ماذا تبقى لنا فلسطينيا
فلسطين في ازمة لم يسبق لها مثيل، وهي ازمة مركبة وتشمل كل مناحي القضية والمجتمع والسياسة والحياة الفلسطينية. سياسيا نحن في طريق مسدود والمشروع الصهيوني، وبخاصة في ظل صعود اليمين الفاشي الصهيوني وصعود اليمين عالميا، يمارس أشرس السياسات بهدف انهاء القضية والوجود الفعلي الفلسطيني سواء في الضفة المحتلة بما فيها القدس او في داخل مناطق ١٩٤٨. عربيا ليس لدى الفلسطينيين ظهرا عربيا يحميهم، فدول ما كان يسمى بمحور الممانعة دمرت بعد عقود من الاستبداد الداخلي بها، والدمار شمل الوجود الفلسطيني بها، اما بقية الدول العربية البعيدة فقد حسمت امرها بشكل عام تجاه التسليم بان إسرائيل هي طريقهم للخلاص وأدارت ظهرها للفلسطينيين، برغم بعض الاستثناءات، وعالميا لم يعد العالم وبخاصة في ظل ازمة الكورونا والأزمات الاقتصادية يعبأ بالقضية ولا بالقانون الدولي عموما.
اما فلسطينيا فقد فشلت القيادة الفلسطينية المهيمنة في كل مشاريعها وخصوصا المراهنة على المفاوضات الاوسلوية وسياستاها الداخلية في مناطق السلطة-او السلطتين-أدت لدمار مجتمعي داخلي وأوصلت الناس لحالة اليأس. وكذلك الامر مع تجمعات اللاجئين في الشتات الذين لم تعد تعيرهم أية أهمية وتركتهم وحدهم في مواجهة أزمات معيشية وحروب أهلية أثرت عليهم واستهدفتهم أحيانا. ماذا تبقى لنا إذا؟ ذ لم يعد لدينا قيادة قادرة ولا حركة وطنية فاعلة وانقسام وصراع مناطقي وانتشار الشعبوية والعشائرية، ولا مجتمع دوليا معنا ولا عربيا ونواجه عداء سافر من الولايات المتحدة أكبر من اي وقت مضي وشراسة صهيونية فالتة من عقالها.
ما تبقى لنا هي عدة أمور، ولست بعارف ان كنا قد نحسن استخدامها والحفاظ عليها. أول هذه الأمور اننا موجودون ولم نختفي وجزء منا قابع في ارض الوطن. ثانيها ان لدينا قضية عادلة وشرعية وستبقى تقلق مضاجع إسرائيل، ليس لأنها فقط تذكرها بعدم شرعيتها وبخطيئتها الاصلية، بل أيضا لأنها تفشل مشروع الدولة اليهودية التام كما يرغبه عتاتها. ثالثا، إن قضيتنا وإن بدت انها لم تعد قضية العرب الأولى، لكن المعرفة فيها ما زالت تتسع عالميا مما يجعل إسرائيل بنظر العديدين وخاصة من الأجيال الجديدة تظهر بانها دولة عنصرية ومحتلة، وهو موضوع يقلق الإسرائيليين الحريصين على صورتهم عالميا وعلى اظهار أنفسهم كأكبر الضحايا على مر التاريخ. رابعا، ما زال هناك بعد عالمي قانونيا لقضية فلسطين وإدراك دوليا بأهميتها، وحتى لو غنى بعض العرب “شالوم عليخم” على شاشات تلفزيوناتهم. وخامسا، ان الهوية الجامعة القومية-او الوطنية ان شئتم- للشعب الفلسطيني قد ترسخت، وان كان هناك اخطار تحدق بها.
لا أقول ان هذه العوامل ستحرر فلسطين او تحقق الطموحات بحق تقرير المصير، لكنها عوامل تبقي قضيتنا حية في زمن اللا أمل الذي نعيشه، وبخاصة في ظل ضياع شعبي كبير وقيادات اكل الدهر عليها وشرب لا خير فيها ولا رؤية لديها. حان الوقت ان تعود القضية للشعب وان نعود الى تشكيل تحالفات عالمية وعربية مع الشعوب، بدل ان نشتمها كلما سنحت لنا الفرصة، وان ننشط في منع قدرة إسرائيل وحلفائها على اسكات الصوت الفلسطيني والمؤيد له في العالم، بما في ذلك العالم العربي المنفلت من عقاله. الموضوع اليوم ليس تحرير فلسطين، فالزمن غير متاح لذلك، بل الحفاظ على قضيتنا حية. وفي هذا السياق، فإن الحفاظ على هويتنا المتميزة والاهم الجامعة كفلسطينيين جزء هام من إبقاء القضية حية وهذه مسؤوليتنا جميعا، فعلينا ان نمحي الفروقات التي اوجدها مكر التاريخ ما بين اللاجئ والقابع تحت حكم السلطتان، والفروقات ما بين الغزي والضفي، والمحتل عام ١٩٦٧ وعام ١٩٤٨… هذا ما يمكننا ان نقوم به جميعا ونواجه به السلطتان، والأحزاب المنقسمة، والخطاب الذي يحولنا لاتباع ديانات وليس شعب واحد، والممارسات الصهيونية والغدر الرسمي العربي. لن تقوم لنا قائمة منقسمين والوحدة هي وحدة الشعب وليس وحدة الفصائل الكبرى الموسمية.