لماذا “الرئيس ليس قدوتنا”؟…

خالد الحروب خاص “ملتقى فلسطين”

الصديقات والاصدقاء الكرام، تساءل كثير منكم محقين إن كنت او ايا من الزملاء الذي سارعوا بالتوقيع على مطلب سحب كتاب “قدوتنا رئيسنا” قد اطلعنا عليه قبل “التسرع” بإعلان موقف منه، خاصة في وقت يقف فيه ابو مازن موقف الرافض لصفقة القرن وسوى ذلك. وتفصيلا في الموقف اشير إلى الملاحظات التالية:نعم يجب سحب كتاب “قدوتنا رئيسنا” للأسباب المذكورة ادناه مما يرد في بالي في هذه العجالة، مساهما بهذا الرأي وانا لا اقف على اية ارضية حزبية كما يعلم جميع الاصدقاء، بل منطلقا من التزام وطني ديموقراطي علماني بوصلته فلسطين اولا واخيرا:
اولاً: من حيث الشكل، اصدار مثل هكذا كتاب وبالعنوان الذي يحمله يكرس الابوية والشخصنة مهما كان المضمون ومهما كانت الدفوعات التي تُساق. ونحن نريد ان نبني مجتمعا ودولة مدنيين قائمين على الحرية والعقل النقدي وليس على الشكل الابوي الذي استنزف مجتمعاتنا وحطمها. هذه الابوية التي كتب عنها هشام شرابي منذ عقود هي احدى عوائق تقدم مجتمعاتنا، لأنها تنصب فوق المجموعة المعنية من العائلة إلى المدرسة إلى المؤسسة إلى الوزارة وصولاً الى هرم السلطة آلهة صغيرة تتسلط على الافراد وعليهم ان يتبعوها من دون اي فكر نقدي، ومن دون الشعور بالتمكين الذي يتيح لأي فرد مهما كان صغيرا ان ينتقد من هو على رأس الهرم. ليس هناك سياسي معين يجب ان يكون قدوة للمجتمع، لأن السياسي بالتعريف صاحب مواقف خلافية ومفتوحة للنقاش والقبول والرفض. الابوية السياسية هي نسخ عن القبلية التي تكلس المجتمعات و لا تحررها ولا تطلق طاقاتها. لهذا فإن رفض فكرة الكتاب يأتي اولا وابتداءً من ناحية الشكل وبغض النظر عن المضمون مهما كان جيدا. كنا نتفاخر كفلسطينيين بأننا نسبق المجتمعات العربية الاخرى في التحرر والتنوير والحداثة، ولا اعرف شخصيا اي كتاب مشابه صدر في اي دولة عربية يكرس هذه الابوية حتى في اكثر المجتمعات تقليدية، والكتاب الابوي الوحيد هو الكتاب الاخضر للقذافي، وافترض بأننا لا نحب ان نقترب من اي تصنيف قريب من القذافي وكتابه. والنقطة الاخرى المتعلقة بالشكل هي القول بأن الكتاب مبادرة فردية لطالبات الصف العاشر في مدرسة البيرة وسوى ذلك. ما يقضي على هذه المبادرة الفردية وينقلها الى مستوى آخر تماما هو الإحتفاء الرسمي بها وزاريا وحكوميا، والتصريح رسميا بأن وزارة التربية والتعليم سوف تقوم بطبع آلاف النسخ من الكتاب وتوزعها على المدارس، كما ورد الاخبار. وإن كان اياً من تلك الاخبار غير دقيق فأنا اسحب هذه النقطة. والتواقيع والحملة هدفها ان لا يفرض الكتاب على المدارس بأي صيغة كانت.ثانيا: من حيث المضمون، ما ذكره اصدقاء كثر من ان مضمون الكتاب موضوعات تؤكد الحق الفلسطيني وتدافع عنه وتشرحه وسوى ذلك لا يقدم اي شيء جديد. الموضوعات التي كتب فيها ابو مازن مشكورا في كل كتبه كتب عنها ايضا وبعمق اكثف واشمل كتاب ومثقفون واكاديميون ومناضلون كثر، ولا يشكر اي منهم بما فيهم الرئيس على الدفاع عن الحق الفلسطيني فذاك ما نتوقعه جميعا من كل من يتصدى للشأن العام الفلسطيني وخاصة من هم في موقع القيادة. اضافة إلى ذلك، اذا كان هناك حاجة إلى كتاب يشرح للأجيال الشابة والقادمة الحق الفلسطيني وتاريخه ويدحض مقولات الصهيوينة وسوى ذلك، فإن هناك الف طريقة اخرى لإنجاز مثل هذا الكتاب والاستفادة من الادبيات التي انتجها فلسطينيون كثيرون، ويجب ان لا تُحصر بكتابات الرئيس او اي شخص آخر مهما كان.ثالثاً: الرئيس ابو مازن ليس محصورا بما كتبه من ابحاث وكتب على اهميتها، بل هو قائد وسياسي ورئيس سلطة خلافي من الدرجة الاولى وما يتذكره به الشعب الفلسطيني في السنوات الاخيرة هو تصريحاته الخلافية في اكثر الموضوعات حساسية للشعب. مثلا، هل نريد لاجيالنا في المدارس ان تكون قدوتهم سياسي يقول بأنه لا يريد العودة إلى صفد مسقط رأسه، هل هذه هي القدوة لملايين اللاجئين المتمسكين بحق العودة؟ هل نريد من اجيالنا ان تكون قدوتهم سياسي يكرر صباح مساء بأنه ضد المقاومة وأن مستقبل الشباب الاسرائيلي يقع في قائمة جدول همومه، هل نريد من اجيالنا القادمة ان تكون قدوتهم سياسي يقول بأنه حتى لو كان هو الرئيس فإن اصغر جندي اسرائيلي يستطيع ايقافه عن حاجز عسكري وإعادته إلى بيته، هل نريد لاجيالنا القادمة ان تكون قدوتهم سياسي يقول إن التنسيق الامني مع اسرائيل يشتغل بنسبة 99 في المائة، وهو التنسيق الموجه عمليا لحماية المستوطنات والمستوطنين؟ هل نريد لأجيالنا ان تكون قدوتهم سياسي لا يزور اهالي الشهداء في الضفة الغربية ويخجل منهم؟ هل نريد لأجيالنا القادمة ان تكون قدوتهم سياسي يتبع سياسات اقل ما يمكن ان يُقال فيها بأنها تساهم في خنق مليوني فلسطيني في قطاع غزة بما فيهم كوادر حركة فتح نفسها؟سيُقال هنا بأن كل تلك التصريحات سياسية ولها سياقات مختلفة ويجب ان نكون اذكياء ونفهم المقصد من ورائها، وهناك الف تبرير لكل تصريح وهذا من حق الرئيس ومؤيديه، لكن المحصلة هي ان سياسي بمثل هذه الدرجة من الخلافية لا يمكن ان نقبل كمثقفين ووطنيين وسياسيين ان يكون قدوة لأجيال المستقبل، ولا اي سياسي آخر مهما علا كعبه. وسوف يُقال ايضا ان انتقاد الرئيس يحصل الآن في الوقت الذي يقف فيه وقفة صلبة وقوية ضد صفقة القرن وضد كل الضغوطات الكبيرة التي مورست عليه، وهذا موقف صحيح لكن لا يُشكر عليه ولا يُشكر اي قيادي فلسطيني على رفض صفقة القرن وعلى الصمود امام وجه الضغوطات لأن هذا هو الموقف الطبيعي والمتوقع، وهو الواجب الوطني وفي حده الأدنى.ابو مازن هو احد مهندسي اوسلو ان لم يكن مهندسها الاول، وكان الاشجع عقب التوقيع على الاتفاق الذي قسم الشعب الفلسطيني الى قسمين ونعاني من اثاره المدمرة حتى الان، لأنه صرح يومها ان الاتفاق قد يقودنا إلى دولة وقد يقودنا الى كارثة.على الرئيس وكل مهندسي اوسلو وبعد مضي اكثر من ربع قرن ان يكاشفوا الشعب ويقولوا له إلى اين وصلنا. ليقولوا ذلك بكل شجاعة ومن دون التواءات سياسية، الشجاعة هنا هي التصرف الذي لو حصل او يحصل فإنه يكون قيمة مهمة تستحق الاقتداء بها.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *