ما الذي قد لم تحسبه “حماس” عند التخطيط والتنفيذ للسابع من أكتوبر؟!

شهد تاريخ السابع من أكتوبر 2023 تصعيداً خطيراً في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث قامت حركة “حماس” بعملية عسكرية خاطفة وواسعة، أطلقت عليها “طوفان الأقصى”، احتلت من خلالها مستوطنات غلاف غزة لأيام، وقتلت وأسرت الكثير من الجنود الإسرائيليين.

 وقع الهجوم على إسرائيل كالصاعقة، وصنّفه الإعلام الإسرائيلي كهزيمة عسكرية ونفسية، حيث انهارت قوة ردع الجيش الذي لا يقهر، ومعه فقد الإسرائيليون الأمن والأمان. لهذا كله، ردت إسرائيل بحرب إبادة جماعية على قطاع غزة شملت البشر والحجر، أطلقت عليها “السيوف الحديدية”، ووصفتها بأنها حرب على الوجود في الحاضر وعلى المستقبل في الخمسين سنة القادمة.

السؤال الذي نطرحه هنا، بعد أكثر من عام على الحرب والحديث عن وقفها، هو: هل حسبت “حماس” كل إسقاطات هذه الحرب على قطاع غزة والمنطقة برمتها، وخصوصاً محور المقاومة ووحدة ساحاتها؟

فرضيتنا هنا هي أن “حماس” قد لا تكون قد قدرت الموقف بشكل صحيح في الأمور التالية:

 رد الفعل العسكري الإسرائيلي: كان من المتوقع أن ترد إسرائيل بشكل مكثف وعنيف على أي تصعيد، لكن ربما لم يكن التقييم دقيقاً حول مدى حجم القوة العسكرية والردود الانتقامية التي ستستخدمها إسرائيل، وكذلك حرب الإبادة الجماعية واستمرارها لفترة طويلة.

 الدعم الدولي: قد تكون “حماس” توقعت ردود فعل وتدخلات دولية تجبر إسرائيل على وقف الحرب بعد مدة زمنية معينة، لكن العكس حصل، إذ دعمت أمريكا ومعها دول أوروبية محورية و”الناتو” إسرائيل عسكرياً في الميدان وسياسياً في المحافل الدولية، دعماً مطلقاً وأعطتها كل الهامش الزمني المطلوب لتنفيذ أهدافها.

التعويل على تفكك المجتمع الإسرائيلي وضعفه: قد يكون هناك تقدير غير دقيق لقدرة إسرائيل على تجاوز أزمتها الداخلية والتوحد، ورد الصاع صاعين. وأبعد من ذلك، قد يكون القرار خضع في هذا السياق لمنطق مقولة حسن نصر الله “إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت”، وردت إسرائيل لتثبت أنها “بيت من فولاذ”، وقتلت حتى صاحب المقولة، كما عبر عن هذا  نتنياهو.

البنية التحتية والاحتياجات الإنسانية: ربما لم تُقدّر “حماس” بشكل كافٍ عواقب التصعيد على البنية التحتية المدنية، بما يشمل المستشفيات والمؤسسات التعليمية والاجتماعية والدينية وغيرها، ومعها النخب والكوادر المهنية، وتسطيح المدن والقرى، والتهجير والتجويع والقتل، إلى حد نهش الكلاب جثامين الشهداء. نعم، ربما لم تقدر “حماس” أن يُباد البشر والحجر بهذه الوحشية أمام صمت عربي ودولي مريع.

ردود الفعل الشعبية وأبعاد فلسطنة القضية عربياً: قد تكون هناك توقعات غير دقيقة حول كيفية رد فعل الشارع العربي تجاه العمليات العسكرية الإسرائيلية ومدى التأييد والرفض لها. هنا لم تأخذ “حماس” بالحسبان عمق كارثية قرار قمة الرباط 1974 بفلسطنة القضية الفلسطينية، ونزعها من عمق بحرها الشعبي العربي خطوة بخطوة، وفق خطة وزير الخارجية الأمريكية آنذاك، هنري كيسنجر، حتى أصبح شعار “فلسطين ليست قضيتي” على لسان الكثيرين بالعلن أو بالسكوت والتفرج.

أصاب النظام العربي “حماس” في مقتل بتعميمه صورتها كمتحالفة مع الشيعة وإيران ضد السنة: قد يجوز أن “حماس” لم تعطي هذا الجانب وزناً في وقت نجحت الأنظمة في عزلها شعبياً ، والتجرؤ على دعم إسرائيل بالعلن أو الصمت تحت شعار منع توسع المشروع الإيراني في المنطقة ومنع فرض التشيع على السنة.

  انهيار محور المقاومة ووحدة الساحات: قد لا تكون “حماس” قد حسبت بشكل دقيق إسقاطات توريط محور المقاومة في حربٍ لم يعرفوا عنها مسبقا ً، والتي أدّت إلى نتائج كارثية على محور المقاومة ووحدة الساحات، بما في ذلك قتل أحد أفضل مناصري القضية الفلسطينية، الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وسقوط حليفه نظام الأسد، وضرب عمق إيران.

الوحدة الفلسطينية: قد لا تكون “حماس” قد أدركت أن التصعيد لن يؤثر فقط على موقفها مع السلطة الفلسطينية، بل سيساهم ايضاً في تحييد دعم الكثير من الشعب الفلسطيني ويعمق الانقسامات وتباين المواقف بين الفصائل المختلفة إلى حد اندلاع الحرب الأهلية، كما يحدث اليوم في جنين.

 بالمقابل، قد تقول “حماس” إن الأمور تقاس بنتائجها وتحقيق أهدافها، وأنها حسبت حساب كل هذا وجهزت نفسها من حيث العدة والعتاد لحرب طويلة الأمد، تفرض من خلالها أهداف معركة “طوفان الأقصى”، وعلى رأسها إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، وفك الحصار عن غزة، وتثوير المنطقة بدلالة بركان سوريا، الذي سيعقبه براكين أخرى كردود فعل لطوفان الأقصى، على حد تعبير منصف المرزوقي، رئيس تونس الأسبق.

خلاصة القول:

تحتاج “حماس” بعد الحرب إلى وقفة جادة مع النفس للجواب على كل ما طُرح أعلاه. كما أننا بحاجة إلى شيءٍ من الموضوعية في تقييم الموقف، سلباً وإيجاباً.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *