ما هي ازمة فتح في الانتخابات العتيدة؟

لا شك ان هناك تحدي يصل الى حد الازمة يواجه حركة فتح في الانتخابات القادمة، وهذا امر طبيعي لحركة سياسية عريقة قادت الشعب الفلسطيني لعقود طويلة، لكن التحدي -الازمة -هذه المرة تختلف الى حد كبير عن سابقاتها، الاختلاف ليس في درجة الحدة او الخطورة فحسب، بل وفي اختلاف رؤية فتح ذاتها لهذا التحدي الازمة. وأكثر من هذا فقد وصل الاختلاف في التوصيف في فتح بان هناك من يرى الازمة حلا واخرون يرون في الحل ازمة. نعم الى هذا الحد وصل الاختلاف وهذا تطور حول مسبوق.

لنرى كيف!

القيادة الرسمية ترى ان فتح بقائمة موحدة هي تختارها وتحدد عناصرها هو الحل الافضل لها في الانتخابات، وتصم الاذان عن اي طرح اخر. وأكثر فإنها تستخدم الحوار والترهيب والاغراء واستثارة الخوف وكل الاساليب وصولا لهذه الغاية، الهدف ليس نجاح فتح في الانتخابات فقط، بل نجاحها بتلك التركيبة وبما يكرس الوضع الراهن سواء على صعيد فتح او ادارة السلطة، وبدون اي تغيير، فاستمرار الوضع الراهن والذي يشكل ازمة حقيقية للشعب الفلسطيني ومنه اغلبية حركة فتح هو الحل الامثل للنخبة الحاكمة المتنفذة. لكن هناك توجها اخر في فتح ومن خلفه اغلبية الشعب الفلسطيني يعتقد بان هذه الانتخابات يفترض ان تنجلي عن نجاح فتح ولكن بتغيير عميق في الشخوص والمنهج، بمعنى ان المنهج الحالي الذي تقوده قيادة فتح الحالية قد أخفق وعمق ازمة المجتمع الفلسطيني ويفترض تشكيل قائمة لفتح تكون لقواعد الحركة الدور المركزي والاساس في تشكيلها وبما يضمن تغييرا عميقا للحالة والادارة والشخوص. هذا التوجه يعتقد ان التغيير يفترض ان يصل لقمة الهرم في فتح والسلطة والمنهج والسلوك السياسي، هذا التغيير هو ما تخشاه القيادة المتنفذة وتسعى بكل امكانياتها لتجنبه.

ورغم ان وحدة فتح هي المشترك بين التوجهين الا ان حدة الاختلاف تقود الى ما يتعارض مع تحقيق هذه الوحدة في العملية الانتخابية على الاقل. فالوحدة بين هذين المنهجين تكاد تكون متعذرة في ظل الهامش الكبير في الاختلاف، ورغم ان الطرفين يتمسكان بوحدة الحركة كشعار الا ان تمسك كل منهما بأهدافه يجعل وحدة الحركة في قائمة انتخابية واحدة مجرد شعار يستخدم للعلاقات العامة ولإدارة الاختلاف لا أكثر.

السؤال الذي يحاول الفريقين تجنبه هو: ما هو الشيء الذي يمكن ان يشكل قائما مشتركا يتحد المنهجين على اساسه ويحافظا على وحدة الحركة؟

ان مجرد البحث عن قاسم مشترك يطيح بأهداف الفريقين، القيادة الرسمية ترى في تحركها عن موقفها ولو قليلا يتيح المجال لتغيير في الوضع الراهن لا تضمن حدوده ولا نتائجه، بينما الفريق الاخر يرى ان التغيير لا ينصب على تفاصيل بل هرم قيادة الحركة وهو الرئيس يفترض ان يجري تغييره عبر مرشح رئاسي جديد، وهنا تظهر عمق الهوة بين الفريقين.

ان فترة اقل من مئة يوم على الانتخابات غير كافية لإبداع حلول تلغي الاختلاف، وحتى الحوار الذي يجري حاليا هنا او هناك هو حوار يهدف منه كل طرف على اجبار الطرف الثاني على التنازل، ولم يمتد هذا الحوار لمسألة البحث عن قواسم مشتركة.

نحن امام حالة الازمة فيها مخرج، او قد يكون المخرج فيها ازمة، كل يرى الامور من موقعه او مصلحته او رغباته، لكن الاكيد ان فتح ببنيتها الحالية لا توفر بيئة صالحة لإيجاد حالة تشكل مخرجا لكل فتح من أزمتها، فنتاج سنوات من الاداء الخاطئ قد خلق داخل فتح ما هو أكبر من معادلة الوحدة في ظل الاختلاف والتي حكمت فتح عبر عقود طويلة.

المثير للانتباه ان الحفاظ على الوضع الراهن ليس مطلب وطموح النخب القيادية في فتح فقط، بل قيادة حماس ايضا تشارك قيادة فتح هذا الطموح، من هنا جاء هذا التوافق والذي قاد بضربة ساحر الى اتفاق الحركتين السريع على قواسم عمل مشتركة برزت في تفاهمات استنبول وتم تشريعها باتفاق القاهرة. فخمسة عشر عاما من الاختلاف تم تجاوزها لصالح الحفاظ على الوضع الراهن. ان مقاومة التغيير أصبح قاسما مشتركا بين قادة فتح وحماس يقربهما من بعض أكثر مما يقرب قيادة الحركتين من قواعدهما وهذا يعير ترتيب العلاقات على الساحة الفلسطينية بشكل مختلف وجديد. قوى التغيير من مختلف القوى وهي بالمناسبة تضم شريحة واسعة من المثقفين والأكاديميين واوسع قطاع شعبي فلسطيني، كل هؤلاء في مواجهة القيادات المتنفذة في الحركتين الرئيستين، يبدوا هذا الوضع في فتح أكثر وضوحا مما هو في حماس بحكم الهامش الواسع جدا في فتح من الديمقراطية وحرية التعبير والذي ينعدم في حركة حماس.

ربما هناك إدراك عام من جميع الاطراف المهتمة بان انتخابات التشريعي لا تشكل تغيير جوهري ومهما حملت من نتائج، ولكنها تشكل وفق نتائجها امرين هامين: الاول انها مؤشر جلي على التوجهات المجتمعية ومدى استعداد الجمهور للإقدام على تغيير بما يحمل من احتماليات، الامر الاخر وهو الاهم وهو ان قيادة الحركتين المهيمنتين على الضفة والقطاع غير مستعدتين لأي مساومة تحمل تغييرا حتى لو كان طفيفا.

الامر المثير ان قوى التغيير الفلسطينية لم تبلور ذاتها بما يكفي، هناك تشرذم الى حد كبير، وتردد الى حد أكبر، واستعدادية لمساومات ولحدود قصوى، نتحدث هنا عن القوى المهتمة بانتخابات التشريعي وبخاصة في فتح، ومع كل هذه الاستعدادية فان المستوى القيادي المهيمن وفي فتح على وجه الخصوص غير مستعد لأي مساومات من اي نوع، وأكثر ما هو مستعد له هو جوائز ترضية رمزية لشخوص لا تعكس اي تغيير ذو اهمية.

حتى اللحظة فان كل ما يدور هو داخل فتح او حولها، ليبدوا ان الامر وكأنه شأن تنظيمي بحت، وكثير من المهتمين بعملية التغيير من خارج فتح يتطلعون لما يجري داخل هذه الحركة باعتباره مؤشر ذو اهمية قصوى، او ان التغيير في الحالة الفلسطينية بدايته هو التغيير في فتح.

صحيح انه لا يمكن النظر لفتح كقدر لا مفر منه للشعب الفلسطيني، ولكن في ظل المعادلة القائمة حتى الان ” القديم لم يمت بالضبط، والجديد لم يولد بالضبط ” فان التغيير في حركة فتح يمثل الطريق المتاح حاليا، والاكثر امان، بل ربما يشكل طريق الانقاذ لهذه الحركة عبر تجديد بنيوي شامل لحالتها، فالحركات السياسية لا تستطيع ان تضمن بقاءها دون تجديد متواصل عليها يضمن مواكبتها للتطورات السياسية الاجتماعية.

معركة التجديد في حركة فتح ليست ظاهرة خاصة بالحركة بل هي معركة تترك اثارها على الشعب الفلسطيني بأكمله، وهي جوهر الازمة الفلسطينية، وهذه المرة فان الانتخابات محطة مهمة في تلك المعركة، هل تستعيد فتح ديمومتها عبر التجديد والتغيير ام تستطيع نخب الحركة المهيمنة احتجاز التطور والابقاء على الحركة بصيغتها الملزومة الراهنة ؟

الاجابة مفتوحة على كل الاحتمالات، الاحتمال الوحيد المستحيل هو استمرار قيادة فتح للحالة الفلسطينية بالوضع القائم حاليا.

 

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *