ما معنى أن الاتفاق في غزة “مؤقت”؟

قبيل ساعات من بدء سريان اتفاق وقف اطلاق النار في غزة، خرج رئيس وزراء الاحتلال الإسرائبلي بنيامين نتنياهو ليقول إن “الاتفاق في غزة مؤقت وان اسرائيل ستعود للقتال إن لزم الأمر”.
تقول إسرائيل إذن أن اتفاقها لوقف إطلاق النار في غزة مؤقت، حسنا ومن دون الخوض في تفاصيل الاتفاق او في تقييم من المنتصر او المهزوم فهذا امر نسبي يمكن الحديث عنه في مقالة منفصلة، ومن دون الخوض في النقد حاليا للطوفان وما نتج عنه وللاتفاق نفسه فهذا ايضا يحتاج ان تفرد له مقالات اخرى، لكن الحديث هنا عن فكرة الاتفاق المؤقت.
من الضروري القول اولا ان الشعب الفلسطيني مازال موجودا وبالملايين لم تنكسر شوكته او يفنى ويباد وقدرته على المقاومة والبقاء مازالت موجودة وقائمة.
وبالعودة لفكرة الاتفاق المؤقت التي يكررها مسؤولون إسرائيليون، فهذه على ما يبدو أصبحت طريقة حفظ ماء الوجه بالنسبة لهم أن يقولوا إن اتفاقاتهم مؤقتة، فمن حيث المبدأ فإن أي اتفاق (مباشر او غير مباشر وان كان اتفاق سلام او اتفاق تهدئة وان كان يقود لاي حالة) بين إسرائيل وأي طرف في المنطقة إن كان الاخر مقاوما أو منبطحا هو اتفاق مؤقت بطبيعته ولاداعي من الإسرائيليين لتأكيد المؤكد.
هل يوجد اتفاق دائم بين هذا الكيان وأصحاب البلاد حتى إن استمر الاتفاق 100 عام مثلا ولا سيما حين يكون العداء بين الشعوب العربية التي شهدت احتلالا اسرائيليا لاراضيها في مرحلة ما او مازالت او شهدت على جريمة الابادة في غزة مؤخرا عداء مرتبطا بعمق القضية الفلسطينية وبعمق وطود هذه الشعوب في ارضها؟!
وحتى إن كان اتفاق سلام كالذي في مصر او الأردن فهي اتفاقات قابلة للخرق والبطلان او الابطال لها بالانسحاب الاحادي او الثنائي، أين السر في ذلك ؟! .. كلها حالات مؤقتة بطبيعتها، وحتى الأنظمة والكيانات السياسية التي تضع وتوقع هذه الاتفاقات مع إسرائيل هي أنظمة مؤقتة واي اتفاق بينها وبين اسرائيل شيء مؤقت يزول بزوالها وتعود المواجهة مباشرة بين المستعمر لارض عربية والشعوب العربية حتى إسرائيل نفسها تؤكد بقول ذلك أنها حالة مؤقتة لا حدود لها ولاعهود فالحالة الطبيعية للدول الدائمة الكيانات السياسية المستقرة لا تقوم على مسألة التهديد والخوف واي شيء يبنى على هذه الثنائية ينتهي بزوال اصحابه.
لبنان كانت مثالا بخروقات الاتفاق الاخير من قبل الاحتلال، و سوريا هي المثال الحي على مؤقتية الاتفاق مع الاحتلال، انتهى اتفاق فض الاشتباك بشكل أحادي من طرف نتنياهو في 8 ديسمبر الماضي بعد ساعات على إسقاط نظام الأسد الذي ابرم الاتفاق ذاك مع اسرائيل في العام 1974م.
الشعب الفلسطيني خاصة وعموم الشعوب المحيطة بفلسطين لن تجد نفسها الا وهي تعود إلى نقطة المواجهة الصفرية مع الاحتلال الإسرائيلي في اي لحظة يتاح فيها ذلك او تتهيأ له الاسباب بصرف النظر عن الجهة التي تقود المشهد، وادعاء الإسرائيلي أن اتفاقه مع المقاومة في غزة شيء مؤقت أمر ليس فيه ادانة للمقاومة بانها لم تستطع الزام اسرائيل باتفاق اقوى مثلا وليس فيه شيء مغاير للمتوقع، فالمطبعون ومن اعترفوا باسرائيل اتفاقاتهم معها قابلة للبطلان والاختراق في حال اي تغيير بانظمة الحكم وفي حال عودة الكلمة للشعب وهذا وارد جدا بعد تحرر الشعب السوري من حكم الاسد، فكيف ان كان الاتفاق اتفاقا بوسطاء وغير مباشر يجرى بين حركة تحرر وطني ومقاومة شعبية مع الاحتلال في اعقاب معركة وجولة حرب قاسية وطويلة ..
المتجبر الذي لم يحقق اهدافه سيقول انه اتفاق مؤقت وحتى المقاوم الذي يرفض الاعتداء سيقول انه اتفاق مؤقت ايضا في حال تم النكث وخرق الاتفاق..
واما بالنسبة للاسرائيلي فهو لايهادن الشعوب طالما شعر بصفعة عار اصابته منها وحين يدعي ان اتفاقاته مؤقتة فهذا دليل اخر على ان المواجهة باتت مباشرة بينه وبين الشعب وبانها احرجته بالفعل بصرف النظر عن كل الاجرام والتدمير الذي ارتكبه، وبانها اي المواجهة عادت لنقطة الصفر في فلسطين وعموم المنطقة وهو تبرير اسرائيلي للخروقات والجرائم التي يمكن ان يرتكبها بعد سريان الاتفاق ومحاولة منه باستخدام معلومة هي من المسلمات (الاتفاق مؤقت) باعتباره “دولة قائمة” أن يحفظ ما تبقى ماء الوجه و”الهيبة” إن صح تسميتها امام داعميه ومشغليه وليس امام الشعوب التي يستعمرها وعلى راسهم الفلسطينيون وذلك بعد صفعات كثيرة امنيا وعسكريا وسياسيا وخسارته لمعركة الرأي العام العالمي واصابته بشيء من العزلة الدولية ورفع قضايا بشكل غير مسبوق ضد قادته المتورطين بجرائم الحرب في المحاكم الدولية بسبب جرائمه في غزة، وليظهر بمظهر المنتصر انتصارا مطلقا رغم انه لم يحقق معظم اهدافه او ايا منها كما يرغب باستثناء التدمير والانتقام.
فكرة أن الاتفاق مؤقت هي فكرة مفروغ من أمرها ومن الجيد أن يقولها المستعمر نفسه ليصف علاقته بسكان فلسطين الاصليين ولكنها ولا تحتاج تأكيدا من أحد او استخداما لها للظهور بمظهر المنتصر والطرف الاقوى الى الأبد ولا سيما من احتلال لا يمكن أن ينعم الفلسطينيون أو اي احد في المنطقة العربية بسلام حقيقي أبدي وحرية وكرامة دائمتين طالما انه بقي موجودا، وحالة الاتفاقات المؤقتة معه تعني انه حالة طارئة مؤقتة لا يرجح انها تستطيع ان ، او تبقى الى الأبد ومن الجيد أن يعترف الإسرائيلي بتلك النبوءة، نبوءة الصلاحية المحدودة لمشروعه الاستيطاني الاستعماري، حتى ان كان الاعتراف يقال بطريقة غير مباشرة.