ما وراء الحرب على مخيّم جنين ؟


إن عملية التهديم والترحيل في مخيّم جنين قبل أيّام ليست كاقتحام المخيّم قبل عشرين عامًا في الانتفاضة الثانية من حيث أهدافها.
في هذه المرة لم يكن الأمر محصورًا في إخضاع المقاومة وتيئيس الفلسطينيّ. بل تعدّاه إلى ما يربط بين هذا الحدث وبين حرب النظام السوريّ لتدمير مخيّم اليرموك ابتداءً من العام 2012 حتى تسوية معظم أحيائه بالأرض بيد النظام والاحتلال الروسيّ في العام 2018. حدثان مترابطان من حيث المؤدّى والغاية وإن كان المنفّذون مختلفون. حدثان ليسا يتيميْن في رأينا بل يفتحان أعيننا من جديد على حرب معلنة وخفيّة ضد اللاجئين الفلسطينيين في سورية التي استغلّ نظاومها الدمويّ ثور الشعب السوري للتخلّص من الوجود الفلسطيني في سورية ومخيماتهم. صحيح أن الخطاب الفلسطيني الرسمي لم يخض في هذه المسألة الحساسة لكننا نستطيع القول إن النظام السورية في زمن “الأب والإبن” كان مكلّفًا بتطهير سورية من الفلسطينيين وإن ادّعى النُطق باسمهم وقضيّتهم وإسقاط قيادات فلسطينية للعمل ضمن رؤية الدولة الأمنية السورية ومخابراتها.
وهو الأمر الذي امتدّ إلى لبنان حيث شهدت المخيّمات الفلسطينية لا سيّما نهر البارد والبداوي حربًا معلنة على الفلسطينيين بدعوى الاقتصاص من الراحل أبو عمّار وإخضاعه لمشيئة نظام المجازر الذي عمل ولا يزال يعمل بمؤازرة غربية وروسية وإيرانية في أداء مهمّته ـ وهي تصفية مسألة اللاجئين وهي أحد الملفّات الصعبة في القضيّة الفلسطينية. وقد شهدنا أمرًا مشابهًا في العراق وفي الخليج أيام احتلال العراق للكويت، وفي الأردن، في أيلول الأسود، وفي ليبيا ثورة الربيع والثورة المضادة. هناك ما يربط كل هذه التجارب القاسية بحقّ الفلسطينيّ إلى غاية تصفية ملفّ اللاجئين المنتشرين في دول الطوق وفي أرجاء الشرق الأوسط.
امتداد الحرب ضدّ المخيّمات على رقعة جغرافية واسعة وعلى حقبة زمنيّة ممتدّة وبأيدي جهات ووكلاء كثيرين ينبغي ألّا يحجب عنّا ارتباط هذا المشروع العنيف بمشاريع أقلّ عنفًا وتستهدف الأمر ذاته. فقد لاحظنا في السنوات الأخيرة نشاطًا محمومًا تقوده إسرائيل الرسمية وحلفاؤها في المحافل الدولية لا سيّما أروقة الأمم المتحدة لإنهاء عمل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين الأونروا. وقد قررت الإدارة الأمريكية في عهد ترامب قطع التمويل عن هذه المؤسّسة الدوليّة. وقد جرى حراك بهذا الاتجاه قادته إسرائيل الرسميّة وأعوانها من يمين عالميّ عنصريّ. رافق محاولات قطع التمويل تأليب الرأي العام ألوروبي ضد الوكالة بدعوى أنها تُصدر كتبا ومضامين تعليم لا ساميّة أو تدعو لإبادة إسرائيل.
إن السعي إلى إغلاق ملفّ اللجوء الفلسطينيّ بالحرب و/أو بالدبلوماسيّة، وهما لغتان للمنظومة ذاتها، تجسّد في مخيّم جنين خلال الأيام القليلة الماضية كتجربة إسرائيلية جديدة في حربها الشاملة ضد فلسطين وشعبها ووجوده. ولأننا نقرأ ببرود العقليّة الإسرائيلية كما تجسّدت في السياسات والمشاريع الإسرائيلية والإسرائيليّة الأمريكية، فإننا لا نسقط من حساباتنا أن حروبًا أخرى ستشنّ على مخيّم جنين وعلى المخيمات الفلسطينية الأخرى في فلسطين التاريخيّة. هناك مشروع إسرائيلي لتصفية هذا الملفّ دوافعه كثيرة وأهمّها تحويل قضيّة فلسطيني إلى مسألة داخليّة إسرائيليّة خاصة وأن إسرائيل الرسمية ذاهبة في خيار ضم المناطق المحتلة وتسمية نهر الأردن حدودًا شرقية لها.
من هنا وجب رؤية الحرب على مخيم جنين وأهله من هذه الزاوية، أيضًا، والاستعداد لمواجهة إمكانية نقل الحرب إلى مخيّمات أخرى. كما وجب التذكير بجرائم مماثلة ارتكبها النظام في سورية ولبنان ووكلاء عرب آخرون في العراق وليبيا ومواقع أخرى، وهو الأمر الذي يتواضع الفلسطينيون في الحديث عنه رغم فظاعته.