مرة أخرى إسرائيل لاعب مجنون يجب الحذر منه، لكنها مازالت تبحث عن هدف استراتيجي

يبدو أن العمليات المثيرة والمعقدة والمتطورة في لبنان ضد منظمة حزب الله الإرهابية، والتي تحمل الجيش الإسرائيلي مسؤولية بعضها رسميًا ، كانت مقدمة لهجوم استباقي في لبنان، مثلما نراه في الهجمات المكثفة التي ينفذها سلاح الجو ضد أهداف حزب الله . ولكن حتى في هذه المرحلة، عندما اتخذت إسرائيل أخيراً مبادرة مرحب بها، فإن الهدف الاستراتيجي لا يزال غير واضح ، وعلى الأقل وفقاً لتصريحات المستوى السياسي والعسكري ، يمكن تقدير أن الهدف هو تسوية سياسية مع منظمة ارهابية .  
وتدل تصريحات نتنياهو عقب اغتيال قيادات حزب الله (قوة الرضوان) على أنه لايوجد تغيير حقيقي في الموقف . ومقولة “إذا لم يفهم حزب الله الرسالة فإنه سوف يفهم الرسالة” ، توضح أن الحكومة الإسرائيلية اختارت التعزيز التدريجي للعمليات المركزة المحددة من أجل التلميح لحزب الله لإنهاء العملية في الشمال، ربما من خلال تسوية دبلوماسية ، مثلما يضغط الأميركيون ويريدون .
تابعت تصريحات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، هاغاري، هذا الخط مع التأكيد على الضربات الاستباقية التي يقوم بها سلاح الجو ضد الصواريخ الموجهة إلى إسرائيل، لكنه امتنع عن الإجابة على اسئلة بشأن عملية برية محتملة، واكتفى بالقول بأن الجيش الإسرائيلي سيفعل كل ما هو ضروري لاستعادة الأمن . 
هذه التصريحات، مع التركيز على المستوى السياسي، تذكرنا إلى حد معين بالسلوك في غزة – الشك بشأن وجود استراتيجية وشعارات تطرح كأهداف قابلة للتحقق . في حالة الشمال، إذا كان الهدف الاستراتيجي يعتمد فعلا على امل الوصول إلى تسوية سياسية مع حزب الله، فإن هذا سيكون تضييع لفرصة وخطأ استراتيجي من النوع الذي أدى إلى حدث السابع من أكتوبر . مع كل الاحترام للعمليات الخاصة وغارات سلاح الجو فإنه بدون دخول بري لايوجد مايغير الواقع الأمني في شمال البلاد بنسبة 180 درجة مع التأكيد على تهديد الصواريخ وكسر المعادلة التي حددها حزب الله بين الساحة الشمالية وبين غزة .
الآن بالذات وحيث أن حزب الله موجود في حالة ضعف ومفاجأة ، يجب الاستفادة من إنجازات العمليات الخاصة وغارات سلاح الجو من أجل استكمال المهمة بعملية برية. يوجد للجمع بين هذه العمليات فرصة أكبر لاعادة الأمن إلى الشمال ونقل “الشريط الأمني” الذي خلقه حزب الله في الأراضي الإسرائيلية إلى الأراضي اللبنانية . 
في الوقت نفسه، حتى في غياب استعداد الحكومة الإسرائيلية لدفع عملية برية ومع إعطاء اولوية على ما يبدو لتسوية سياسية، لا ينبغي تجاهل المساهمة الكبيرة لهذه العمليات، حتى فيما يتجاوز إيجاد الفرصة لتغيير المعادلة في الشمال .
وبفضل أخذ زمام المبادرة، يتم النظر إلى إسرائيل مرة أخرى في الشرق الأوسط كلاعب “مجنون” يجب الحذر منه، ولا يخشى من العمل رغم كونه مقيد بالمعايير الغربية . وهذا بعد استراتيجي مهم لاستعادة صورة القوة الاستخباراتية والعملياتية والتكنولوجية الإسرائيلية التي تضررت بشدة في 7 تشرين الأول/أكتوبر وكشفت دولة إسرائيل في حالة ضعف كبير تركت صدى خارج نطاق الشرق الأوسط، بما في ذلك لدى صديقاتنا الهند واليابان . 
وكلما ازدادت مكانة إسرائيل قوة في هذا الجانب، كلما زاد تقديرها من قِبَل الدول السُنّية البرغماتية في الشرق الأوسط التي تمقت حزب الله، وأيضا من قبل شركائها في مختلف أنحاء العالم. . وكما هو الحال في ساحات اخرى في العالم، كلما بادر طرف معين أكثر فإنه يعطي لنفسه حرية عمل أكثر، ويستعيد التأييد أكثر، وتزداد ثقة شركائه في أعماله أكثر . 
كما هو واضح ، هناك أيضاً بُعد الردع، وهو أمر مهم ومناسب أيضاً في سيناريو تسوية سياسية مع حزب الله الذي سيخشى من احتمال قيام إسرائيل بكسر القواعد في التصعيد القادم . لكن هذا سيناريو ليس مثالي حسب رأيي حيث مثلما تعلمنا فإن الردع ليس شهادة تأمين وحياته قصيرة جدا . وأخيرا، فإنه يوجد لهذه العمليات أيضا دفعة معنوية قوية لقوات الأمن ولمواطني إسرائيل، على الرغم من الأثمان الباهظة التي يستمرون بدفعها في مختلف القطاعات .

ملاحظة : يوسف روزين : زميل باحث في معهد مسغاف للامن القومي .

المصدر: معاريف

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *