ماجد كيّالي يغزو إسرائيل – فلسطين ويحتلّها وحده

تابعتُ على “الفايسبوك” كيف “غزا” ماجد كيالي أرضه الأصلية فلسطين. فالظاهر من الصور الفايسبوكية أن “الرفيق” ماجد الفلسطيني اللاجئ في سوريا ثم الكاتب السياسي النازح إلى الصحافة اللبنانية قبل أن يهاجر إلى الولايات المتحدة ملتحقا بأولاده، قرر مؤخرا أن “يغزو” فلسطين وحيدا حاملا جواز سفره الأميركي وذاهبا إلى فلسطين. وها هو يقوم بجولة على كل مناطق فلسطين ومدنها أو معظمها ملتقيا بأصدقائه ومعارفه الفلسطينيين الذين لا زالوا مقيمين هناك، ومتجولاً حسب الصور الفوتوغرافية التي نشرها تباعا على صفحته في “الفايسبوك” بين عكا وحيفا ويافا واللد والقدس وغزة ورام الله وغيرها مستمتعا باكتشافه “قارة” فلسطين التي حُرِم منها جنينا ثم طفلا ثم شابا حتى اليوم حتى أتيحت له فرصة زيارتها بواسطة باسبور أميركي. وأضاف إلى ذلك زيارة لمنطقة الجولان.
لا دواء للحنين إلى الوطن الأصلي. لكن ماجد أتى إلى إسرائيل- فلسطين ناضجا بعقله السياسي ومثْقَلاً بتجربته في الحركة الوطنية الفلسطينية بعد عام 1967 ثم بتحوله إلى نقد الحياة السياسية المعاصرة للفلسطينيين، وبعد الزلزال السوري انخرط إعلامياً من حيث يقصد أو لا يقصد في الحرب الأهلية السورية، وهي الحرب الأهلية الثانية التي عايشها عن قرب أو عن بُعد بعد الحرب الأهلية اللبنانية كما هو العديد من النخب الفلسطينية.
كثيرون غير ماجد فعلوا الأمر نفسه في “العودة”، فحملوا امتياز باسبورات أوطانهم الغربية الجديدة وجاؤوا إلى إسرائيل يتجولون في ما صار يُسمّى فلسطين 48. لكن المرة الأولى التي قرأت فيها هذا النوع من السفر كانت على ما أذكر رحلة(الراحل) المؤرخ نقولا زيادة بعد “اتفاق أوسلو” وذهابه وهو الطاعن في السن إلى الأرض التي أرغم على مغادرتها عام 1948. كتب يومها سلسلة تحقيقات ممتعة عن جولاته في بلده الأصلي نتمنى بمناسبة استذكارها أن يكتب ماجد تحقيقاته الخاصة بعد رجوعه إلى أميركا..
ومع أني أتحسّس سعادة أمثال ماجد كيالي من “العائدين” وطريقتهم في “استعادة” ما خسروه وهو وطن لم يعرفه جيل ماجد سوى كفكرة ومشروع فإني أستذكر أيضاً خلافاً لما قاله محمود درويش كيف أن الوطن أصبح حقيبة و الفلسطيني مسافر.
ماجد من جيل الحركة الوطنية الفلسطينية التي قبلت التسوية واقتسام فلسطين، ولا أعرف بعد “غزوته” هذه، كيف رأى إسرائيل وما هو رأيه فيها وهل سيكتب ليخبرنا أي مستقبل يتصوّر للعلاقات الفلسطينية الإسرائيلية التي يعمل اليمين العنصري الإسرائيلي يوميا على توتيرها وتأزيمها خلافا لرغبة النخب الفلسطينية بأكثريتها كما خلافا لرغبة الأقلية النخبوية اليسارية الليبرالية الإسرائيلية.
ننتظر أو يجب (وأعتذر عن كلمة “يجب”) أن ننتظر أن تكون هذه الجولات موضوعا لكتاب ماجد الجديد أو لكتابَيْهِ: الكتاب الأول كيف شاهد إسرائيل بما فيها حواره مع المؤرخ النقدي الإسرائيلي إيلان بابيه و ربما مع مثقفين إسرائيليين نقديين آخرين لنظام الأبارتايد أو غيرهم والكتاب الثاني عن فلسطينيي 48 و قطاع غزة والضفة الغربية ونخبهم وخصوصية وضع كل مجموعة ونضالاتها وتجاربها. ولا أستبعد مطلقا أن يكون هذان الكتابان، أو الكتاب الواحد في قسمين، على جدول تفكير وأعمال ماجد كيالي صاحب الشهية الدائمة على الكتابة.
دخل الشتات الفلسطيني في الجيل الثالث بعد جيل النكبة الأول ثم جيل أبنائه الثاني. هذا الجيل الثالث الذي أصبح جزء كبير منه في دول الغرب مثل أبناء من بقيت لهم أوطانهم كاللبنانيين والسوريين والعراقيين …وما أطول اللائحة! فبينما، إذا جاز التعبير، خسر الفلسطينيون الوطن ويكافحون لاستعادة ما بقي منه، فإن أبناء الجنسيات الأخرى “خسروا” دولهم ولو بقيت أوطانهم! خسروا دولهم بمعنى انحطاط معظمها وسقوط أحلام التنمية والتحديث وحتى التماسك فيها.
متى سنقرأ مستقبلا رؤية أبناء الجيل الثالث في شتات الشتات؟
هذا النوع الخاص من “العائدين” من الجيلين الثاني والثالث كيف سيكتبون تاريخ الأيام الآتية؟ وكيف ستكون علاقتهم بإسرائيليّي الأجيال الأول والثاني والثالث؟
على أي حال لا يكف الفلسطينيون، أفرادا أو جماعات، عن ابتكار ليس فقط أشكال النضال السياسي ضد المحتل، بل أيضاً ابتكار أشكال “استعادة” فلسطين. و”غزوة” ماجد هذه واحدة منها.
إسرائيل وفلسطين حُبْلَيان بتحوّلات الأجيال ومضامينها.

النهار

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *