ماذا تعلمنا المنشورات التي أسقطها الجيش الإسرائيلي على مر السنين عن أنفسنا وعن الصراع؟

تم إلقاء ملايين المنشورات في سماء قطاع غزة على مدى العام والنصف الاخيرين . الفكرة وراء توزيعها بسيطة: إيصال رسالة مباشرة إلى المواطن الفلسطيني في الشارع، دون وسيط . “لن يكون هناك وقف لإطلاق النار حتى يتم إسقاط حماس”، هذا ماجاء في المنشورات التي تم توزيعها على مدن قطاع غزة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023. في الحرب الحالية التي لا نهاية لها ، كانت الرسائل حازمة وغير قابلة للمساومة . ولكن الأمر لم يكن هكذا دائما . وتظهر نظرة تاريخية على استخدام المنشورات أن الرسائل التي نقلتها إسرائيل للفلسطينيين كانت أكثر ليونةً وأكثر تصالحاً.
يتم صياغة وانتاج المنشورات التي يوزعها الجيش الإسرائيلي من قبل وحدة الأبحاث في دائرة الحرب النفسية في شعبة الاستخبارات. وتتم طباعتها ونقلها على متن طائرات سلاح الجو وتلقى فوق المراكز السكانية. وصفت صحيفة نيويورك تايمز استخدام هذه الرسائل كوسائل إقناع في حرب أفغانستان عام 2001 . ورأى الجيش الأميركي بصياغة الرسائل بمثابة حرب نفسية بكل ما تحمله الكلمة من معنى .
بدأ إلقاء المنشورات من الجو بواسطة الجيوش في وقت مبكر من القرن التاسع عشر باستخدام أول وسيلة طيران – منطاد الهواء الساخن . ولم ينتشر هذا الاسلوب على نطاق واسع إلا في بداية القرن العشرين ، أثناء الحرب العالمية الأولى . خلال الحرب العالمية الثانية، كان النازيون يأملون في بث الرعب والخوف في نفوس الجنود الأميركيين، وكان محتوى المنشورات يتضمن تلميحات حول خيانة زوجاتهم لهم . وقد فعل العراقيون الشيء نفسه أثناء حرب الخليج عندما حذروا الجنود الأميركيين من أن رجالاً آخرين سوف يغوون زوجاتهم.

“ما بك أيها المواطن؟ هل هناك من يدفع لك ثمن معاناتك ؟ ” ، هذا ما جاء في منشور وزعه الجيش الإسرائيلي في آب 1968 على السكان المدنيين في “الضفة الشرقية” لنهر الأردن، التي كانت المنظمات الفلسطينية تعمل انطلاقاً منها بعد احتلال الضفة الغربية في حرب الأيام الستة . وجاء أيضًا في المنشور بإن “الذين يريدون السلام يجب أن يتقيأوا المخربين من داخلهم “. 
وجاء في منشور آخر موجه إلى المخربين أنه بدلاً من إلقاء المنشورات كان بإمكان الجيش الإسرائيلي إلقاء القنابل، ولكن “وجه إسرائيل ليس موجه للقتل”. وأضاف المنشور : “واعلموا أن المشكلة بيننا لن تحل إلا بالطرق السلمية، ومن يبحثون عن الحل بالموت فإن الموت أقرب إليهم مما يظنون ” .
في حزيران 1982، وفي غمرة حرب لبنان الأولى، ألقت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي منشورات موجهة إلى سكان بيروت الغربية. ودعا الجيش السكان إلى إخلاء أنفسهم من منطقة القتال، لكنه أوضح في الوقت نفسه بأن ” الجيش الإسرائيلي يعود ويؤكد أنه غير مهتم بالمساس بالمدنيين الأبرياء والذين الذين لا يقاتلون ضده”.

في آب 2002، وبعد أشهر قليلة من عملية السور الواقي، وزعت قوات الجيش الإسرائيلي منشورات في مختلف أنحاء الضفة الغربية تدعو السكان الفلسطينيين إلى منع الأعمال الإرهابية. “يجب أن تعلموا أن كل من يقدم المساعدة بأي شكل من الأشكال للمخربين سيدفع ثمناً باهظاً”، جاء في المنشور وأضاف ” تصرف بمسؤولية ولا تجبر قوات الجيش الإسرائيلي على العودة إلى المدينة ” . وحسب تقرير في صحيفة يديعوت أحرونوت، فقد تم تنفيذ هذه الخطوة رغم معارضة كبار ضباط الجيش الإسرائيلي الذين قالوا إن هذا مؤشر احتلالي يذكر بالأيام الأولى للسيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية في عام 1967.

منشورات في سماء غزة :
في السنوات 2003 و2004، بدأت المنظمات الفلسطينية في قطاع غزة بإطلاق صواريخ القسام باتجاه النقب الغربي، وخاصة على مدينة سديروت . وفي آب 2004، وزع الجيش الإسرائيلي منشورات فوق مدن قطاع غزة، لأول مرة، تحتوي على رسم كاريكاتوري لفلسطيني يحاول إطلاق صاروخ قسام على إسرائيل، والذي يرتد ويصيب منزلاً فلسطينياً من أجل إظهار تأثير الضربة الارتدادية . “الإرهاب سيقتلكم”، هذا النص الذي جاء في المنشور . وبحسب تقرير في صحيفة يديعوت أحرونوت، فإن اختيار الرسوم التوضيحية بدلاً من النصوص كان موجها إلى السكان الذين لا يعرفون القراءة و الكتابة.
لم تصل المنشورات دائمًا إلى هدفها . ففي عام 2005، أثناء عملية السماء الزرقاء، ألقى الجيش الإسرائيلي منشورات تدعو إلى إخلاء مناطق معينة من قطاع غزة. إلا أن المظلة التي كانت تحمل المنشورات لم تفتح وسقطت في سديروت، الأمر الذي تسبب بحالة من الذعر بين سكان سديروت .
” يوجد لإلقاء المنشورات هدفين مركزيين ” قال رئيس فرع الحرب الإلكترونية في شعبة العمليات، في مقابلة مع المجلة الناطقة باسم سلاح الجو عام 2009، ” الهدف الاول كما هو واضح هو تحذير السكان من الهجمات . والثاني هو محاولة التأثير على وعي السكان المدنيين في منطقة المعارك “. في مقال تناول عمليات سلاح الجو الإسرائيلي في عملية “الرصاص المصبوب”، أشار التقرير إلى أن مشاكل الأخطاء المتعلقة بتوزيع المنشورات تكررت، وأن أسراب سلاح الجو ألقت خلال العملية أكثر من مليوني منشور فوق قطاع غزة. 
وفي السنوات الأخيرة، تحولت رسائل الجيش الإسرائيلي إلى أنها اصبحت أكثر إعلامية وأقل ترميزا، وهي تؤكد بشكل خاص على مسؤولية حماس عن التصعيد في المنطقة. ” لا تقفوا مكتوفي الأيدي في الوقت الذي تستغلكم فيه الأوساط الإرهابية تحملوا مسؤولية مستقبلكم”، هذا ما جاء في المنشورات التي أُلقيت في قطاع غزة في كانون الثاني 2010. ” حماس تجر المنطقة مرة أخرى إلى التصعيد وإراقة الدماء . والجيش الإسرائيلي عازم على حماية مواطني دولة إسرائيل إلى الحد الضروري”، هذا ماجاء في منشورات ألقيت خلال عملية “عمود السحاب” في عام 2012.
وفي عام 2014، أثناء عملية “الجرف الصامد”، شدد الجيش الإسرائيلي من رسائله ونشر قائمة بأسماء المخربين الذين تم القضاء عليهم في العملية. وحسب العنوان، فهي “قائمة جزئية بأسماء الأشخاص الذين اعتقدوا أنهم قادرون على مواجهة قوة الجيش الإسرائيلي”. وعلى الجانب الآخر من المنشور كانت هناك خريطة لقطاع غزة عليها أربعة قبور مكتوب عليها: “هل تعرفون أين يتم الاحتفاظ بجثث نشطاء حماس والجهاد الإسلامي؟” .

تحدي وليس اقناع :
في الحرب الحالية، كان أمل الجيش الإسرائيلي الرئيسي هو تحدي حماس ودعوة السكان إلى التعاون مع إسرائيل وإنقاذ حياتهم. في شباط 2024، وزع الجيش الإسرائيلي منشورات على شكل صحف تحت عنوان “الحقيقة” في جميع أنحاء قطاع غزة. كُتب على غلاف الصحيفة: ” لقد اعتدوا على شرفكم وتركوا عائلاتكم مذلولة في الشوارع، بينما يختبئ أصحاب السعادة محميين في الأنفاق. لقد صرفوا أموال الشعب على الأنفاق والأسلحة”. 
كان الهدف من بعض المنشورات الحصول على معلومات عن المخطوفين. ” إذا كنتم ترغبون في مستقبل أفضل لأنفسكم ولأطفالكم، افعلوا شيئا وبلغونا بأسرع مايمكن بمعلومات موثوقة ومفيدة تتعلق بالمخطوفين في منطقتكم . ويؤكد لكم الجيش الإسرائيلي أنه سيبذل قصارى جهده لتوفير الأمن لكم ولمنازلكم، بالإضافة إلى مكافأة مالية. ونؤكد لكم السرية التامة. الجيش ا الإسرائيلي ” جاء في البيان. وفي كانون الثاني 2024، وزع الجيش الإسرائيلي منشورات في رفح تحتوي على صور المخطوفين وتعليق “قدموا لنا تفاصيل وتستطيعون العودة إلى المنزل” .
وفي منشورات أخرى تدعو السكان إلى الإخلاء، إلى جانب خريطة لمناطق الإخلاء والمناطق الإنسانية، سعى الجيش الإسرائيلي إلى توضيح الأمر لسكان غزة: “أنتم لستم أعداءنا”. في شهر آب الماضي، ألقت طائرات سلاح الجو الإسرائيلية على المواطنين علب سجائر كُتب عليها: “التدخين خطير، ولكن حماس أكثر خطورة”. واعتبر سكان غزة هذا الأمر بمثابة سخرية.  

المصدر:  الموقع العبري : أكثر مكان ساخن في الجحيم

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *