ماذا بعد اتفاقيات التطبيع؟ حذار من الاختراق الأفقي


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

بعد أكثر من أربعين سنة على اتفاقيات كامب ديفيد بين الكيان الصهيوني ومصر وبعد أكثر من 26 سنة من اتفاقية وادي عربة مع الأردن، لم تستطع إسرائيل بكل خدعها وقدراتها أن تخترق حصانة الشعبين المصري والأردني، وظلت العلاقات محصورة في طبقة سياسية محدودة جدا. وعندما اتيحت الفرصة للشعب المصري أن يعبر عن موقفه بحرية من هذا الكيان قام يومي 9 و10 أيلول/سبتمبر 2011 باقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة ما اضطر نتنياهو أن يطلب النجدة من الرئيس الأمريكي أوباما، الذي اتصل فورا بالمشير محمد حسين الطنطاوي الذي أمن هروب طاقم السفارة من المرآب.  ما نشهده اليوم مع دولتي الإمارات والبحرين شيء مختلف تماما. إنه أشبه بعلاقة غرام سرية ظهرت إلى السطح وبعد كتب كتاب العروسين راحا يرويان ذكريات العشق السابقة ويستعدان لعلاقات ود ووئام تتجاوز الطبقة الحاكمة لتصل إلى الناس العاديين.

الإمارات خاصة ثم البحرين تعدان بعلاقات حميمية من أول يوم تتجاوز العلاقات الدبلوماسية. ستكون هناك رحلات طيران مباشرة، وزيارات متبادلة واتفاقيات واسعة في كل المجالات بما فيها الأمن، وسياحة، ومأكولات كوشر، واستثمارات واسعة وشركات برؤوس أموال مشتركة، وتشبيك مشترك للمحطات التلفزيونية ورسائل حب وغزل وإطلاق أغان تطبيعية خرجت بواكيرها من كاتب يصف نفسه بالبدوي الذي يريد أن يزور تل أبيب.

وبما أن قطار التطبيع مستمر في السير وقد يقف في أكثر من محطة ليلتقط ركابا آخرين، وخاصة إذا اعيد انتخاب ترامب لدورة ثانية، فقد لا يبقى خارج التطبيع الرسمي إلا حفنة قليلة من الدول.

ونود أن ننبه إلى العديد من المخاطر والمطبات والخطوات التي ستعزز هذه العلاقات وتروج للاتفاقيات ثم نطرح مجموعة من المهمات للمواجهة:

– ستجند الإمارات كل إمكانياتها لتبييض اتفاقيتها مع إسرائيل وستحشد عددا من الكتاب والإعلاميين للحديث عن أهمية الاتفاقية وستحاول أن تقتنص فلسطينيين للحديث عن فوائد السلام ومردوداته الإيجابية على الفلسطينيين. وتحضيرا لهذا التطور أعدت الإمارات نفسها منذ زمن بعيد وأنشأت العديد من وسائل الإعلام والمنتديات والفعاليات الثقافية التي تمنح الجوائز وأنشأت كذلك مراكز البحوث في العديد من الدول العربية من بينها فلسطين والأردن وتونس والمغرب وأغدقت عليها الأموال تحت أسماء مختلفة لتكون المواجهة ليس مع ثلة من المشايخ المتخلفين والنماذج المشوهة مثل ضاحي خلفان فحسب، بل مع من هم أخطر وأكثر قدرة على قلب الحقائق والدفاع عن الاتفاقيات.

– ستكون هناك حملة شرسة لتشويه الفلسطينيين وتحويلهم من ضحايا مظلومين اقتلعوا من أرضهم إلى مجموعات فاسدة غادرة لا يؤتمن جانبها. سيتم تعظيم أخطائهم والتقليل من تضحايتهم والتعامي عن معاناتهم حتى لو ارتكبت المجازر بحقهم. وسيتم التركيز على الانقسام بين فتح وحماس وتعددية الفصائل وتوقيع اتفاقيات أوسلو. وهي كلمات حق يراد بها باطل، فبدل المساهمة في إعانة الفلسطينيين لتجاوز خلافاتهم ومعاناتهم ستستخدم تلك المقولات لتبرير الاتفاقيات الخيانية والارتباط في تحالف مع العدو التاريخي للأمة العربية. سيتم إشهار الفلسطينيين المتساوقين مع برامج الإمارات التطبيعية ويتم التشهير بكل من ينتقدها وستتم مراقبة الجالية الفلسطينية الموجودة في الإمارات  بشكل دقيق كي يعاقب المعترض ويكافأ المؤيد. وستتم استضافة العديد من المؤيدين إلى قنوات الإمارات والسعودية للإطراء على قيادات التطبيع.

– سنشهد مؤتمرات تعقد وندوات تقام وكتب تنشر ومجلات تستقصي وبرامج تنبش الماضي وكلها تهدف إلى اختراق ثقافي للشعوب العربية المحصنة ضد التطبيع تاريخيا. سيستخدم المال بشكل غير طبيعي لشراء الذمم أو لردع المنتفعين إن هم فكروا في التمرد. ليس غريبا أن المال الإماراتي كان وراء صمت العديد من الدول حتى التي تسمي نفسها دول ممانعة. كذلك لم نسمع بيانات التنديد والشجب والتبرؤ من الاتفاقيات وموقعيها من العديد من النقابات العربية والاتحادات والكتاب والصحافيين بما يرقى لمستوى الحدث الكبير. فالذي جرى ليس تطبيعا وفتح صفحة من العلاقات العادية، أنه تحالف معقد مع إسرائيل المعتدية المحتلة التي مارست التطهير العرقي وارتكبت العديد من المجازر والجرائم ضد العرب عموما والشعب الفلسطيني خصوصا.

– إن اختراق الثقافة العربية أخطر من توقيع اتفاقيات مع مجموعة من السياسيين المرتبطين أصلا بالدوائر الصهيونية والأمريكية. الخوف أن تتحول أبو ظبي ودبي والمنامة إلى أوكار لاختراق المناعة الوطنية والقومية والدينية ضد هذا العدو. الخوف أن يتم تجميل إسرائيل لتصبح دولة عادية متقدمة يوثق بها وتحل ضيفا دائما على المهرجانات والفعاليات الرياضية والسينمائية والفنية ونشطاؤها المدربون يصولون ويجولون فتفتح لهم الأبواب ويتسللون من الثقوب والشقوق ليسوقوا أنفسهم على أنهم حضاريون والتعامل معهم يصبح عاديا وليس عارا يلحق بصاحبه مثلما حدث مع صحافي أردني  تجرأ وزار الكيان الصهيوني فكان أن لفظته النقابة وأصبح مذموما مدحورا.

– ستقوم هذه الدول وبقيادة سعودية بليّ عنق الدين والحديث والتفسير لتسوّغ التعامل مع الكيان وتبرر التحالف معه كما فعل السادات عندما استغل آية “وإن جنحوا للسلم فاجنح لها”. لقد بدأ خطيب الحرم المكي عبد الرحمن السديس، وانصياعا لولاة أمره، بالتمهيد للتطبيع وتجميل العلاقات، وراح يقدم الفتاوى التي تجيز لولي الأمر أن يقتل ويدمر ويزني ويعربد تحت حجة عدم الخروج عليه. فوعاظ السلاطين هؤلاء يفضلون أن يعصوا أمر الله ويخالفوا شريعته على أن يقولوا كلمة حق عند سلطان جائر وظالم ومتهور.

خطوات مواجهة التغلغل الصهيوني

إسرائيل لا تعمل إلا لمصلحتها. هذه قاعدة يعرفها كل من ذاق مرارة التعامل معها والاقتراب منها. لقد أرسلت الجواسيس لمصر بعد اتفاقيات كامب ديفيد، وكم من قضية سويت سرا وعلنا بين الطرفين كان أشهرها قضية الجاسوس عزام عزام، الذي أطلق سراحه حسني مبارك عام 2004 بعد سجن ثماني سنوات فقط، بينما رفضت الولايات المتحدة بإداراتها الديمقراطية والجمهورية أن تطلق سراح العميل جوناثان بولارد الذي قضى في السجن أكثر من 30 عاما رغم أن العلاقات بين البلدين استراتيجية كما هو معروف. إسرائيل ستتدخل في كل صغيرة وكبيرة وستتخلص من أي شخصية معارضة لها تأثير في الشارع أو عالم أو كاتب أو صحافي.  ولو نراجع قائمة العلماء العرب الذين اغتيلوا على يد الموساد بمن فيهم العالم النووي المصري يحي المشد وسلوى حبيب، التي ذبحت في شقتها بمصر، والعالم اللبناني رمال حسن رمال الذي اغتيل في مختبره في فرنسا والعالم الفلسطيني نبيل فليفل والعراقي ابراهيم الظاهر والإيراني مجيد شهرياري والتونسي محمد الزواري وكان آخرهم العالم الفلسطيني فادي البطش في كوالالامبور والسلسلة طويلة.

ونود أن نثير هنا مجموعة ملاحظات:

نعتقد أن القوى الوطنية النظيفة غير القابلة للبيع والشراء وخاصة في البحرين ستركز في نضالها على مقاومة التطبيع من جهة وفضح العلاقات المشبوهة التي تقيمها النخب الحاكمة مع عدو هذه الأمة. نود أن يكون الخطاب الفلسطيني العربي الوطني حريصا على تأييد تلك الجهود ودعمها والابتعاد عن الإساءة للشعب والتفريق بين الطبقة الحاكمة والطفيليات المرتبطة بها وعامة الناس الذين تربوا على تأييد فلسطين وقضيتها العادلة.

كما نود أن نؤكد مرة أخرى أن تصحيح الأوضاع المختلة لصالح العدو الصهيوني الذي تمكن من اختراق الأمة العربية يبدأ من فلسطين. الوضع الفلسطيني المختل الآن بحاجة إلى عمل عاجل وسريع وحاسم، وليس اجتماعا للأمناء العامين وإصدار بيان رقم 1 الذي لم يلق التجاوب المطلوب. سيتمادى أكثر من نظام عربي في التطاول على فلسطين والتخلي عن قضيتها والانتقال إلى صف العدو الصهيوني بدعم وتشجيع وتمويل من الإمارات أساسا إذا لم يسرع الفلسطينيون بردم الشرخ الذي طال أكثر من اللازم والعودة إلى الشعب بكامله لإطلاق مقاومة متواصلة ومتعاظمة ومتراكمة من جهة وانتخاب مجلس وطني جديد بناء على ميثاق منظمة التحرير الفلسطيني لعام 1968 والذي بدوره سينتخب قيادة جديدة تتلاءم مع الظروف المستجدة، وتعرف كيف تتعامل مع هذا المأزق الوجودي. يومها سترى نهوضا وطنيا وعربيا ودوليا في كل مكان وستعود الجماهير العربية إلى الشارع لتحاسب هؤلاء الذين ساوموا على كرامة شعوبهم وحريتها ورفاهها لإرضاء أسيادهم في واشنطن وتل أبيب. الكرة الآن في الملعب الفلسطيني فلا وقت للتردد واجترار اللغة الخشبية القديمة فالمعادلة المطروحة الآن: أن نكون أو لا نكون.

القدس العربي

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *