ما يدور في إسرائيل إستكمال لإنقلاب عام 1977 ببناء مرحلة الدولة الثالثة

صدر في عام 2017 كتاب بعنوان لماذا تنتخب اليمين ويحكم اليسار ؟! ( מדוע אתה מצביע ימין ומקבל שמאל؟) للكاتب إيرز تدمور إعلامي معروف وأحد مؤسسي حركة “إذا أردتم אם תרצו” اليمينية. للإجابة على هذا السؤال المفصلي عاد إيرز إلى انتخابات عام 1977 والتي فازت فيها الصهيونية اليمينية الإسرائيلية بقيادة مناحم بيغن ولأول مرة منذ قيام الدولة. إطلق على هذه الانتخابات في حينه الانقلاب إذ شكلت فعلياً أول محطات إسرائيل الدولة الثانية بعد ما حكمت الصهيونية الليبرالية الاشتراكية بقيادة حزب مباي (מפא״י) إسرائيل الأولى منذ قيام الدولة على انقاض النكبة الفلسطينية عام 1947 .
في إسرائيل تعتبر كل دورة انتخابات مفصل تحول تاريخي لا تتغير فيها الحكومة فحسب، بل تتغير معها معالم الحكم والمجتمع أيضاً كنتاج طبيعي لوحدة صراع الأضداد بين يهودية الدولة وديمقراطيتها داخل نظام اليودقراطية وديمقراطية الشعب السيد. هنا انتبه إيرز تدمور لحقيقة أنه رغم قيادة حكومة الصهيونية اليمينية الدولة الثانية بقيت الدولة الأولى العميقة تدير الدولة وتوجه سياساتها من خلال تقلد نخبها وموظفيها الوظائف وقيادة المؤسسات المؤثرة. وهذا ما يشخصه إيرز بأستمرار حكم اليسار رغم فوز اليمين في الانتخابات. وعليه وضع في كتابه خارطة الطريق لتغيير هذا الواقع والتحول لدولة إسرائيل الثالثة محدداً ضرورة تغيير الدولة العميقة في ثلاثة مجالات:
أولاً:الأعلام بفتحه لتنافس السوق بمعنى خصخصته.
ثانياً: تغيير المبنى القضائي من خلال لجم قوة وتأثير محكمة العدل العليا على السلطة التشريعية الكنيست وسن قوانينها ومعها التحكم في الهيئة التنفيذية الحكومه.
ثالثاً: العمل على تغيير المبنى التنظيمي والقيادي في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية وصولاً لمضامين التعليم التي يجب أن تنسجم مع رؤية اليمين. هذا بالإضافة لاستبدال الموظفين الكبار والنخب المسيطرة على عمل المؤسسات الحكومية والسلطات المحلية، بنخب وموظفي اليمين الحاكم.
كتاب إيرز تدمور هذا أصبح خارطة الطريق لنتنياهو وحزب الليكود ومعه باقي أحزاب الصهيونية الدينية والحريديم. أول الخطوات التنفيذية كانت إقرار قانون القومية عام 2018 والذي مهد الطريق فعلاً لبناء إسرائيل الثالثة والتي تبلورت معالمها في انتخابات عام 2022 وتشكيل حكومة أقصى اليمين ب 64 مقعداً منها 14 مقعد لاحزاب سموتريش وبن قفير بعد أن كانت قوتهم 6 مقاعد في الانتخابات التي سبقت عام 2018. وبهذا تعلق مصير حكومة نتنياهو بأكثر الأحزاب تطرفاً وفاشية مدعومين بمثلهم من داخل حزب الليكود وهم من يصرون على استمرار الحرب اليوم.
من هنا تفسر وتفهم خطوات الحكومة وإصرارها على التغيير الجذري من خلال خطة الانقلاب القانوني والتنظيمي على المؤسسة القضائية وعلى رأسها محكمة العدل العليا بما فيه الإصرار على عزل المستشارة القضائية للحكومة وسن قوانين تثبت النهج والتوجه. كذلك عملت وتعمل الحكومة على خصخصة الإعلام وتسهيل مهمة تسلل إعلاميين اليمين لكل القنوات والمؤسسات الإعلامية لا بل تأسيس قناة ١٤ وغيرها من قنوات ومراكز إعلامية يمينية فاشية. وأبعد من هذا فقد قامت الحكومة باستبدال قيادة الجيش، الشرطة والأمن العام بقياداة ولائها الخالص لليمين ولرئيس الحكومة نتنياهو، وهذا ما يفسر أيضاً عزل رئيس الشاباك الحالي رونن بار. كذلك طالت هذه السياسة تغيير جذري في موظفي الدولة العميقة من وزارات ومؤسسات دولة وحكم محلي. يحدث هذا مع احداث تغيير جذري في مؤسسات التعليم العالي كان ذلك على مستوى النخب القيادية لهذه المؤسسات أو على مضامين برامج التعليم الصانعة للوعي الجمعي الاسرائيلي.
وفوق كل هذا انتقلت إسرائيل الثالثة من استراتيجية إدارة الصراع إلى حسمه وإقامة الدولة اليهودية بين النهر والبحر مع إعطاء الفلسطينيين ثلاثة خيارات: إما العيش خانعين خاضعين كأفراد وليس كأمة وشعب مع حكم محلي في الضفة وغزة (بدون السلطة الفلسطينية)، أو الهجرة (الترانسفير) الطوعي والقسري أو الحرب حتى الإبادة وهذا ما يفسر الحرب على غزة والضفة.
خلاصة القول:
ما يحدث في إسرائيل هو استكمال لانقلاب عام 1977 والذي يتوج منذ الانتخابات الأخيرة عام 2022 ببناء إسرائيل الثالثة بقيادة أقصى اليمين والتي ترى في حسم الخلاف الداخلي اليهودي جسر عبور لحسم الصراع مع الفلسطينيين. تعتبر هذه الحكومة أن أمريكا بقيادة ترامب ودعم الصهيونية المسيحية الانجيلية له أفضل مرحلة وفرصة لتحقيق أهداف إسرائيل الثالثة.
(للمزيد عن إسرائيل الثالثة أقرأ مقالنا: إسرائيل الثالثة وخطة سموتريتش للانتقال من إدارة الصراع إلى حسمه برؤية 2050.)