مرحلة التراجع الوطني
على الرغم من هرولة عدد من الانظمة العربية الى التطبيع مع إسرائيل بوجه قديم جديد وخروجه بوقاحة من السر إلى العلن، وفي ظل هذا التراجع العربي والترويج للتطبيع من بعض الدول المطبعة، وابتزاز دول أخرى كحالة السودان وإعادة تجديد العلاقة مع المغرب، وربما غيرها.
وكما تتميز الحالة العربية بالتراجع والانقسام، يعيش الفلسطينيين مرحلة تراجع وطني منذ أكثر من عقد من الزمن متعدد الأوجه، ولم يحقق الفلسطينيون أي من أهدافهم الوطنية التي سعوا اليها خلال عقود من الزمن، وتآكلت مؤسساتهم وتراجع دورهم الوطني الوحدوي والتمثيلي حتى سلطة الحكم الذاتي تعيش شبه حالة انتحار وضعف.
يتعمق الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية، وفشلت مساعي المصالحة الداخلية والتي ظن الفلسطينيين أنها قد تتحقق على إثر سلسلة التطبيع العربي، ما يبعث على الاحباط في ظل نظام دولي وعربي متواطئ مع إسرائيل وغير معارض للتطبيع، بل الجميع يرحب به والتنكر لحقوق الفلسطينيين، وعدم التوصل لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتراجع العرب عن الالتزام حتى بالمبادرة العربية.
فلسطينيا كانت المفاجأة بعودة العلاقات الاسرائيلية الفلسطينية بعد ستة أشهر من الامتناع عن استلام اموال المقاصة، ومجرد الاعلان عن فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن سارعت القيادة الفلسطينية بالعودة للتنسيق الأمني وعودة العلاقات مع إسرائيل كما كان وكأنه لم يكن شيء.
ولم تقدم القيادة الفلسطينية أي رؤية حقيقية أو البحث بشكل جماعي عن خيارات لمواجهة كل هذا العبث والركون على وهم عدالة الإدارة الامريكية الجديدة، وكل ما يسمعه الفلسطينيون من القيادة هو المطالبة بالصبر والصمود وإعلان الانتصار في معركة اموال المقاصة.
الرئيس محمود عباس رأى تفضيل المصالحة مع إسرائيل على المصالحة مع حركة حماس والفصائل والوحدة وإنهاء الانقسام، وقدم الشراكة مع إسرائيل على الشراكة الفلسطينية الفلسطينية، وأعلن تمسكه بوهم العملية السياسية ورفض حتى المقاومة الشعبية التي يدعو إليها باستمرار لكن من دون أي تحرك حقيقي على الأرض.
الرئيس عباس أصبح ذخراً لإسرائيل وقد يكون معيقا للفلسطينيين من خلال تمسكه برؤيته، فخلال سنوات الانقسام مكن إسرائيل من الهدوء والاستقرار واستمرار الاستيطان وعمليات النهب والسطو على الارض، ايضا جلب لإسرائيل الاستقرار الاستراتيجي في الضفة الغربية، كما ذكر تقرير لمعهد أبحاث الأمن القومي الاسرائيلي.
وبعودة القيادة للعلاقة مع إسرائيل والتي حافظ عليها خلال العقد الماضي، ومثلت السلطة الفلسطينية نموذج للنظام السياسي الذي ينتهك حقوق الإنسان ويتسم بالفساد والواسطة والمحسوبية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والتي تجلت خلال تفشي جائحة كورونا المستمرة وقد تفقد الحكومة السيطرة، إضافة إلى الانفلات الامني والتمرد على قرارات السلطة وسيادة القانون في الضفة التي تعاني من أزمة عميقة ومستمرة وظهرت حقيقتها في ظل الامتناع عن استلام أموال المقاصة وتوقف جمع الإيرادات الضريبية في ظل كورونا.
عودة العلاقة مع إسرائيل مثلت انتصارا لها على حساب الحق الفلسطيني الذي ترزح أرضه تحت الاحتلال وسياساته التهويدية الاستعمارية الاستيطانية، فإسرائيل تنظر لبقاء السلطة من ناحية استراتيجية للمشاركة في الحفاظ على الأمن ومصالح إسرائيل وتجريف المقاومة.
القيادة الفلسطينية لا تزال تتمسك برؤيتها وقد سارعت لتقديم الهدايا للرئيس الامريكي المنتخب جو بايدن، وبقدومه للحكم تعتقد القيادة أن أزماتها وأزمة القضية الفلسطينية في طريقها للحل من خلال تجديد العلاقات مع الإدارة الأمريكية والأمل في تجديد تقديم الدعم المالي والمساعدات الاقتصادية الأمريكية، ولاحقا لبدء المفاوضات، والعودة للرهان على واشنطن لتلعب دور الوسيط العادل كما كان الرهان على أوباما.
القيادة الفلسطينية مستمرة في سياستها القديمة الجديدة، ويبدو أنها لم تدرك خطورة التطبيع أو لم تلاحظ مرحلة الانهيار السياسي العربي الرسمي، ولم تفكر ببناء استراتيجية فلسطينية لإصلاح النظام الفلسطيني ومؤسساته واتمام الوحدة، ولم تفكر أن قضية الفلسطينيين قائمة على الحق والحرية والكرامة وعدالة وصدقية سردية الرواية التاريخية. وأن إسرائيل دولة استعمارية استيطانية وعنصرية، قائمة على الإحلال والمحو.