هناك أثر يتخطى كل الحواجز وينتصر على آلة الموت صباحا ومساء ، وفي المعنى الأدق: الكتابة تحررنا وتنتصر لنا.

 ففي الأمس وبعد أن أنهيت ساعة الرياضة الصباحية جلست إلى جانب بعض الاخوة في ساحة السجن كان من بينهم أخ  قدم حديثا للقسم سلمت عليه فعرفني باسمه وعندما عرفت باسمي وثب من مكانه وأمسك برأسي مقسما أن يقبله، تفاجأت من ردة فعله فأنا لا أعرفه من قبل، رأيت الفرحة والدموع في عينيه وهو يردد لمرات كثيرة الحمد لله ربنا حقق حلمي ثم سأل  “معقول معقول؟ لغاية اللحظة وأنا في حالة ذهول مما أرى.

جلسنا وحدثني عن معاناته في زنازين التحقيق التي مكث بها 63 يوما وكشف عن صدره ليكشف عن آثار التعذيب المحفورة على جسده وفي كل مرة كان يقطع حديثه ويكرر الحمد لله تحقق حلمي، رأيت كما لو أنه قد عاد صغيرا رغم أنه أكبر مني سنا وله زوجة واولاد.

 قال لي أحمد زكارنة أبو صالح أنه خرج بحالة نفسية صعبة جدا من التحقيق كان يمضي الليل وهو يبكي أحيانا على أولاده وعلى ما مر به إلى أن حضر إلى سجن جلبوع تحديد قسم 4 فاحتضنه الأخ رامي نور وبعض الاخوة الذين وقفوا إلى جانبه، وفي تلك الفترة وجد كتابي للسجن مذاق آخر وبدأ يقرأ به وفي كل محطة كان يقسم مجددا أنه كان يعيده إلى كل اللحظات القاسية أثناء التحقيق والتعذيب وأثناء البوسطة وفي كل مفاصل حياة الأسير كان يكرر باستمرار أن هذا الكتاب قد أعاد له روحه وأنه يجب أن يوضع في كل بيت ويوزع على كل مدار س الوطن وجامعاته لأن ما فيه يختصر على ابنائنا آلافا بل عشرات الآلاف من السنوات التي يقضوها داخل السجون بفعل العصافير “الجواسيس” وأخطاء صغيرة أخرى وأن الأجيال الحالية بحاجة لكثير من التوعية حتى لا تقع في الأخطاء السابقة.

بقي أبو صالح يقرأ بالكتاب ويكرر القراءة حتى عادت له روحه المعنوية فصار يمسك كل شاب قادم جديد ويعطيه الكتاب ليقرأه حتى أصبح هذا الكتاب دليلا للأسرى الجدد داخل القسم.

رواية أبو صالح الحقيقية جعلتني أكثر إصرار ا على مواصلة هذا الطريق والإصرار على الكتابة وعلى المشوار الذي بدأت حتى أنني أمضيت ليلة كاملة وأنا أحلق خارج السجن وأتحسس الحرية بمعانيها المختلفة فعندما اخترت عنوان الكتاب “للسجن مذاق آخر” كنت أدرك أن بإمكان الفلسطيني أن يصنع من الموت حياة ومن السجن مدرسة وبستانا وحديقة منزل وأنه قادر على  تحويل هذه الجدران للوحات فنية رغم عتمتها ورطوبتها فالفلسطيني قادر على صناعة المستحيل ويتقن فن زراعة الأمل.

سجن ريمون

 1 يونيو  2022

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *