مات عزّات الطاهر
مات رجل لا له ولا عليه، حلّ في الدنيا خفيفًا، ورحل خفيفًا.
منذ عقود، وعزّات هو عزّات، يرتدي حطة وعقالاً، ويمشي في الحارة عاقدًا يديه وراء ظهره، يبتسم عن فمٍ خلا من الأسنان، وعينين صغيرتين.
اعتاد أهل القرية أن يستنجدوا به في كل عمل يستعصي عليهم، فإذا واجه أحد خلال البناء صخرة صماء، كانت “مهدّة” عزات الوحيدة القادرة على فتفتتها.
كان رجلاً بطاقة جيش من الرجال، وبعزيمة لا تفتر.
كان رجلاً طيبًا من رجال القرى الذين يحمي الله القرى ببركتهم. لم يعرف الكره ولا الحقد ولا الكذب ولا الادعاء.
لا أعرف ما إذا كان اسمه في الهوية “عزت”، أم “عزّات”. ولا يعنيه أن يكون الاسم كله قد أخذ هذا الرسم عن العثمانيين.
ما نعرفه في القرية أن الألف ضرورية لهذا الرجل. لا يمكن أن نناديه “عزت”. هو عزّات، بألف تحتمل معنى النداء دون أي من أدواتها. وكان موجودًا دومًا.
ليست بيني وبين “عزّات” علاقة قربى، ولعلني لم ألتقِه في القرية إلا قليلاً. لكنه من علامات قريتنا لدى جيلي والجيل الذي سبقني.
تتغير القوى والدول والأخلاق والقوانين، وعزّات هو هو.
كبر عزّات، وتمكن منه السرطان، فمات صباح اليوم.
هذا رجل يرحل دون أن تجد أحدًا في جنازته يقول: “كان المرحوم طيبًا، لولا أنه…”. لقد عزّات كان طيبًا ونقطة.
إن كان لأحد أن يختار وصفًا لنفسه وهو مسجّى، فأن يكون كعزّات، رجل مبروك، لا عداوة بينه وبين أحد، لا يتحدث مطلقًا إلا إذا سئل.
كان أستاذ البلاغة والإيجاز دون مدارس.
رحل عزّات، الذي كان يمشي عاقدًا يديه وراء ظهره، يبتسم بلا سبب، لكن الزمن حنى ظهره كثيرًا.
رحل دون أصدقاء، لكن، الأهم، أنه رحل دون عدو واحد.