مؤتمر النقب وعملية الخضيرة
عادت المنطقة العربية الاسلامية والسيطرة عليها الى ساحة المواجهة العالمية بين الناتو بقيادة امريكا وبين روسيا التي تقصد في حربها على اوكرانيا تشكيل نظام عالمي جديد ينهي احادية القطبية والهيمنة الامريكية الغربية.
امريكا بدورها تحاول منعها من التمدد في حوض البحر الابيض المتوسط لانه اذا فقد الغرب هذا الفك الكماشي فان الجناح الأيمن لتحالف الناتو سيصبح معلق في الهواء. في وضع كهذا، على حد تعبير الخبراء العسكريين، ستتمكن روسيا تجاوز الناتو الى المحيط الاطلسي والاستيلاء على عمقه لنهشه من ظهره.
لتمنع ذلك أيام الحرب الباردة بادرت الولاية المتحدة عام ١٩٥١ لبناء تحالف قيادة حوض المتوسط بمشاركة امريكا، بريطانيا، تركيا، ايران، دول عربية وإسرائيل. إلا ان الدول العربية رفضت هذا الحلف تحت ضغط المد القومي العربي والثورة المصرية انذاك . الامر الذي دفع بوزير الخارجية الامريكي دالاس للتصريح بأن اقامة تحالف كهذا غير ممكن في هذه المرحلة بسبب المشكلة الفلسطينية وتأثيرها في العالم العربي. وعليه أوصى بنزع فتيلها الثوري في المنطقة خطوة خطوه. بعدها حاولوا اقامة حلف بغداد الا ان الثورة العراقيه اسقطت ذلك عام ١٩٥٧.
في الحسابات التاريخية نجحت امريكا والناتو معها في استراتيجية الصد والاحتواء وانهار الاتحاد السوفيتي وفهم الروس انها هزيمتهم. لهذا ومع صعود بوتين الى الحكم رجعت روسيا تخطط انتقامها بعودتها كدولة عظمة مستخلصة الدروس والعبر من حالة الاشتباك الجيوسياسي والجيواستراتيجي ايام الحرب الباردة.
اول الدروس وصولها الى حوض البحر المتوسط مع تواجد دائم وذلك لضمانها لعب دور اساسي في وضع نظام عالمي متعدد القوى. وعلية تبلورت العقيدة البحرية الروسية باعتبار حوض البحر الابيض المتوسط منطقة استراتيجية لا تقل أهمية عن بحر البلطيق، الأسود وبحر ازوف.
لاهمية الأمر وقبل ما يعزز بوتين الاستقرار في محيط القوس القريب من روسيا اوكرانيا، بيلاروسيا، ومولدوفا في الغرب وصولاً الى الجنوب في القوقاز كجدار حماية من الغرب والناتو، نعم قبل هذا كله قفز بوتين الى المستنقع السوري على الضفة الجنوبية من هذا القوس لكسر الطوق الأمريكي والأوروبي، “ونجح إلى حدّ بعيد في إطالة الصراع وتجميده لا بل حماية النظام، وهي خطوة مكّنت موسكو من نزع الاعتراف الدولي بكونها قوة عظمى ذات مجال نفوذ متميز، والأمر ذاته تكرّر أيضًا في الأزمة الليبية.” هذا في وقت اصبحت فيه روسيا اقرب الى إيران ولها لغة تفاهم وتعاون مع تركيا.
في نفس الوقت التي استخلصت فيه روسيا الدروس والعبر من الحرب الباردة وضربت الناتو في القلب بتواجدها على سواحل وعمق المتوسط، نجحت أمريكا في سياق هزيمتها الاتحاد السوفيتي ومن خلال سياسة الخطوة خطوة نزع فتيل القضية الفلسطينية ، محاصرتها وتحييد تأثيرها على الأنظمة العربية. فاذا كان بناء حلف قيادة المتوسط بين العرب واسرائيل عام ١٩٥١ مستحيل جاء مؤتمر النقب بين وزراء الخارجية المصري، المغربي، الاماراتي والبحرين واسرائيل برعاية امريكية عام ٢٠٢٢ ليبني هذا التحالف بما يتفق والمستجدات على الارض وأهمها هزيمة الثورة الفلسطينية وطبعاً بهدف التصدي لروسيا ونيتها اقامة نظام عالمي متعدد الاقطاب. مع كل هذا وكما كان في الحرب الباردة يتفق الطرفان روسيا والغرب على ان منطقة “الراملاند” وهي المنطقة العربية الاسلامية خطر وجود عليهم اذا نهضت وتوحدت وعليه سيتعاون الطرفان على منع نهوض هذا المارد كل من منطلقاته الجيواستراتيجية كما فعلوا في الحرب الباردة وزرعوا معاً الكيان الصهيوني في قلبه لهذا الهدف.
لماذا النقب بالذات وبجوار قبر بن غوريون ؟!
اسرائيل تهتم برمزية الاحداث وتحرص دائماً ان تعطي السياسي بعده وسياقة التاريخي والاسطوري. في السياق السياسي جاء مؤتمر النقب في سهل البقار المهدد أهلها بالترحيل مجدداً واصبح اسمها “سديه بوكر” وعلى مقربة من قبر بن غوريون ليطمأنه وهو في نومه الأبدي أن حلمه “في النقب تمتحن الدولة اليهودية.” يتحقق. اذ هاهم وزراء اربعة دول عربية يؤكدون على ذلك في يوم تستمر فيه اسرائيل في تهويد النقب بالاعلان عن اقامة عشرة مستوطنات ويشن فيه الشباك واجهزة الأمن اوسع وابشع عملية تمشيط وتحقيق بين أهله العرب. وفي يوم تستقبلهم عملية الخضيره لتؤكد لهم ولكل المطبعين : اذا ما خيل ان القضية الفلسطينية انتهت هنا في النقب الا لتبدأ عندكم بين شعوبكم هناك ومن ثم تعود بالعمق العربي كله الداعم لفلسطين لتؤكد أن الصراع في قلبه على الوجود وليست على الحدود وهذا الذي تفهمه إسرائيل أكثر من غيرها وتعمل به على الأرض وفي كل ضغط منها يقترب برميل البارود هذا من الانفجار.
لعلها تبحث عن نكبة ثانية لتنظيف النقب من أهله او قد يتجاوز هذا الهدف النقب ليشمل الوجود الفلسطيني برمته بين النهر والبحر مع تعامي غربي امريكي مقصود خصوصاً أن الشعب الفلسطيني ليس لهم عيون زرقاء وبشرة شقراء كمهجري أوكرانيا.