لم تكن الضربة الوقائية أقل من مذهلة. لكن نتنياهو اختار مجددا الخيار السهل

لقد عاد. نتنياهو القديم والجيد/السيء. القائد الواقعي العملي/الجبان الذي يبتعد/يهرب من أي صراع أو خطر أو مغامرة. كل شخص بإمكانه اختيارالوصف المناسب حسب موقفه السياسي . عاد نتنياهو الذي تجنب مواجهة كبيرة مع حماس لمدة 17 عاما، والذي سمح لنصر الله ببناء وحشه على السياج الحدودي في الشمال لسنوات، والذي فضل شراء الوقت بدلا من حل المشاكل.
المشكلة هي أنه اشترى الوقت هذه المرة بأموالنا ، وبأمننا .
بالأمس اختار سوية مع وزير الحرب غالانت الخيار “الأسهل” الذي عرضه عليه الجيش : ولكن هذه لم تكن حرب وقائية كما أنها لم تكن أيضا ضربة استباقية ، بصيغة حرب الأيام الستة. لقد كانت عملية عرقلة وتشويش حققت نجاحاً مدوياً . لقد أحبط وشوش خطة عمل حزب الله، لكنه لم يغير شيئا في وضعنا الاستراتيجي على الساحة الشمالية. فضل نتنياهو هذه الصيغة على مقترحات أكثر جرأة، تجسد تحركات أكثر قوة، وكان هدفها الاستراتيجي توجيه ضربة جدية وحقيقية وجوهرية لحزب الله، واستعادة الردع الإسرائيلي، والبدء في تهيئة الظروف لعودة سكان منطقة الجليل الأعلى إلى ديارهم، وعودة إسرائيل إلى سيادتها على أراضي وطنها.
لقد قيلت هذه الجملة وكتبت مرات عديدة، لكنها لا تزال صحيحة: من حسن حظ نتنياهو أن رئيس المعارضة هذه الأيام لا يسمى “نتنياهو”. لو كان شخص آخر هو رئيس الحكومة الآن، لكان نتنياهو قد مزقه إربا، وهو محق في ذلك. منذ ما يقرب من عام، يسحقون الجليل، ويدمرون ويحرقون المستوطنات، ويقتلعون عشرات الآلاف من الإسرائيليين من منازلهم، ويذلون دولة كانت حتى ربع ساعة مضت تعتبر قوة إقليمية، وهو يقدم لنا معروفا، من خلال إحباط عمليات إطلاق حزب الله المستقبلية بدلاً من خوض حرب من اجل الوطن.
بحق أبلغه رؤساء السلطات المحلية في الجليل بالأمس بأنهم توقفوا عن استضافة ممثلي الحكومة أو التواصل معهم أو التحدث معهم.
لقد سئموا منهم . وأوضح مختلف المتحدثون باسم الحكومة، وفي الاستوديوهات أيضًا أمس أن الجيش الإسرائيلي وجه ضربة التشويش ليس لأنه يهدد تل أبيب هذه المرة، وإنما لأنه كانت هناك نية لضرب أهداف استراتيجية.
انها ليست حتى مزحة. وبعد إذنكم، بحسب المنشورات، فإن الأمر يتعلق بقواعد الوحدة 8200 والموساد. حسنًا، أذكر هنا أنه حتى لو اخترقت طائرة مسيرة أو صاروخ واحد إحدى هذه القواعد وأصابتها – فلن يحدث أي ضرر لم يحدث لإسرائيل من آلاف الصواريخ والقذائف الصاروخية والطائرات المسيرة التي تنهمر على الجزء الجليل الأعلى بشكل يومي .
وأذهب إلى حد القول إن الأضرار الناجمة عن القصف المنتظم لقواعد جيش الدفاع الإسرائيلي في الشمال، وقواعد الدفاع الجوي، والرادارات، ووحدات المراقبة الجوية، وما إلى ذلك – أكبر من الأضرار التي كان من الممكن أن تحدث لو تم ضرب مكاتب الموساد أو قواعد الوحدة رقم 8200. نعم، هذا هو الضرر الكامل الذي كان سيلحق بتل أبيب، وكانت العمليةالتي وقعت صباح الأحد ستسمى عملية “سلام تل أبيب” بالكامل. يجب قول الحقيقة، حتى لو كانت مرة.
العملية نفسها كانت مذهلة. تقريبا كماهي العادة . القدرات التي أظهرتها المخابرات والقوات الجوية ليست أقل من التحذيرات. ونوعية المعلومات الاستخبارية التي قدمتها شعبة الاستخبارات العسكرية تعيدنا مجددا إلى الإحباط الناتج عن الفشل في 7 أكتوبر/تشرين الأول .
من اجل معرفة المكان الذي يجب أن تسقط فيه القنبلة بالضبط، ومن أجل إنشاء غرف تحت الأرض في مكان مجهول، حيث يتم تخزين عشرات القذائف الصاروخية أو الصواريخ – يتطلب الأمر قدرة استخباراتية فائقة، وفنية وذكاءً دقيقًا ومعلومات استخباراتية دقيقة . ولمعرفة متى يعتزمون إطلاقها وماذا سيطلقون وأين سيطلقون – يحتاج الأمر أيضا الى ماذكرناه اعلاه. وبعد ذلك يجب معرفة إطلاق أسطول مكون من 100 طائرة مقاتلة من مختلف الأنواع إلى الجو والتأكد من عدم اكتشافها أو اعتراضها وان تتقاسم القطاعات والأهداف فيما بينها وأن تدير هذا التعقيد الذي يحدث قبل بزوغ ضوء النهار فوق أراضي العدو في المكان الأكثر انفجارا في الشرق الأوسط.
تم ضرب جميع الأهداف، وتم تدمير جميع الصواريخ والقذائف الصاروخية المعدة للتدمير، كل هذا حدث دون خسائر في الأرواح في الجانب اللبناني. لأننا لا نريد أن نجعل نصرالله ينتقم مرة أخرى . وبشكل عام أردنا العودة إلى ديارنا بأمان. حينهااستلم نصر الله السلم الذي نزل عليه، عند الساعة السادسة مساء، من شجرة انتقامه المثيرة للشفقة في خطاب مشبع بالأكاذيب والخرافات والخيالات، بهدف إنقاذ شيء من كرامته .
واللافت أن كلاً منهما، نصر الله ونتنياهو، ذكرا بعضهما البعض أمس بالقول إن «هذه ليست نهاية القصة » (نتنياهو) وأن «حزب الله يحتفظ بحق الرد الآخر في المستقبل» (نصر الله) .
وكلاهما يعاني من انتقادات على انهزاميتهما من اتباعهما المحليين . وفي النهاية، أراد كلاهما النزول عن الشجرة دون أن يكسرا رأسيهما. إنه أمر مريح لنصر الله لأن إسرائيل تستمر في النزيف في الشمال، والسكان يستمرون في التنقل من مكان الى أخر في بلدهم، والجليل الأعلى لا يزال شريطاً أمنياً على الجانب الخطأ من الحدود . لقد قام بدوره .
كيف سينتهي الامر ؟ لا يمكن معرفة ذلك . التفاؤل الذي يمكن استخلاصه من اليوم الماضي هو زيادة مؤكدة في فرص تجديد الاتصالات التي أجراها المبعوث الأميركي هوشستين في مسعى التوصل إلى تسوية في الشمال، وحقيقة أن حلم السنوار بـ”توحيد الساحات” ” أصيب بخيبة أمل مرة أخرى. ولعل هذا التوقع لرد فعل حزب الله واحتمال إشعال الشرق الأوسط برمته هو الذي أبقى السنوار على رفض التفاوض على صفقة المخطوفين مع إسرائيل حتى الآن . وربما في الصباح، عندما يدرك هناك، في أعماق النفق، أن الخلاص لن يأتي من نصر الله، سيصل إلى نتيجة مفادها أن الخيار الأقل سوءا بالنسبة له هو صفقة مع إسرائيل ووقف إطلاق النار لفترة أو أخرى، بحيث تسمح له بتنمية توقعات ما بشأن المستقبل. ومن هذه الناحية ، فإن عملية إسرائيل المحدودة في الشمال خدمت الجهود المتواصلة للتوصل إلى اتفاق في الجنوب . دعونا نأمل أن يكون هذا أيضاً أحد أهداف نتنياهو .
موقع واللا العبري