مخيم اليرموك لـ أحمد نسيم البرقاوي

وكان المخيم بيتا وصديقاً ورصيف انتظار .شارع اليرموك الطويل الواسع يوزع الدروب الصغيرة على اللاجئين،
للدروب أسماء قرى الجليل ومدائن البحر والجبال الحزينة و أسماء الراقدين في مقابر الشهداء.المخيم أمي التي انتظرت طويلا طويلا سفائن بحر يافا ،واستل الحنين روحها ،وأودعها أرض المخيم.
المخيم الدموع التي شيعت أبي ،والحناجر التي ودعته بالأناشيد ،إلى مقبرة الشهداء .المخيم قبر أخي الأبدي
الذي مضى في لحظة عشق للحياة حاملاً جعبة أحلامه وآلامه وقهر السنين .المخيم : ملصق يحكي قصة الطلقة الأولى وصور الختيار المتربع على عرش القلوب ،دموع الصبايا،وتجاعيد الزمان على وجه أم تغني للشهيد وللأسير.
المخيم حيث الأسطح صالات الزفاف،يصدح فيها صوت درويش.وحارات العزاء التي لا موت يحضر فيها،وصباحات فيروز و مساءات أم كلثوم .
وتسألني : أيلجأ اللاجئ يا أبتِ ؟أجل يا ابنتي نجاةً من موت يتربص بكم،يطل من عيون قطاع الحواجز، يتوارى خلف التلال القريبة ،يطل من فوهات البنادق يختبي في تقارير المخبرين ٠
ما الذي ينفع اللاجئ اذا دمر الطغاة رصيف انتظاره يا ابنتي ،وحين يصرخ في وجهه محقق بربطة عنق باريسية قائلا:
مالذي يغريك بالحرية وانت ضيف في هذا البلد .
الى أين يا أبتِ ؟
الى نافذة مفتوحة على الريح ،إلى أوراقي التي براها الشوق لأقلامي،إلى فضاء يعيد لحنجرتي سحر الكلام،الى لغتي ،الى أرصفة انتظار جديدة ،الى المدن الخالية من القلب ،الى الشواطئ التي لا تحمل لي النبأ العظيم .
اللاجئ يا ابنتي سرب وحده ،قلب يسند ظهره على جذع الزمن الأصم في انتظار وانتظار وانتظار ،قوياً يجلس تحت شمس الأمل الحارقة .

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *