ما الذي ستفعله “حماس” أو ماذا بقي لديها؟

منذ بداية “طوفان الأقصى” بدا أن “حماس” بنت مراهنتها في تلك المعركة على رؤى غير مدروسة، وقاصرة، وقدرية، ورغبوية، دون النظر إلى موازين القوى، بصورة موضوعية، ودون اهتمام بالمعطيات العربية والإقليمية والدولية السائدة، المواتية لإسرائيل.
هكذا راهنت إسرائيل على وهن إسرائيل، التي هي برأيها “أوهى من بيت العنكبوت”، كما على هشاشة جبهتها الداخلية، في حرب تتكبد فيها خسائر بشرية، وعلى قصر نفسها في حرب طويلة الأمد، كما راهنت على ما يسمى “وحدة الساحات”، وحلف “المقاومة والممانعة”، ودعم العالمين العربي والإسلامي، فضلا عن الاعتقاد بتدخل “الملائكة”!
مشكلة “حماس” أن كل تلك المراهنات تمخّضت عن كارثة، أو نكبة، جديدة للشعب الفلسطيني، لا سيما فلسطيني غزة، التي حولتها إسرائيل إلى مكان غير صالح للعيش، وإلى معتقل لمليوني فلسطيني، فضلا عن إن تلك المراهنات تمخضت عن عدم مطابقة “وحدة الساحات” في مختبر التجربة للواقع، بل وعن انهيار مريع لكل محور “المقاومة والممانعة”.
في المحصلة، فقد كشفت إسرائيل عن جبروتها العسكري، في كل الشرق الأوسط، وعن استعدادها خوض حرب طويلة، وتحمل خسائر بشرية كبيرة، لأنها رأت في “الطوفان” بمثابة حرب وجودية، وليس مجرد مقاومة، وهذا ما استثمرت فيه لشد عصب الإسرائيليين، فإذا بالحكومة التي كانت آيلة للانهيار، مع رئيس حكومة (نتنياهو) انتهى زمنه السياسي، قبل تلك المعركة، بسبب التناقضات الداخلية، تتجاوز كل ذلك، وتنجح في استقطاب أغلبية الإسرائيليين حولها، على حساب المعارضة.
اللافت أن “حماس”، بعد كل تلك الكارثة المهولة، لم تذهب نحو مراجعة خياراتها، ولم تبحث عن استراتيجية تراجع، لتجنيب الشعب مزيد من الكارثة، فإذا بها تضع رهانها على الأسرى، المتبقين لديها (الـ120)، بعد الصفقة الأولى (أواخر 2023)، ثم الـ 60 المتبقين، على أساس أن الضغط الداخلي، والمظاهرات، ستجبر حكومة المتطرفين (نتنياهو، سموتريتش، بن غفير) على الانصياع لوقف الحرب، متناسية، مع الأسف، أن الشعب الفلسطيني كله في الأسر، لا سيما المليونين في غزة، الذين باتوا في معتقل مغلق، تتحكم فيه إسرائيل بكل حاجاتهم الحياتية، من غذاء وماء وكهرباء ووقود ودواء.
الأغرب أن “حماس” راهنت مؤخرا على إحداث شرخ بين الإدارة الأمريكية وحكومة إسرائيل، لمجرد لقاء مع مبعوث امريكي في الدوحة، رغم حقائق التاريخ المتعلقة بتغطية الولايات المتحدة ودعمها لإسرائيل، سياسيا وعسكريا وتكنلوجيا واقتصاديا، بخاصة وإن إدارة ترامب ذهبت إلى حد التجرّؤ بطرح مشروع نقل (“ترانسفير”) لفلسطينيي غزة، وتهجيرهم إلى أماكن أخرى من العالم، أضافة إلى إرسالها قنابل مدمرة إلى إسرائيل، كانت الإدارة السابقة تمنعها!
فوق كل ما تقدم، فإن “حماس” مازالت كمن يحرث في البحر بدعوتها الأمتين العربية والإسلامية للتحرك، والناطقون باسمها مازالوا يتحدثون عن قوة “حماس” وصمودها، رغم إنها لم تستطع حماية الشعب، ولا صد إسرائيل عن اجتياح أي منطقة، ولا فتح أي معبر، علما إن القيام بعملية، أو قصف، هنا أو هناك، مع التقدير للتضحيات والبطولات، لا يغطي على مأساة مليوني فلسطيني، ولا يخفّف منها، بل يسهم في امعان إسرائيل بجرائمها، ببطشها بالفلسطينيين وتدمير ما تبقى من غزة، وفوق كل ذلك استباحة الضفة، وسحق ومحو مخيمات اللاجئين فيها، وتشريد سكانها.
للأسف، لا يوجد خيارات أمام “حماس”، أو أمام “المقاومة” بعد هذا الاستدراج للفخ، الذي وقعت فيه، تبعا لأوهامها، في خوض حرب بهذا الحجم، كجيش لجيش، حرب لم يحسب لها جيدا، وفوق قدرة الفلسطينيين على التحمل.
هكذا نتعامل اليوم مع النتيجة، مع الواقع المر والمحزن والكارثي، بغض النظر عن الرغبات، التي لا يوجد في واقع الفلسطينيين اليوم، ولا المعطيات المحيطة بهم، ما يسندها. وهذا الواقع يفيد بأن المطروح مقايضة وجود “حماس” بوجود الشعب الفلسطيني في غزة، في وضع لا يوجد في يد “حماس” أوراق قوة، بعد أن انقشعت الأوهام، بانهيار كل محور المقاومة والممانعة، كما قدمنا، ومن غير المعقول توهم إمكان تغلب “حماس” على إسرائيل، وأيضا من غير المعقول ترك الأمر لإسرائيل المتوحشة.
هكذا، يفترض من “حماس” أن تتصرف بمسؤولية، وعقلانية، وبروح وطنية، لتفويت الفرصة على إسرائيل المضي بحرب الإبادة ضد فلسطينيي غزة، لإجبارهم على الرحيل، بطريقة قسرية عنيفة، أو بطريقة قسرية “ناعمة”، إذ الأولوية في هذه الظروف لبقاء الشعب الفلسطيني في أرضه، وتمكينه من الصمود، وبناء ذاته، فهذا أهم من وجود “حماس” أو “فتح” أو أي من الفصائل، لأنه بدون بقاء الشعب الفلسطيني في أرضه، لا قيمة لأي فصيل، ولا لأي مقاومة.
هذه ليست لحظة للتحرير ولا لدحر الاحتلال، ولا للمكابرة والمعاندة، وإنما هي لحظة للحقيقة، وتجنّب الكارثة.
عن النهار العربي