لم نولد كما يجب ولم نكبر كما ينبغي !

تعرضت هذا الصباح لحادث طفيف .. يقال عنه عيد الميلاد ، يوم تشريني يتكرر كل عام ، لأصحو على عملية ” تكبير ” تحدث لي في خريف يصرّ على خرافة العمر الذي يذوي في شموع كعكة الميلاد .
لي من الخريف ما يكفي لاصفرار أوراق العمر ، تبعثرها رياح تشرين تحت شبّاك غربتي كل عام ، ولي من الوقار المباغت ما يكفي لكي أرى الحكمة عن بعد بنظارة طبية تعالج ” وجهة نظري “، ولي تشريني الخاص الذي يسعل شيخوخة في شباب شاب بي ، يكفي لكي يعيرني بوقار أبيض أحتفظ به ليومي الأسود ، مثل صورة قديمة بالأسود والأبيض قبل ان تداهم حياتي ألوان ” الديجتال ” .
قبل نصف قرن ونيف ، ولدت وأنا مصاب بداء فلسطيني اسمه : ” مسقط الرأس “، ولدت غريبا لاجئا في أوطان الآخرين، وكبرت لاجئا في أوطان الآخرين، وأنا ابحث عن وطن سقط منه مسقط الرأس .
لي من الوطن ما يكفي لهزيمة غربتي، ولي من الغربة ما يجعل الوطن بعيدا عن متناول اليد، ولي من الشتات ما يكفي لكي أوزعه على شعوب من اللاجئين، ولي من حمولة العمر ما يحني ظهري من هذا الوجع الفلسطيني، حين تسقط رؤوسنا بعيدة عن ما يجب لها أن تسقط !
لم نولد كما يجب، ولم نكبر كما ينبغي، هرمنا ونحن نحاول وطنا سقط من مسقط رؤوسنا .. التي تولد وتكبر وتموت وهي منزوعة الوطن .
حادث طفيف تعرضت له في عيد ميلادي هذا الصباح، كل ما حدث كبرت غربتي عاما جديدا، ومازال وطني ” ينط ” بي شابا في مقتبل العمر يواسي شيب غربتي، وينتظرني في مطار اللد ليقول لي : كل عام وانت بخير ” أبو الشباب ” !