مخططات التهجير وهندسة إسرائيل الديموغرافية

توضح الهدف الجوهري لإسرائيل خلال عدوانها على قطاع غزة الذي استمرلمدة 471 يوماً والمستمر على الضفة الغربية بما فيها القدس، ويكمن في طرد غالبية الفلسطينيين واستيعابهم في شبه جزيرة سيناء المصرية والمملكة الأردنية الهاشمية . وجذب مزيد من المهاجرين اليهود في قارات العالم وإحلالهم مكان أهل الوطن الفلسطيني الحقيقيين ونقصد الشعب الفلسطيني؛ ويعتبر ذلك بمثابة الهندسة الديموغرافية لإسرائيل .
صراع مفتوح
مضى على إنشاء العصابة إسرائيل نحو سبعة وسبعين عاماً، حيث كان من أهم تداعيات تشريد القسم الأكبر من الشعب الفلسطيني، بقوة المجازر الإسرائيلية. وتبعاً لعملية الإحلال اليهودي مكان العربي الفلسطيني، صاحب الأرض، برز العامل الديموغرافي، باعتباره ركيزة أساسية في إطار الصراع العربي الإسرائيلي؛ولهذا كله، اهتمت المؤسسات الإسرائيلية والصهيونية على حد سواء بالصراع الديموغرافي، على اعتبار أنه هاجس إسرائيلي يومي، واتضح ذلك في الدراسات الأكاديمية الإسرائيلية، مثل دراسات الدكتور الباحث الإسرائيلي أرنون سوفر، وكذلك ما تم من وضع توصيات في مؤتمرات إسرائيلية إستراتيجية، مثل مؤتمرات هرتسيليا ومركز جافي ومراكز بحث إسرائيلية أخرى؛ فما هي مؤشرات الصراع الديموغرافي المفتوح بين العرب واليهود في فلسطين منذ عام 1948، وما آفاق الصراع المذكور؟ أسئلة عديدة، نحاول الإجابة عنها في سياق عرضنا هذا.
التهجير الكبير
صمد في المناطق الفلسطينية التي أنشئت عليها إسرائيل في أيار/ مايو 1948، والبالغة (78) في المائة من مساحة فلسطين التاريخية (27009 ) كيلومترات مربعة، صمد (151) ألف فلسطيني، تركز غالبيتهم في منطقتي الجليل الفلسطيني والنقب، ووصل عددهم خلال العام الجاري نحو مليون وسبعمائة وخمسين أ لف عربي فلسطيني . وبفعل الزيادة الطبيعية العالية بين الفلسطينيين، ارتفع مجموعهم، ليصل إلى (14) مليون ونصف المليون فلسطيني خلال العام الحالي 2025، في مقابل مليون وأربعمائة ألف فلسطيني عشية نكبة الفلسطينيين الكبرى في شهر أيار/مايو من عام 1948. والملاحظ أنه على الرغم من السياسات الإسرائيلية التي أدت إلى عمليات «ترانسفير»، طالت نحو (70) في المائة من الشعب الفلسطيني خلال عامي 1948 و1967 والسنوات اللاحقة، فإن (80) في المائة من الفلسطينيين يتمركزون في حدود فلسطين التاريخية والدول العربية المجاورة؛ ومن نافلة القول أن نصف مجموع الفلسطينيين يقطنون في داخل وطنهم فلسطين التاريخية ب كيلومتر مربعمساحتها (27009) ، أي في الضفة بما فيها القدس وقطاع غزة والداخل المحتل . ووفق الإسقاطات السكانية يتضاعف مجموع الشعب الفلسطيني كل عشرين عاماً ، حيث سيصبح عددهم في عام 2049 نحو (29) مليون فلسطيني جلهم من الأطفال . في حين بلغ عدد المستعمرين اليهود الصهاينة في فلسطين والمستعمرات القائمة خلال العام العام الجاري سبعة ملايين ومئتا ألف مستعمر يهودي؛ و تنحدر أصولهم من أكثر من مائة دولة في العالم .
حقائق ماثلة
اعتمدت الحركة الصهيونية وإسرائيل على ركيزتين أساسيتين، لفرض صورة ديموغرافية، تجعل من اليهود أكثرية على حساب العرب الفلسطينيين وأرضهم. تمثلت الأولى بارتكاب المجازر لطرد غالبية الفلسطينيين من أرضهم، واستطاعت العصابات الصهيونية ارتكاب 44 مجزرة في عام 1948، بدعم بريطاني مطلق، ما أدى إلى طرد (850) ألف فلسطيني من أرضهم، حتى الخامس عشر من أيار/ مايو من عام 1948، شكلوا آنذاك (61) في المائة من إجمالي عدد الفلسطينيين المقدر آنذاك بنحو مليون وأربعمائة ألف عربي فلسطيني كما أشرنا. وينتمي هؤلاء اللاجئون إلى (531) مدينة وقرية فلسطينية. وبفعل الزيادة الطبيعية التي تصل إلى نحو ثلاثة في المائة سنوياً، قدر عدد اللاجئين الفلسطينيين خلال العام الجاري 2025 وصل إلى نحو ستة ملايين ونصف المليون لاجئ فلسطيني ؛يستحوذ الأردن على 41 في المائة منهم، يليه قطاع غزة 22 في المائة ، ثم الضفة الغربية 16 في المائة فسورية ولبنان (10.5) في المائة على التوالي، كما يوجد بضعة آلاف من اللاجئين، في كل من مصر والعراق والمنافي البعيدة، بيد أنهم غير مسجلين في «أونروا» لأسباب مختلفة. وهناك تقديرات بتهجير لنحو (150) ألف فلسطيني من سوريا إلى لبنان والأردن ومصر وتركيا واربيل والقارة العجوز والبرازيل واسترايا وكندا.
وتجلت الركيزة الثانية لفرض الديموغرافيا اليهودية في القيام بعملية إحلال للمهاجرين اليهود من بقاع الأرض في المناطق الفلسطينية المحتلة؛ وفي هذا السياق، استطاعت الحركة الصهيونية بدعم بريطاني وغربي جذب 650 ألف يهودي من مختلف أنحاء العالم حتى الخامس عشر من مايو/أيار 1948، بعد القيام بعملية تطهير عرقي، مبرمجة ومدروسة بشكل محكم، وليصبح عدد السكان اليهود في إسرائيل سبعة ملايين ومائة إلف يهودي خلال العام الجاري 2025 ، وهم بمثابة المادة البشرية التي تزود الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية بمجرمي الحرب المطلوبين للعدالة الدولية أمثال نتنياهو وغالانت وغيرهم .
عن الحوار المتمدن