صدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية برام الله عام 2020، كتاب للمؤرخ الفلسطيني «ماهر الشريف» بعنوان «المثقف الفلسطيني ورهانات الحداثة (1948-1908)»، واستعرضته لمعهد القدس للدراسات والأبحاث/ جامعة القدس، يقع في (326) صفحة من القطع الكبير، توزعت عليها عشرة فصول، وقام المؤلف بتصنيف هذه الفصول وتوزيعها على أربعة رهانات رئيسة، يسبر فها غور منهجية المثقف الفلسطييني وأدواته المختلفة، في مواجهة الخطط والممارسات الاستعمارية التي قامت بها بريطانيا والحركة الصهيونية خلال الفترة الواقعة بين (1908-1948):
أولًا: رهان الثقافة والمجتمع: يرى «الشريف» أن المثقف الفلسطيني، بصورة عامة، كان مثقفًا عقلانيًّا وعلمانيَّا، اتسم بنزعة إنسانية؛ بعيدًا عن التعصب واللجوء إلى القوة» (ص: 23). وحول العلاقة مع الغرب تبنى المثقف الفلسطيني مفهوم «دوران الحضارة»؛ إذ رأى أن التفاعل الحضاري قد رافق الإنسانية عبر مراحل تطورها؛ فالعرب لم يتوانوا عن الاقتباس ممن سبقهم في التمدّن، والغرب تفاعلوا مع المدنيات التي سبقتهم، ومنها مدنية العرب (ص: 49ـــــــ50).
ثانيًا: رهان «تنازع البقاء»: يناقش هذا الرهان دور المثقف الفلسطيني في كل من: التصدي للصهيونية والتحذير من مخاطر مشروعها، ومواجهة الاستعمار البريطاني. ويرى «الشريف» بأن «المثقف الفلسطيني اكتشف ماهيّة الصهيونية وأهدافها منذ عام 1908» (ص: 95)؛ كما فعل نجيب نصار ومحمد روحي الخالدي (الذي أكمل مشوار عمه (يوسف ضياء)، من خلال مخطوطة عن الصهيونية، التي يرى بأنها ظهرت بتأثير عاملين: أحدهما «اضطهاد اليهود، وثانيهما «نمو الشعور القومي فيهم) (ص: 98).
ثالثًا: رهان الهويّة: فقد فَتَحَ المثقف الفلسطيني، خلال فترة الدراسة، عينيه على مفاهيم «الوطن» و»الوطنية»، و»الوحدة الوطنية» كمفاهيم حديثة قادمة من جيل روّاد النهضة العربية في القرن التاسع عشر، وقد جاءوا بها من خلال احتكاكهم بالأفكار الأوروبية الحديثة، فقبل الحرب العالمية الأولى كان «وعي الوحدة العثمانية متأصل في النفوس، وأن فلسطين هي بمثابة القلب من سورية والجزيرة العربية (ص: 157). أما فلسطين بالذات فقد ابتلى «العرب العثمانيون» فيها بالجمعية الصهيونية التي أثارت حربًا اقتصادية سلمية، وصعدت دعوة لإنقاذ فلسطين من خطر الاستعمار الصهيوني (ص: 158).
رابعًا: رهان بلوغ الحداثة: يشمل هذا الرهان موضوعين رئيسيين، هما: التربية والتعليم كوسيلتين لولوج الحداثة وكسب صراع تنازع البقاء، ويناقش علاقة المثقف (الفلسطيني) بالوطنية العملية، ودوره في تنظيم الشعب وتعبئة طاقاته وموارده. كما ظهرت دعوة إلى تعبئة طاقات النساء وتمكينهن من الاضطلاع بدور مجتمعي مهم (ص: 274)، بخاصة دورها في تنشيط الاقتصاد الوطني، الذي يواجه منافسة شديدة من الاقتصاد الصهيوني (ص: 276).
أخيرًا،
لقد علّقت هذه الدراسة الجرس لمنهجية بحثيَّة سوف تترك أثرها في الباحثين من الأجيال القادمة، فقد غطّت مساحات واسعة من الكفاح السلمي للشعب الفلسطيني، الذي قاده –أو مارسه- مثقفوه بهمّة وطنية عالية، وبعزيمة لا تلين، لا تقل في أثرها كثيرًا عن أثر البندقية التي حملها الثائر الذي تمترس خلف سلاحه، فقاتل وقتل.
عن الدستور.