مخيم اليرموك 3500 يوماً تحت الحصار

“اللي ما عنده مخيم.. يبيع بيته ويشتري مخيم”

منذ أن تقلصت مساحة البساتين في اليرموك إلى الصفر تقريباً (أي منذ أوائل الثمانينيات) لم تعد الكلاب تجوب شوارعه وأزقته وحاراته، إلا ما ندر، وما ندر هذه تعني فصول الشتاء الباردة حين كانت الكلاب تتسلل من المناطق المحيطة بالمخيم-من بساتين يلدا والحجر الأسود أو من المنطقة الفاصلة بين المخيم وحي القدم، من جهة شارع الثلاثين.

يقول صاحبي أن هذا الكلب (وصاحبه يدعى رضوان) كان جاثماً في وضعيته هذه على الأسفلت البارد لشارع اليرموك مقابل مخبز حمدان، ويعتقد صاحبي أنه، على الأغلب، “ليس من سكان المخيم”، ويبدو أن الجوع والبرد والقصف والقنص اجتمعوا ليلقوا به عنوة حيث هو. يتذكر صديقي معاناته، في ذلك الشتاء، من ألم أسنانه الشديد، مما اضطره إلى “قلع” أكثر من نصفها. وبالنظر لحالة الحصار وندرة الأدوية، نصحه البعض أن يمضي إلى أبي غياث صاحب إحدى الصيدليات مقابل مخبر حمدان، لعله يجد بعض المسكنات، حيث اتفق صاحب الصيدلية -آنذاك- على شراء مخزون الأدوية من أصحاب الصيدليات المغلقة قبل أن يتم نهبها. وفي الطريق شاهد صاحبي هذا الكلب رابضاً في منتصف الشارع، ساهماً، لا يلوي على شيء.

تابع صديقي طريقه باتجاه الصيدلية، فأخذ المسكنات ثم جلس على المصطبة يدخن، اقترب منه الكلب يمشي متثاقلاً ويهز ذنبه دون اكتراث، وجسده يتمايل يميناً وشمالاً مثل تلك الحيوانات الضعيفة أو الجريحة التي نشاهدها في الناشيونال جيوغرافيك. استدار الكلب فجأة ودلف إلى إحدى العمارات المجاورة التي هجرها سكانها منذ عامٍ وبضعة أشهر تقريباً إثر الخروج الكبير لليرامكة. استمر صاحبي يدخن وهو ينظر نحو لا شيء محدد على الإطلاق ويبدو أنه نسي الكلب الذي كان قربه منذ لحظات، وهكذا، وقبل أن ينهي سيجارته، يقول صاحبي، سمع صوت ارتطام قوي لشيء ما بالأرض كما لو أن السماء برمتها سقطت على المخيم، فالتفت نحو مصدر الصوت ليرى الكلب إياه يسبح في دمه ويعض على لسانه فيما يلفظ آخر أنفاسه..

يقسم صاحبي أن الكلب لم يتعثر ولم يتعرض لرصاص قناص أو أي شيء من هذا القبيل. ويقسم أيضاً بما يشبه اليقين -وأنا أصدقه في جميع الأحوال- على أن الكلب انتحر “بمحض إرادته” لا إكراه ولا بطيخ، وكأنه أبى و استنكف أن يمضي بقية حياته يستجدي بقايا الطعام.

طب كيف وليش؟.. لا أنا ولا صاحبي نعلم. لكن على ما يبدو أن الكلب قرر أن ينهي حياته بيده.

مات الكلب.. أو انتحر، وارتاح. ولكن صاحبي مازال، كلما آلمته أسنانه، يتذكره وتستحضره عبرات حارة ويقول، بينه وبين نفسه، “الكلاب ليست وَفِيَّةً فقط ولكنها أيضاً صاحبة كرامة تفضل الانتحار على الاستجداء”. وكأنه انتحاره -في عُرْفِ الكلاب ليس معصية ً –

أي نعم كانت عيشة كلاب ولكن الميتة كان ينبغي لها أن تكون غير شكل.

وهيكا

…..

يعود تاريخ الصورة للثامن عشر من شباط/،فبراير 2014، بفارق يومين أو ثلاثة؛ وهي فترة توفر النت في المخيم آنذاك، ويتذكر الصديق أبو سلمى أنه التقط هذه الصورة مع صورٍ أخرى لتكّون المشهد كاملاً بدون تعليق، ويضيف بأن هذا الكلب كان معروفاً تقريباً لمعظم من بقي من اليرامكة في تلك الفترة، ويؤكد أنه لم يعد يرَ الكلب بعد تاريخ التقاط تلك الصورة. وربما كانت هي المرة الأخيرة أيضاً التي يرى فيها حيوانات من أي نوع طوال فترة الحصار. يمكن رؤية الصور على الرابط التالي :

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=719393344772684&id=100001060753138

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *