ما هو السبب الحقيقي لزيارة أبو مازن إلى دمشق؟

في يوم الجمعة الماضي، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، حدثت واحدة من أكثر اللحظات إثارة وخطورة على الساحة الفلسطينية في العقد الاخير : رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن)، التقى في القصر الرئاسي في دمشق مع الرئيس السوري الجديد – أبو محمد الجولاني، القائد السابق لجبهة النصرة وأحد رموز الجهاد العالمي.
ولم يقع هذا الحدث تحت الرادار، بل على العكس تماما. فقد تم توثيقه بالكاميرات ، وتم نشره في وسائل الإعلام العربية، و تم توزيعه كإشارة واضحة إلى جميع اللاعبين في المنطقة: إن النظام القديم ينهار ــ وهناك نظام جديد يجري نسجه .
تحالف خطير بين معتدل ومتطرف :
بالنسبة لأبو مازن، لم تكن الزيارة مجرد رحلة دبلوماسية روتينية، وإنما خطوة تهدف إلى التأكيد على أن السلطة الفلسطينية لم تعد أسيرة اتفاقيات أوسلو أو الرعاية الأميركية. يعلم عباس أن إرثه التاريخي أصبح على خط النهاية، وهو يبحث عن سبل للحفاظ على النفوذ في اليوم التالي ــ وربما حتى توجيه رسالة إلى الفصائل الداخلية في رام الله وغزة : إذا لم تتحدوا، فسوف تبقون خارج اللعبة .
ومن جانبه، يسعى الجولاني إلى الحصول على الشرعية. فالرجل الذي كان حتى سنوات قليلة مضت على قوائم الإرهاب في معظم بلدان العالم أعاد تقديم نفسه كرجل نظام وامن واستقرار محلي . وإن الاستقبال الرسمي لزعيم فلسطيني كبير ليس هو مجرد إنجاز معرفي، بل هو أيضاً ختم لشرعية سياسية .
لم يعد سر : صور بدلاً من الوساطة :
وإذا كانت مثل هذه اللقاءات في الماضي حكراً على شخصيات إتصال سريين وأطراف ثالثة، فإنها هذه المرة أصبحت حدثاً معلناً يهدف إلى تغيير قواعد اللعب . وهذه الصور ليست موجهة للجمهور العربي فقط بل أيضاً لإسرائيل والولايات المتحدة ودول الخليج . الرسالة واضحة: إذا لم تكونوا معنا، فسنبحث عن تحالفات جديدة.
بالنسبة للسلطة الفلسطينية، فإن هذا يعد بمثابة إشارة إلى أنها هي قادرة أيضاً على إعادة اختراع نفسها والانضمام إلى محور إقليمي آخر . محور لا يعتمد على نماذج الحداثة، بل على القوة والدين والتضامن ضد عدو مشترك.
المخاطر التي تهدد إسرائيل: أبعد من الوعي :
إن المعاني بالنسبة لإسرائيل عميقة، ليس فقط من ناحية الوعي ، بل من الناحية العملية أيضاً .
أولا، هناك تقاطع خطوط واضح بين السلطة الفلسطينية والاطراف الجهادية. والسؤال ليس ما إذا كانت حماس والجهاد الإسلامي سوف ترى بهذا اللقاء ضوءاً أخضر، بل إنما سرعان ماسيحاولون استغلاله لإعادة تعبئة الرأي العام الفلسطيني.
ثانياً، إن مجرد عملية إضفاء الشرعية على الجولاني ــ من جانب أبو مازن ــ يقوض كل فكرة أن السلطة الفلسطينية تمثل “الجانب المعتدل”. فمن ناحية الرأي العام الدولي، فإن هذه الصورة تخلط بين الإرهاب والقومية والدبلوماسية ــ وتجعل من الصعب على إسرائيل تقديم شريكها كطرف مسؤول وواقعي .
ثالثاً، يفتح اللقاء الباب أمام تشكيل محور جديد: دمشق، طهران، حماس ـ والآن أيضا السلطة الفلسطينية . ومثل هذا المحور لا ينوي أدارة مفاوضات وإنما ينوي بناء جبهة موحدة ضد التطبيع مع إسرائيل والغرب .
عباس يغير القواعد : تشكل الزيارة إلى دمشق حدثاً بارزاً، وليست مجرد حكاية. فهي تشير إلى أن العصر الذي كان متوقعا فيه أن تلعب السلطة الفلسطينية وفقاً لقواعد الغرب قد اقترب من نهايته.
إن العلنية التي حظي بها اللقاء مع من كان حتى وقت قريب ( تابع للقاعدة ) تشير إلى حملة توعية منسقة ــ وربما حتى مدبرة مع شركاء إقليميين مثل تركيا أو قطر .
يدرك عباس أن مكانته تتعرض للتقويض، ولكن من المحتمل أنه يسعى إلى أن يترك لمن سيرثه عالم جديد من الإمكانيات ــ عالم لا يعتمد على الوساطة الأميركية أو على خارطة الطريق الإسرائيلية.
الآن أصبح من المستحيل إنكار ذلك.
لم يعد هذا اللقاء استفزازًا أو خدعة إعلامية. وإنما هو إعلان نوايا سياسي وأيديولوجي ، من شأنه أن يخلق صدى واسع النطاق – سياسياً وأمنياً وأيديولوجياً.
إن التحالف بين رام الله ودمشق ــ وفي الخلفية الجولاني وهو يبتسم أمام الكاميرا — هو بمثابة جرس إنذار لإسرائيل، وللغرب، ولكل من كان يعرف دائماً، مثلي، أن أبو مازن لم يكن أبداً شريكاً موثوقاً به لإسرائيل.
الآن، أمام أعين الجميع، حصلت هذه الحقيقة على توقيع رسمي .
المصدر: القناة السابعة
شكرًا لك على مشاركة المقال المفيد، لقد وجدت هذه الصفحة مفيدة جدًا …