لماذا تركتم “الجهاد الإسلامي” وحيدة؟

ليس السؤال في العنوان أعلاه موجهاً الى جهاتٍ غير معلومة، ولا يخصّ طرفاً بعينه من الأطراف التي خاطبها العدوان أخيراً على قطاع غزة أوائل شهر أغسطس/ آب الجاري، وإنّما هو تساؤل يطرح نفسه بموضوعية على شركاء حركة الجهاد الإسلامي الطبيعيين، وعلى حلفائها السياسيين، داخل القطاع وخارجه، بما في ذلك ما يعرف باسم محور الممانعة، الذي كان قد رفع منذ عدة أشهر شعار وحدة الساحات في الردّ بصورة مشتركة على أي عدوانٍ محتمل ضد أيٍّ من ساحاته، الأمر الذي أغرى “الجهاد” بإطلاق هذه التسمية على مواجهتها الممتدة ثلاثة أيام متواصلة، فكان هذا الشعار الذي سقط في أول اختبار له، أول ضحية من ضحايا العدوان الإسرائيلي الغادر.
ويزداد هذا السؤال إلحاحاً لدى معرفة حجم الضربة التي تلقاها الفصيل الذي يقيم أفضل العلاقات الكفاحية، الأخوية والرفاقية، مع جميع الفصائل، بما في ذلك القوى التي يخالفها الرأي، كما أنّه التنظيم الزاهد في الحكم والسلطة والإدارة، لا ينافس على شرعية أو تمثيل أو يدّعي الصواب والأحقية، الأمر الذي يستعصي على الفهم أكثر، ويضاعف من حدّة السؤال المحرج “لماذا تُركت الجهاد الإسلامي وحيدة، وتخلّى عنها أقرب الأقربين في ساعةٍ من ساعات الشدّة، وهي الفصيل الذي انخرط في كلّ المعارك، ولم يرجُ من مشاركاته أي منافع فئوية”؟
قد ينصرف الذهن، في معرض طرح هذا السؤال الجارح، إلى إخوة “الجهاد” في التراب والدماء والحصار، أي إلى حركة حماس، ويتّجه باللوم المباشرة نحو الشريك الأول، زماناً ومكاناً، إلّا أنّ الواقع يقول إنّ الجميع تخلوا عن الفصيل الذي أسقى عدوه كؤوساً طافحاتٍ بالدم، بما في ذلك حركة فتح والسلطة الوطنية ومنظمة التحرير والفصائل، ناهيك عن حزب الله وأترابه في محور إيران، كما تخلى عنه أيضاً النشطاء المدججون بلغة الوعيد والتهديد على الشاشات، وفوق ذلك الشارع الفلسطيني، الذي أخرج مظاهرة تضامنية صغيرة في رام الله، وأخرى أصغر منها في جنين، ووقفتين متواضعتين في حيفا وأم الفحم.
ولعلّ بيان وقف إطلاق النار الذي أعلنه أمين عام حركة الجهاد الإسلامي من طهران زياد النخالة كان معبراً عن الشعور بالخذلان والترك وخيبة الرجاء لدى من بدوا وكأنهم برامكة هذا العصر، حيث شكر الرجل الممتلئ مرارةً كلّ من اتصل به متضامناً، وهم قلة قليلة، من دون أن يأتي على ذكر جهة بعينها، بما في ذلك حركة حماس وحزب الله، الحليفين المعوّل عليهما، أكثر من الجميع، في مناسبةٍ كهذه. وأحسب أنّه لولا عزة النفس، وضرورة العضّ على الجراح، والتجلّد أمام الخطوب، لفاض لسان النخالة بما هو أكثر حدّة من اللوم والعتب، إزاء من تركوا رجاله يواجهون أقدارهم العمياء من دون عون أو مساعدة.
ومع أنّ حرب الأيام الثلاثة ليست الأولى التي انكسر فيها تقليد كفاحي فلسطيني راسخ، كانت تنطلق بموجبه كل البنادق، من دون تنسيق مسبق، ضد كلّ من يعتدي على طرف بعينه، إلّا هذه الحرب التي قضت على الصف الأول من قادة “الجهاد” الميدانيين، بينهم اثنان من الوزن الثقيل، كسرت تلك القاعدة الذهبية إلى أجل غير معلوم، وأنهت الحديث المرسل عن وحدة الساحة الداخلية ووحدة ساحات الممانعة الخارجية، ناهيك عن غرفة العمليات المشتركة، وغير ذلك من الترّهات عن المفاجآت المدوية، والجهوزية وزلزلة الأرض وشدّ الرحال والنفير العام، وحدّث ولا حرج عن إزالة إسرائيل من الخريطة.
وحسناً أن توارى عن الأنظار، بعد هذا العدوان الآثم، كل الذين تنافخوا خلالها عبر شاشات التلفزة بالكلام الفارغ عن الوحدة الوطنية، وعن المَضاء والكفاءة والفعالية في المعركة، التي لم يُقتل فيها إسرائيلي واحد، بل وراحوا يحصون عدد الرشقات الصاروخية، ويثرثرون عن التنسيق من تحت الطاولة (بعضهم تحدّث عن مؤامرة لاستدراج حركة حماس إلى الفخّ)، من دون أن يتحدّث أحد عن مغزى التسليم باستفراد الاحتلال بفصيل دون آخر.
وبقليل من الشك، يمكن ردّ كلّ هذا التخلي عن “الجهاد” إلى سببين رئيسين، أولهما أن هذا الفصيل المستعد لقتال العدو حتى يوم القيامة، قد ذهب بعيداً في تماهيه مع طهران، إلى حد بدت فيه حركة الجهاد ورقة إيرانية أكثر من كونها ورقة فلسطينية، وهذا مأخذ استغلته دولة الاحتلال وبنت عليه. أما الثاني فكان ماثلاً في تخلي حركة حماس وكتائب عز الدين القسام عن أقرب الأقربين إليها، الأمر الذي صدم عامّة الناس، الذين تساءلوا: “ماذا في وسعنا إذا كان هذا موقف المجاهدين الأشداء؟”.

عن العربي الجديد

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *