

بالنسبة للفلسطينيين، تُعَد النكبة حدثًا حزينًا يُمثِّل فقدان وطنهم والتهجير القسري الذي تبع ذلك. كأمَّة، يعلنون الحداد للأحداث المأساوية التي حدثت، والتي شهدت اقتلاعهم من منازل أجدادهم الأصلية بطريقة عنيفة لتمهيد الطريق لدولة ذات أغلبية يهودية، كما تصورتها الحركة الصهيونية.
في هذا العام، وبينما يحيي الفلسطينيون الذكرى الخامسة والسبعين لهذا الفصل المؤلم في تاريخهم في 15 أيار، فإنهم يدركون أهمية هذا اليوم والنضال المستمر من أجل العدالة والمساواة وحق العودة إلى وطنهم.
تركت النكبة جرحاً عميقا في المجتمع الفلسطيني، وأثرت ليس فقط على أولئك الذين تم تهجيرهم مباشرة، ولكن أيضًا على أحفادهم الذين نشأوا في مخيمات اللاجئين أو في الشتات. لقد قطعت أوصال الأُسَر والمجتمعات، مما أدى إلى فقدان الثقافة وحس الانتماء. النكبة لا تزال جرحًا مفتوحًا لجميع الفلسطينيين، الذين لا يزالون يواجهون تداعياتها على الرغم من مرور الوقت. عندما توفي والدي قبل شهرين، شعرت بالألم مرة أخرى لعدم لقائي بعماتي اللواتي تم تهجيرهن، وعدم معرفتي ما إذا كن على قيد الحياة أم متوفيات، أو ما إذا عَلِمْن عن والدي الذي كان يتيما منذ ولادته. لا يزال الشعور قوياً بشدة الصدمة الناجمة عن فقدان عائلته بأكملها حتى وقتنا الحاضر.
بغض النظر عن مكان إقامة الفلسطينيين، فإن صدمة النكبة تظل حية ومؤلمة. وبينما يكافحون للتصالح مع فقدان تراثهم ونمط حياتهم، يستمر شعور العجز الذي ألَمَّ بهم في تلك الأوقات المظلمة. ليس من المستغرب أن العديد من شيوخنا رفضوا مناقشة هذا الماضي المؤلم، كونه ببساطة غير محتمل.
لم يناقشني والدَيَّ بهذا الشأن، ولم أتعلم عنه في المدرسة عندما كنت طفلة. فقد كان كل بيت وكل شارع وكل مؤسسة خاضعة لإشراف سلطة الرقابة والسلطة التأديبية الإسرائيلية.
كفلسطينية نشأت داخل الخط الأخضر، بدأت أدرك أن العديد من الإسرائيليين لديهم رغبة ضئيلة لفهمي أو فهم شعبي. يبدو أنهم يكتفون بالتمسك بالفكرة بأن الأرض كانت غير مأهولة قبل النكبة، وأنها الآن تنتمي بحق إلى أولئك الذين كانوا سابقًا دون وطن. هم يقبلون الاعتقاد بأن سكان الأرض الأصليين هم مجرد عرب عاشوا هناك، دون أي ارتباط عميق بالأرض. فكان كما لو أن العرب عاشوا بجانب اليهود، الذين يُعتبرون المالكين الشرعيين للأرض، منذ الأزل.
تركت النكبة جرحاً عميقا في المجتمع الفلسطيني، وأثرت ليس فقط على أولئك الذين تم تهجيرهم مباشرة، ولكن أيضًا على أحفادهم الذين نشأوا في مخيمات اللاجئين أو في الشتات
الإسرائيليون ليسوا على دراية واسعة بالصدمة المستمرة التي لا زال الفلسطينيون الذين تم تهجيرهم قسرًا من منازلهم يعانون ويلاتها. والأسوأ من ذلك، أن الحكومات الإسرائيلية ترفض الاعتراف بأن العنف الذي يتعرض له الفلسطينيون ليس محصورا في العنف الجسدي فقط. بل إنه متأصل بشكل عميق في هيكل الدولة ذاتها – في نظمها ومؤسساتها وأنظمتها. فلا يمكن أن تُعزى المسؤولية عن طرد الفلسطينيين من وطنهم بشكل حصري إلى قلة من القادة الإسرائيليين، مثل ديفيد بن غوريون، أو إلى شخصيات حالية مثل بيتسالئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير، أو بنيامين نتنياهو، الذين يسعون لمواصلة وتكثيف هذا الإرث المدمر. وعندما نتحدث عن أهمية محاسبة الأفراد على جرائمهم الماضية والحالية، فإنه من الأهمية بمكان أن ندرك أن العنف المنظَّم ضد الفلسطينيين قائم ضمن الهياكل الأساسية للمجتمع الإسرائيلي – في مؤسساته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. تترك آثار هذا العنف الهيكلي أثرا بعيد المدى ومستداما، يفوق الهجمات الجسدية المرئية على الفلسطينيين وممتلكاتهم. مع وجود أكثر من 60 قانونا تمييزيا وعدد كبير من السياسات المستهدفة للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، كما يتمتع اليهود بمزايا كبيرة بينما يُحرم الفلسطينيون من جميع أنواع الحقوق.
لفهم الحقيقة الكاملة لمأساة النكبة والصدمة المستمرة التي يعاني منها الفلسطينيون، من المهم تنميق تجاربهم. فيتعين علينا أن ندرك أن وراء كل إحصائية وعنوان وقرار سياسي، هناك أشخاص حقيقيون يمتلكون قصصا حقيقية ونضالات حقيقية. فعن طريق الاستماع إلى هذه الأصوات وتعزيزها، يمكننا أن نبدأ في فهم تعقيد وعمق تجربة الشعب الفلسطيني.
على المجتمع الدولي أن يفهم أن النضال الفلسطيني من أجل العدالة تدفعه الرغبة في رؤيته وسماعه وتقييمه كبشر. فهو نضال من أجل الإقرار والكرامة والاحترام. إن الدعوة إلى «محو الماحي» في هذا السياق هي تعبير قوي عن النضال الفلسطيني من أجل العدالة والاعتراف. وهو يشير إلى المطالبة بالاعتراف بالنكبة ومعالجتها، وكذلك الاعتراف بحقوق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وأرضهم واحترامها. إنها صرخة من أجل استعادة العدالة والكرامة وكذلك من أجل الاعتراف بالشعب الفلسطيني كأعضاء متساوين في الأسرة البشرية.
لم يعد بالإمكان تجاهل صدمة النكبة. فمن الضروري أن يدرك العالم، وإسرائيل على وجه الخصوص، أهمية هذا الحدث ويفهمونه. لقد تم تشكيل تصورات الشعبين اليهودي والفلسطيني من خلال التجارب التاريخية الصادمة. فقد كان تأسيس وصعود دولة إسرائيل عام 1948 بمثابة لحظة خلاص للإسرائيليين. النكبة، مع ذلك، ليست فصلاً مغلقا في التاريخ بالنسبة للفلسطينيين الذين نزحوا بشكل دائم ويعيشون في المنفى أو تحت الاحتلال.
الصدمة مستمرة ولها تأثير على الحياة اليومية لكل فلسطيني، ولهذا السبب لا يمكن نسيان النكبة أو محوها.
التعامل مع تداعيات النكبة هو الطريقة الوحيدة لإيجاد حل والمضي قدمًا. إنه المفتاح لتحقيق الهدوء والاستقرار والحياة الطبيعية في الأرض المقدسة. ولكن، يمكن أن يحدث ذلك فقط إذا تحملت إسرائيل وبقية العالم مسؤولياتهم عن المشاركة في تهجير الفلسطينيين المستمر وعدم حصولهم على جنسية. فإن عدم الاعتراف بالمشكلة ومعالجتها يعرقل التقدم نحو حل سلمي وعادل.
عن القدس العربي