستعادة المخطوفين أولا أو رفع الأعلام الإسرائيلية لاحقا».
وذهب رئيس الموساد السابق تامير باردو، مجددا لحد القول أمس الأول إن إسرائيل خانت المخطوفين مرتين، وإنها تنازلت عنهم.
في حديث للقناة 12 العبرية عاد وحمل على الحكومة الإسرائيلية، وأكّد عدم وجود انتصار في هذه الحرب، داعيا لاستعادة المخطوفين الآن حتى بثمن وقف الحرب دون تحقيق هدفها المعلن.
وحذّر من أن إبقاء المخطوفين لمصيرهم ضربة موجعة للعائلات لكنها تمّس بالأمن القومي الإسرائيلي أيضا، مشدّدا على أن الحل الحقيقي يتمثّل بالبحث عن تسوية سياسية مع الشعب الفلسطيني.
كذلك، قال رئيس القسم الأمني – السياسي في وزارة الأمن سابقا الجنرال في الاحتياط عاموس غلعاد للإذاعة العبرية إن استعادة المخطوفين الآن مهمة وقيمة عليا، من دونها لا يمكن الحديث عن انتصار.
الحل السياسي المفقود
ويتفق غلعاد مع باردو في الاتجاه العام بالتأكيد على حيوية البحث عن حلول سياسية مع الفلسطينيين، بقوله «الجيش يقدم القدرات العسكرية لكن الحكومة لا تقدم تصوّرا سياسيا شجاعا».
وواصل أن «ما يقلقني هو عدم وجود استراتيجية لليوم التالي في ظل وجود تهديدات محيطة أخرى كالضفة الغربية المرشحة للانفجار، إيران وقد باتت على عتبة النووي ولا أحد يتحدث عن ذلك، وهذا علاوة على تصاعد الانتقادات ضدنا في العالم كما تجلى في تصويت 13 من 15 دولة داخل مجلس الأمن ضدنا قبل أيام. نحن بحاجة لخطة خاصة باليوم التالي للحرب تجيب على أسئلة كثيرة منها من يدير شؤون القطاع ومن يسيطر عليه وغيرهما من الأسئلة».
عن القدس العربي