

إذا كان انعقاد هذا المؤتمر الشعبي ضرورة ملحّة منذ إلغاء الإنتخابات في العام الماضي، فإن ضرورة انعقاده وإنجاحه أصبحت أكثر إلحاحا بعد أن أصبح واضحا أننا أمام منعطف جديد في كفاحنا الممتد ضد المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني .
إن اهم سمات هذا المنعطف ما نشهده أولا من نهوض شعبي مقاوم ضد جيش الإحتلال ومستوطنيه . وثانيا هناك دلائل متلاحقة على أن نظام أوسلو ممثَّلا ٌ “بالسلطة ” قد بدأ يترنح ويفقد التوازن من خلال قرارات وإجراءات عبثية نحو المزيد من التفرد والإستبداد بعيداً عن أي تصرف عقلاني .
وإذا كانت حالة النهوض الشعبي المقاوم تحمل بشائر إنخراط جيل جديد يبعث الأمل في عودة الوعي لحركتنا الوطنية بإتجاه تصويب بوصلتها ، لكن السمة الثانية لهذا المنعطف والمتمثلة بتتابع الدلائل على ترنح نظام أوسلو ، هو أمر يستدعي من كل الوطنيين رفع درجة اليقظة والإستعداد للتصدي لما قد يكون قادما من بطش نظام ٍ يترنح .
أما السمة الثالثة لهذا المنعطف فهي ان المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني بتجلياته المتعددة الوجوه من الإقتلاع و الإحتلال والتطهير العرقي ، والتمييز العنصري ، مرورا ببناء نظام أبارتيد أشرس من نظام الأبارتيد الذي كان سائدا في جنوب أفريقيا ، ها نحن نراه الأن يتجلى بوجه جديد من الفاشية قد يتفوق على أنظمة الفاشية التي سبق ان عرفتها البشرية .
لقد ثبت بالملموس ان مسار أوسلو كان كارثيا بكل معنى الكلمة . فهو لم يتقدم بمشروعنا الوطني خطوة ملموسة واحدة ، بل إنه في الواقع جعل مشروع إنهاء الاحتلال والإستقلال وحق العودة و تقرير المصير أبعد منالا . فعدا عن توسع وتعمق المشروع الاستيطاني وتضاعف أعداد المستوطنين في طول الضفة الغربية وعرضها ، وعدا عن العملية المتسارعة لتهويد القدس ، وتعمق التبعية الإقتصادية لدولة الإحتلال بدلا من الإنفكاك المطرد عنها ، فإن مسار أوسلو خلق كيانا و نظاما من الحكم الذاتي متداخلٍ مع دولة الإحتلال بشبكة محْكٓمةٍ من الإلتزامات والمصالح والعلاقات . ومن أقبح ما في نظام أوسلو هذا أنه أمعن تهميشاً وتخريباً في م. ت. ف. طوال ثلاثين عاما من اللهاث وراء سراب مفاوضات عبثية لا طائل منها سعياً لإستجداء دولة بالمواصفات الإسرائيلية والأمريكية بدلاً من توفير وتعزيز مقومات الصمود لشعب يقارع أعتى نماذج الأستعمار الإستيطاني . وعدا عن أنه نظام فاشل على هذا الصعيد فانه نظام ترتفع فيه مؤشرات الفساد والحكم الشمولي والإستبدادي و قمع الحريات ، ولا يخجل من قيامه بالتنسيق الأمني مع دولة الإحتلال.
كل ذلك يقودنا الى الإستنتاج أن نظام أوسلو قد أصبح ، في المحصلة النهائية ، عبئاً على النضال الفلسطيني وليس رافعة له ، و ان قضيتنا الوطنية ستستمر في حالة من التراجع الخطير مع كل يوم ، أجل مع كل يوم نواصل فيه السير في هذا المسار الكارثي . ولا سبيل الى إنقاذ قضيتنا الوطنية إلا بتغيير النهج وتغيير المسار بإستعادة البوصلة كحركة تحرر وطني من خلال إعادة بناء م.ت. ف . على أسس ديمقراطية بدءاً بانتخاب مجلس وطني جديد ، خلال ستة شهور، وليس خلال سنة طالما أن لا يحتمل مزيدا من التلكؤ والمراوغة ، على ان يتولى هذا المجلس المنتخب تبني استراتيجيةً وبرنامجَ عمل يستجيبان لتحديات ومتطلبات هذه المرحلة، ومن ثم يتم انتخاب بنية قيادية جديدة للمنظمة بجيل جديد يمتلك من ارادة التغيير ومن الكفاءة والنزاهة والمصداقية ونكران الذات ما يمكنها من تحمل المسؤولية التاريخية لشق الطريق نحو هذاالمسارالإنقاذي .
وأخيراً و ليس آخراً ، ليس أمامنا من وسيلة للتغيير المنشود سوى الوسيلة الديمقراطية … وسيلة الإنتخابات .
و من هنا تأتي أهمية مؤتمرنا الشعبي هذا اليوم ليكون بمثابة الخطوة الأولى لممارسة وتصعيد ضغط شعبي منظم ومتصاعد وبكافة أشكال العمل السلمي المدني لأجل استعادة ” الحيز العام” ، بما في ذلك اللجوء الى العصيان المدني إذا ما أقتضى الأمر ذلك .