ليس دائماً تضييق المساحات، وإنما عدم فاعلية العمل على التغيير، وأسباب ذلك في الحالة الفلسطينية

إنه من نافل القول إنه يوجد مسعى مستمر لتضييق المساحات على من يسعى إلى التغيير السياسي أو المجتمعي في فلسطين، وفي معظم الحالات التي ترى فيها السلطة الفلسطينية تهديداً لسلطتها، أو أنها تتعارض مع سياساتها أو مصالحها.  ويتخذ هذا التضييق أشكالاً مختلفة تتراوح من إرسال بلطجية للاعتداء على متظاهرين أو محتجين في مواقع رئيسية في رام الله، ومدن أخرى في الضفة الغربية، إلى اعتقال الناشطين، بما في ذلك الاعتقال السياسي، وتغيير وتشديد القوانين التي تتعلق بحرية التجمع، أو القوانين التي تتعلق بحرية إبداء الرأي المنشور في المطبوعات والمواقع باختلاف أنواعها، بما فيها وسائط التواصل الاجتماعي – هذا على سبيل المثال لا الحصر.

لكن، وعلى الرغم من هذا التضييق، توجد مساحات يمكن استغلالها، أو بشكل أدق، جرى توسيع هذه المساحات على الرغم عن التضييق، وإن كان بشروط لا تتوفر دائماً، كما سأبين لاحقاً.  وقد جرى استغلال هذه المساحات، بنجاح أحياناً، وبفشل، أو قدر منه، أحياناً أخرى.  وكأمثلة على هذه المساعي للاحتجاج أو التغيير، أشير، على سبيل المثال لا الحصر، إلى إضرابات معلمي المدارس الحكومية في الأعوام 1997 و1998 و2000 و2016 و2020 و2022.  وأشير، أيضاً، إلى الاحتجاجات التي رافقت الإعلان عن قانون للضمان الاجتماعي في نهاية العام 2018 وبداية العام 2019، والتي دفعت الحكومة إلى سحب القانون، والاحتجاجات التي تلت مقتل نزار بنات، واحتجاجات ومساعي التغيير التي قام بها عدد من المؤسسات الأهلية لإصلاح قوانين محددة، أو إصلاح النظام القضائي ككل، والتي شاركت فيها، أيضاً، نقابة المحامين، ومساعٍ أخرى عديدة في الواقع، جرت عبر السنوات، وكانت نتائجها متفاوتة.  سأتناول هذه الأمثلة الأربعة بدرجات مختلفة من التفصيل، لتبيان الأسباب التي أدت إلى النجاح أو إلى الفشل، وعناصر الضعف الرئيسية، التي تنطبق، بالإجمال، على حالات أخرى.

وأشير، ابتداءً، إلى أن أهم ما في هذ الأمثلة ليس وجود أو عدم وجود مساحة للعمل المجتمعي أو السياسي من أجل التغيير، وإنما أسباب النجاح حتى بوجود هذا التضييق، وأسباب الفشل التي أعاقت النجاح في غياب العوامل الضرورية لتخطي هذا التضييق.  وأبدأ بإضرابات المعلمين منذ العام 1997 وحتى العام الحالي، التي حققت عدداً من النجاحات غير القليلة، حتى لو لم تتحقق جميع المطالب.

أحد أسباب نجاح “حراك المعلمين الموحد”، ما هو واضح؛ أي وجود قاعدة عريضة من المعلمين في المدارس الحكومية في الضفة الغربية يزيد عددها على ثلاثين ألف معلم ومعلمة، التزمت أغلبية منهم بالإضراب حسب برنامج الحراك.  وبالتالي، يمكنهم شل العملية التعليمية في المدارس الحكومية تقريباً بشكل كلي، الأمر الذي يؤدي إلى أزمة مجتمعية ذات أبعاد عدة، يلزمها حل.  هذا مصدر قوة كبير افتقدتها حركات احتجاجية أخرى، وكان من أسباب فشلها كما سنرى.

لكن، هذا ليس العامل الوحيد في النجاح النسبي للحراك.  فعلى درجة قريبة من الأهمية للعامل العددي، وجد عامل آخر؛ وهو استبدال قيادة الإضراب المكونة من ممثلي الاتحاد العام الفلسطيني للمعلمين، الذي هو جزء من منظمة التحرير الفلسطينية، والذي كان عامل إعاقة، استبدل في البداية “بلجان” غير معترف بها رسمياً لقيادة الإضراب، وأصبحت لاحقاً تسمى “حراك المعلمين الموحد”.  ولفهم الإشكالية المتعلقة بالاتحاد العام للمعلمين، وبشكل أعم، أيضاً، ما يعرف بـ”المنظمات الشعبية” التابعة لمنظمة التحرير، سأتناول بإيجاز، وبسبب أهمية الموضوع، ما أسميه بـ”خطر نقل نموذج منظمة التحرير” إلى حكم شعب على أرضه، وتبعات ذلك السلبية على التنظيم المجتمعي الفلسطيني، وعلى النظام السياسي الفلسطيني ككل.

فكما هو معروف، لم تتكون منظمة التحرير من فصائل وأحزاب فحسب، بل إن بنيتها سعت إلى تمثيل الفلسطينيين ككل، واحتوت على اتحادات عمالية وطلابية واتحادات للكتاب، وللمرأة، وللمعلمين، ومؤسسات إنتاجية ومراكز أبحاث، و”منظمات غير حكومية”.  وقد كانت مقتضيات العمل الوطني، والبقاء في الشتات، وتجميع طاقات المجتمع الفلسطيني، تبرر تنظيماً جامعاً دامجاً شمولياً مثل هذا، تقف على رأسه اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.  وكان هذا ضرورياً، أيضاً، للحفاظ على الهوية الجماعية للفلسطينيين، وللحفاظ على الذات وتحديد ماهيتها إزاء الاقتلاع والنفي والتهديد بالاندثار.

لكن التناقض الداخلي الكامن في هذا النموذج بان بوضوح بعد نقله إلى حكم شعب على أرضه، وتماهي منظمة التحرير مع السلطة الفلسطينية.  هذا التناقض يكمن في الدمج بين مؤسسات مجتمعية، أصبحت تعرف بأنها مؤسسات مجتمع مدني، مع السلطة الفلسطينية بعد إنشائها، على أنها مؤسسات منظمة التحرير، التي أصبحت السلطة الفلسطينية تمثلها بسبب عدم الفصل بين الاثنتين.  ولم يفطن أحد، على ما يظهر، لخطر نقل هذا النموذج السلطوي، الشامل والدامج والجامع، لغرض حكم شعب على أرضه.  وأصبح لدى السلطة الفلسطينية “منظمات غير حكومية، حكومية”، منها اتحاد المعلمين الذي يقف على رأسه موظفون في دولة فلسطين، كون المنظمة، أصبحت حسب تصنيف موقع رسمي، تابعة “للدولة”.

وفي هذه الحالة، وبطريقة غير مباشرة، أصبحت الحكومة، التي هي المشغل أيضاً، تمثل العاملين الذين هم المعلمون.  صاحب العمل يمثل العمال! تعارض في الأدوار وتعارض في المصالح.  وقد شكل سحب الاعتراف بالاتحاد العام للمعلمين من قبل المعلمين وتشكيل قيادة أخرى لهم أحد عوامل النجاح، لأنهم اعتبروا أن الاتحاد يمثل الحكومة.  وهذا سبب فشل الكثير من النقابات التي تعتبر “اتحادات شعبية” تابعة لمنظمة التحرير، والتي أصبحت الآن “حكومة دولة فلسطين” تمثلها.

أما الحالة الثانية، فتتعلق بقانون الضمان الاجتماعي، الذي كانت السلطة الفلسطينية بصدد بدء العمل به، والذي أثار احتجاجاً واسعاً لأسباب متنوعة، واضطرت السلطة إلى سحبه وغض النظر عن تطبيقه.  وأشير إلى أني سأذكر بعض الملاحظات السريعة حوله دون استفاضة؛ نظراً لوجود ورقة حول الموضوع تقدمها الباحثة أنمار رفيدي.  والورقة مبنية على بحث أصيل ومهم كدراسة حالة، وقد أعد البحث لرسالة ماجستير في جامعة أوكسفورد.  ويركز البحث على الجانب التنظيمي المرافق للاحتجاج، وهو أمر في غاية الأهمية لنجاح أو فشل مساعي التغيير بوجود قيود على هذه المساعي.

وأشير، هنا، فقط إلى مفارقة رافقت مناهضة تطبيق هذا القانون، تكمن في أن أرباب العمل، والعمال، توحدوا في الموقف مناهضين سوية تطبيق القانون.  فتكافلوا وتضامنوا وتعاضدوا لغرض إفشاله.  هذا على الرغم من أن وجود نظام للضمان الاجتماعي أمر يُفترض أنه مطلب حيوي لغرض تحقيق قدر من العدالة الاجتماعية، ومن ناحية المبدأ في صالح العمال.  وشاركت، أيضاً، في الاحتجاج على القانون أحزاب تعتبر نفسها يسارية، تنتصر للعدالة الاجتماعية كجزء أساسي من برنامجها، إذ دون ذلك لن تعتبر يسارية بحكم التعريف! ويوجد الآن مسعى مستجد إلى تطبيق القانون ربما بعد إجراء تعديلات عليه، وسنرى ما هي ردود الفعل حوله.

أما الاحتجاجات التي تلت قتل نزار بنات، والتي تواصلت لأسابيع عدة، واتخذت أشكالاً مختلفة، وألَّبت أجزاء واسعة من الرأي العام الفلسطيني، لم تحقق المطلب الأساسي للمحتجين، وهو إجراء تحقيق جنائي مستقل ومعاقبة المسؤولين.  لكن، بفعل ضغط الرأي العام المستمر لأشهر عدة، اضطرت السلطة لاتخاذ ما يمكن أن يسمى بخطوات تكتيكية لعلها ترفع الضغط الكبير الذي ووجهت به.  والمشكلة بالنسبة لها كانت أن من ارتكب الجريمة، كان مجموعة تابعة لأحد الأجهزة، ومن المؤكد أن ذلك تم بناء على تعليمات من قياداتها.  وأعتقد أنه من المستبعد أن التعليمات التي أعطيت لهم تضمنت قتله، وربما طُلب منهم إعطاؤه “درساً لن ينساه” قبل إحضاره إلى السجن، بدليل أنهم أحضروه إلى المستشفى وهو في غيبوبة، أو أنه كان قد فارق الحياة.

لكن بفعل الضغط والاحتجاج المستمر، اضطرت السلطة لعمل شيء ما، فوضعت المجموعة التي اقترفت الجريمة في سجن أريحا.  وبعد مرور فترة من الوقت جرى تعيين المسؤول عن الجهار وزيراً في الحكومة، في “إيماءة” باتجاه الرأي العام؛ أي إنه “أقصي” من منصبه، لكنه عين في منصب أرفع.

وبشكل عام، يمكن القول إن هذه كانت حالة فشل في تحقيق العدالة.  والسبب في ذلك أن ضغط الرأي العام لم يكن كافياً، ولم تكن المظاهرات والاحتجاجات حاشدة أو “مليونية” تهز أركان الحكم.  وأيضاً، كانت هذه حالة صعبة بالنسبة للسلطة الفلسطينية؛ كون المتهم هو أحد الأجهزة.  وقد رأينا خلال الانتفاضات والثورات العربية، أن الأنظمة العربية تضطر إلى إحداث تغيير إن جوبهت بمظاهرات حاشدة أو “مليونية” كما يقال، حتى لو كان هذا التغيير شكلياً؛ أي دون المس بجوهر النظام، أو بقدر محدود من الإصلاح.

غير أن ضغط الرأي العام، والمظاهرات الحاشدة، ليس العامل الوحيد المؤدي إلى التغيير، إذ توجد عوامل أخرى في معظم الحالات.  فمثلاً في حالة تونس، جرى عزل بن علي، لكن ما مكّن ذلك أن الجيش وقف على الحياد، ولم يسعَ إلى قمع المتظاهرين.  أما في مصر، فقد لعب الجيش دوراً فاعلاً في إقصاء مبارك ككبش فداء، خشية تطور المظاهرات إلى انقلاب على النظام، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة كما اعترف أوباما في مذكراته التي صدرت قبل عامين.  وفي الجزائر “استقال” عبد العزيز بوتفليقة بعد مظاهرات حاشدة استمرت ستة أسابيع.  وفي حالة السودان مثل حالة الجزائر، لعب الجيش دوراً أساسياً في إقصاء عمر البشير.

أنتقلُ الآن إلى المثال الرابع؛ أي مسعى المؤسسات الأهلية عبر السنوات إلى إصلاح قوانين محددة، على سبيل المثال، عقوبات ما يعرف بجرائم الشرف، أو حقوق الأطفال، أو مكافحة الفساد، وما شابه.  وقد كانت نتائج هذه المساعي محدودة جداً؛ وذلك لثلاثة أسباب: الأول أن المؤسسات الأهلية، عموماً، تفتقد لقاعد شعبية واسعة يمكن أن تسهم في الضغط نحو الإصلاح بالاحتجاج أو التظاهر.  وقد رأينا الفاعلية النسبية لهذا الجانب الميداني في الانتفاضات والثورات العربية.  وفيما يتعلق بالمؤسسات الأهلية، فإن الوضعَ القائمَ الآن يكمنُ في أن كلَّ مؤسسةٍ أو هيئةٍ منظمةٍ تنظرُ إلى الإصلاح في الغالب، من منظور عملها التخصصي فقط.  هذا خطأٌ كبيرٌ سيُبقي الوضعَ على حاله، بل إن السلطةَ التنفيذيةَ قد ترحبُ بهذه المساعي التخصصيةِ المتفرقةِ نظراً لأنها يمكن أن تُصوَّرَ على أنها دليلٌ على حريةِ النقدِ والتعبير، وعلى وجود مساعٍ “إصلاحية” نشطة.

أما السبب الثاني، فيكمنُ في أن أولوية الإصلاح ينبغي أن تكمنَ في إصلاح النظام القضائي ككل، بعد انهياره وهيمنة السلطة التنفيذية عليه، وفقدان كل إمكانية للجوء إليه لتحدي السلطة التنفيذية، على سبيل المثال، في موضوع إلغاء الانتخابات النيابية دون مستند قانوني يعطي الصلاحية بذلك.  لذا، إن الأولوية الأولى ينبغي أن تتمثل في تضافر الجهود في مسعى جماعي، لكل مؤسسةٍ أو نقابةٍ أو هيئةٍ منظمةٍ في المجتمعِ، للعملِ بشكلٍ منظمٍ ومبرمجٍ لغرضِ إصلاحِ النظامِ القضائيِ، وجعله مستقلاً عن السلطة التنفيذية.  دون ذلك، لن يحدثَ أيُّ إصلاح.

أما السبب الثالث، فيكمن في ضعف القاعدة التنظيمية لمعظم الأحزاب السياسية الفلسطينية، باستثناء “حماس” و”فتح”.  هذا الجانب يضعف عمل المؤسسات الأهلية التي كانت ستتأثر، في وضع آخر، ببرامج الأحزاب، وستجد بوصلتها بتفاعلها مع تلك البرامج، وبتأثير متبادل كما هو حاصل في دول أخرى.

أما بخصوص حماس وفتح، فحماس في الضفة الغربية في موقع الحفاظ على الذات والدفاع عن النفس كما هو معروف، وليس في وضع يمكّنها من الإسهام في مساعٍ إصلاحية، أو المشاركة في احتجاجات علنية حاشدة.  أما فتح، فالواقع هو أنه لا توجد فتح واحدة، ومن غير الواضح ما هي دلالة هذا الاسم الآن، على الرغم من ارتباط اسم فتح مع السلطة، والتمييز الحاصل بين فتح السلطة، وفتح غير السلطة، وعلى الرغم من الاجتماعات التي يعقدها الرئيس أبو مازن مع “فتح” بين الحين والآخر، فإن هذا، عملياً، يعني اللجنة المركزية للحركة، وآخرين ليسوا في اللجنة المركزية لكنهم “محسوبون” على الحركة.

والواقع العملي هو أن هؤلاء أعضاء حزب آخر هو الحزب الحاكم فعلاً؛ ذلك أن من حضر اجتماع المجلس الوطني في العام 2018، أو شاهد وقائعة على التلفزيون، شاهد تشكل حزب آخر هو الحزب الحاكم فعلاً، بمعنى المستأثر بما يمكن أن تقدمه السلطة من منافع، على محدوديتها، والمساند لها كما هي واستمرار وجودها.  هذا الحزب اسمه حزب السلطة، ويتشكل من طيف واسع، فيه أعضاء اللجنة المركزية، وآخرون يعتبرون أنفسهم من فتح، ورجال ونساء أعمال، وأعضاءٌ سابقون في المجلس التشريعي، وأعضاءٌ في عدد من أحزاب منظمة التحرير كما هي الآن، ومثقفو بلاط، ومهنيون من مهن مختلفة، … وهكذا.

إن السؤال الأساسي بخصوص فتح هو من سيستحوذ على اسم الحركة في المستقبل، أي بعد المرحلة الحالية، مرحلة أبو مازن، ومرحلة الجيل الذي له ماض نضالي، أو من يتكئون على هذا الماضي، كما يبان بوضوح في الخط الإعلامي لتلفزيون وإذاعة فلسطين على سبيل المثال لا الحصر، وكما يبان مثلا في استحضار أغاني الثورة، من مرحلة الكفاح المسلح في لبنان، وفي مناسبات محددة، لغرض إضفاء “شرعية” على الحاضر والتعلق باستماتة بأهدابها. وإذا كان هذا المسعى فاقدا للمصداقية الآن، سيكون مهزلة إن تم بعد هذه المرحلة. ومن المرجح أن لا يتم لأن المفارقة بين واقع السلطة في حينه وأغاني الثورة ستكون كبرى، وأليمة أيضا، وبدرجات.  ذلك أنه من سيتسلم السلطة بعد هذا الجيل لن يكون حائزاً على هذا الماضي النضالي الذي انتهى مع هذا الجيل بعد العام 1982؛ أي بعد الخروج من لبنان.  

نحن الآن في بداية هذه المرحلة.  وسيأخذ مسعى توسيع مساحات العمل النضالي طابعاً ميدانياً في البداية، بفعل ظلم الاحتلال، واستمرار سرقة الأرض، والعنف المتزايد والمنفلت للمستوطنين؛ أي ميدانياً، كما في حالة كتائب شهداء الأقصى في جنين ونابلس. وهذا صراع على من هي فتح، أي استخدام إسم كتائب شهداء الأقصى لعمل مسلح مناهض للإحتلال، والذي يتعارض كليا مع سياسة السلطة الفلسطينية كما عبر عن ذلك أبو مازن مرارا عدة. وهو صراع سياسي أيضا على من هي فتح، حتى لو كان جنيني الآن، كما في حالة الحركة الإصلاحية التي بدأها ناصر القدوة، ذلك انه نفسه يعتبر حركته إصلاحية وليس انشقاقا، وقد عبر عن وجهة النظر هذه بوضوح، وهذا بمعزل عن نظرة آخرين لحركته.  وأتوقع أن ظاهرة مغتربي فتح؛ أي المغتربين عن فتح السلطة، وأعدادهم كبيرة جدا في الواقع، ستكون الحاضنة لفتح متجددة بعد هذه المرحلة. وبالرغم من أن هذا الصراع حول توسيع مساحات الاحتجاج سيستمر في المستقبل، إن تحقيق نتائج في هذا الصراع مرهون، إلى حد كبير، بالآليات المستخدمة والجوانب المطلوب إصلاحها.

ختاماً، إن توسع المساحات للعمل السياسي والمجتمعي من أجل التغيير، يلزمه وجود أحزاب قوية؛ بمعنى أن لها قاعدة جماهيرية واسعة نسبياً، تجند لأغراض محددة، تسعف أو تؤدي إلى التغير.  إضافة إلى ذلك، فإن البنية التنظيمية الضرورية لنجاح مساعي التغيير، ومناهضة تضييق هذه المساحات، تلزمها أطر أخرى منظمة وفاعلة، وبخاصة النقابات باختلاف أنواعها، والمستقلة عن السلطة الفلسطينية كما هي الآن؛ أي بعد أن أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية دائرة من دوائر “الدولة الفلسطينية” غير القائمة فعلاً، ومجندة لخدمة النظام القائم.

(عن مؤتمر معهد مواطن السنوي الثامن والعشرون 14 و15 تشرين الأول/أكتوبر 2022)

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *