لبنان تحت الضغط الدولي: مساعدات مقابل تفكيك حزب الله؟

تجري حاليا ثلاث عمليات رئيسية في لبنان :
- محاولة الحصول على مساعدة اقتصادية – تحاول الحكومة اللبنانية إنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعاني منها منذ عام 2019، والتي تنبع من عقود من الفساد والإدارة الفاشلة والديون الخارجية الكبيرة وغياب الإصلاحات البنيوية الهامة .
أعلنت لبنان في بداية عام 2020، عن إفلاسها بسبب ديون خارجية تقدر بنحو 31 مليار دولار، ومنذ ذلك الحين وهي تحاول التوصل إلى اتفاقيات مع صندوق النقد الدولي – الجهة الرئيسية التي يمكن أن توفر لها حبل إنقاذ . وفي عام 2022، تم التوصل إلى مسودة اتفاق مع الصندوق بقيمة حوالي 3 مليارات دولار، ولكن لأن لبنان لم تنفذ الإصلاحات المطلوبة منها ــ وفي المقام الأول إعادة تنظيم النظام المصرفي ــ فإن الاتفاق لم يدخل إلى حيز التنفيذ.
وفي الشهر الماضي، وصل ممثلون عن الصندوق إلى لبنان بهدف التوصل لاتفاق جديد . وعلى ضوء تقديرات البنك الدولي بأن القتال بين إسرائيل وحزب الله تسبب في أضرار اقتصادية تقدر بنحو 11 مليار دولار، يمكن افتراض أن الإتفاق القادم إذا تم التوقيع عليه سيتضمن مبلغ أكبر من المبلغ السابق .
ويعلق لبنان آماله أيضاً على مصادر تمويل إضافية. فعلى سبيل المثال، وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقية مساعدات مع الدولة في عام 2024 بقيمة مليار يورو، لكنه ربط تحويل جزء من المبلغ بشرط تنفيذ إصلاحات في النظام المصرفي وتوقيع اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي . وبحسب تقارير من لبنان، فإن المملكة العربية السعودية ــ التي تدعم البلاد اقتصادياً ــ تشترط أيضاً إجراء إصلاحات بنيوية لتقديم جزء من مساعداتها . - ضغوط من جانب إدارة ترامب – وفقًا لتقارير في وسائل الإعلام اللبنانية، تهدد الولايات المتحدة بأنه إذا لم يعمل الرئيس اللبناني جوزيف عون والحكومة بشكل حقيقي ضد حزب الله، فإنها ستمنع المساعدات الاقتصادية عنهم.
تدرك واشنطن أن الرافعة الرئيسية للتأثير على لبنان هي اقتصادية، رغم أن المساعدات الأميركية لهذا البلد محدودة نسبيا . وفي الشهر الماضي، وافقت الولايات المتحدة على تقديم مساعدات عسكرية بقيمة 95 مليون دولار فقط للجيش اللبناني، بهدف تعزيز قدراته في التعامل مع حزب الله في جنوب البلاد وتطبيق شروط وقف إطلاق النار.
ومن المحتمل أن التهديد الأميركي بحجب المساعدات الاقتصادية عن لبنان يهدف إلى الضغط على السعودية، على سبيل المثال، لعدم تحويل الأموال ، لكن حتى وقت كتابة هذه السطور، لاتبدو الأمور واضحة بما فيه الكفاية . وبحسب التقارير فإن الولايات المتحدة تنتظر من الجيش اللبناني نزع سلاح حزب الله، أي مصادرة أسلحته واتلافها بشكل كامل . - إطلاق الصواريخ على إسرائيل – صحيح حتى وقت كتابة هذا التقرير، ان حزب الله امتنع عن التصعيد العلني مع إسرائيل، على ما يبدو انطلاقا من فهمه بأن المواجهة المباشرة قد تؤدي إلى تصعيد عسكري واسع وخطير . وبدلاً من ذلك، يكتفي الحزب بإطلاقات محدودة وغير مباشرة في بعض الأحيان، من خلال منظمات بالوكالة.
ويزعم بعض المعلقين في لبنان بأن هناك توترات داخلية داخل الحزب، بين جناح معتدل نسبيا – وهو على استعداد للتكيف مع الواقع الجديد الناجم عن ضعف تأثير سوريا وإيران في المنطقة – وجناح متطرف جدا وهو يتطلع إلى مواصلة القتال ضد إسرائيل بأي ثمن.
ماهو المتوقع فيما بعد ؟
تعتزم الحكومة اللبنانية دفع اصلاحات واسعة النطاق، وخاصة في النظام المصرفي، على أمل أن تؤدي هذه الخطوات إلى تحرير أموال صندوق النقد الدولي ــ وهو التمويل الأساسي الحيوي لإعادة بناء الاقتصاد اللبناني. ولكن مع ذلك معقول أفتراض أن يحاول حزب الله وحلفاؤه عرقلة التشريع المطلوب في البرلمان، خوفاً من المساس بمكانتهم السياسية.
يستفيد حزب الله من البنية غير الشفافة للنظام المصرفي في لبنان، الأمر الذي يسمح له بتحويل التمويل لأنشطته بطرق سرية. ولذلك، فمن المتوقع أن يعارض هو ــ وكذلك الأحزاب الأخرى التي تستفيد من غياب الرقابة، بما في ذلك بعض معارضيه ــ الإصلاحات التي تتطلب شفافية ورقابة وإعادة تنظيم أكثر صرامة.
وبشكل فعلي فإنه حتى لو تم التوصل إلى تفاهم مبدئي مع صندوق النقد الدولي بشأن مسودة اتفاق جديد، فإن عدم وجود أغلبية برلمانية تدعم الإصلاحات اللازمة سوف يجعل من الصعب تنفيذ الاتفاق وتحرير التمويل الفعلي . وقد تكون النتيجة أن معظم الأموال الأساسية المخصصة لإعادة إعمار البلاد سوف تظل عالقة، باستثناء المساعدات الإنسانية الأساسية أو الدعم المحدود من البلدان ذات المصلحة الجيوستراتيجية الواضحة ــ مثل الولايات المتحدة الأمريكية .
وفي موازاة ذلك ستستمر واشنطن على مايبدو في ممارسة الضغوط على الحكومة اللبنانية وجيشها لاتخاذ خطوات ملموسة لنزع سلاح حزب الله . وقد يحاول الرئيس اللبناني وكبار المسؤولين الحكوميين تقديم إجراءات تنفيذ رمزية، مثل مصادرة مخازن اسلحة أو تحديد أماكن وسائط قتالية لعرض إنجاز سياسي أمام الولايات المتحدة . ومع ذلك سيترددون في القيام بخطوات دراماتيكية، خوفاً من رد فعل قاسٍ من جانب حزب الله وتدهور الوضع إلى صراع داخلي .
وعلى صعيد إطلاق النار على إسرائيل، يستطيع حزب الله على اامدى القصير أن يواصل استراتيجيته الحذرة التي تهدف بشكل رئيسي إلى الحفاظ على صورة “قوة المقاومة” في مواجهة إسرائيل من أجل الحفاظ على تأييده من جانب الجمهور الشيعي، ولكن أيضا لتجنب التصعيد المباشر الذي قد يعرضه لمزيد من التآكل. وتتضمن هذه السياسة استخدام عناصر بالوكالة، بشكل خاص فلسطينية أو إسلامية مثل “الجماعة الإسلامية”، لتنفيذ عمليات إطلاق نيران باتجاه إسرائيل ــ مع الحفاظ على “مسافة أمنية” رسمية.
من جانبها، أعلنت إسرائيل أنها لن تقبل بعد الآن التمييز بين حزب الله و”العناصر المجهولة”، وأن أي إطلاق نار من جنوب لبنان بالنسبة لها سوف يعتبر مسؤولية حزب الله ــ وهو ما قد يبرر ردود فعل قاسية، تتضمن شن هجمات في عمق لبنان، بما في ذلك على الضاحية الجنوبية في بيروت .
المصدر: موقع ايفوك