لا تدعوا إسرائيل تستفرد بفلسطينيي الداخل

قال دافيد بن غوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي “الكبار يموتون .. والصغار ينسون” بالإشارة إلى الشعب الفلسطيني بعد نكبة عام 1948، لكن وحدة الشعب الفلسطيني التي تجلت أخيراً خلال هبة الأقصى، أسقطت تلك المقولة العنصرية؛ فكبار السن نقلوا إلى أبنائهم وأحفادهم بالتواتر حب الوطن الفلسطيني والانتماء له كهوية جامعة.
وعلى الرغم من مرور ثلاثة وسبعين عاماً على النكبة، بقيت فلسطين والهوية الحاضر الأكبر في وجدان الأجيال اللاحقة التي امتلكت ناصية العلم والمعرفة على امتداد فلسطين التاريخية والمهاجر القسرية؛ معلنة بداية النصر على محتل اغتصب أرضهم وشتت شعبهم.

مراحل الكفاح الوطني

شارك فلسطينيو الداخل بكافة مراحل الكفاح الوطني الفلسطيني؛ عبر حركات مختلفة، وكان من أهم صورها مشاركتهم بشكل لافت في الانتفاضتين الأولى والثانية؛ وأخيرا كانوا الأكثر حضوراً جنباً إلى جنب مع المقدسيين لحماية الأقصى وأحياء القدس المختلفة من سياسات التهويد والطرد الإسرائيلية الممنهجة؛ وترافق ذلك مع مظاهرات فلسطينية حاشدة في مدن الداخل الفلسطيني معبرة عن الانتماء للهوية الفلسطينية، من خلال دعمهم للمقدسيين ورفضاً لسياسات الاحتلال الرامية لتهويد الزمان والمكان في الجليل والنقب والداخل المحتل برمته. الأمر الذي دفع إسرائيل اعتبار تلك المظاهرات التي رسمت منحى جديدا لم تشهده من قبل؛ بمثابة أعمال شغب وأفعال جنائية يعاقب عليها “القانون الإسرائيلي” غير الشرعي أصلاً، وتبعاً لذلك استخدمت الشرطة الإسرائيلية والأجهزة الأمنية، وخاصة جهاز الشاباك وسائل العنف ضدهم؛ كما اعتقلت إسرائيل منذ بداية هبة الأقصى الرمضانية (1550) فلسطينياً، من بينهم (87) في المائة من فئة الشباب، والهدف من ذلك قتل روح المقاومة لدى فلسطينيي الداخل وإرهابهم، وتهميشهم في كافة ميادين الحياة التي فرضت عليهم قسرياً بعد إنشاء إسرائيل في الخامس عشر من أيار/مايو 1948؛ حيث اعتبرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مجرد وجود الأقلية العربية في أرضها خطراً وجودياً على إسرائيل.
وقد تعزز ذلك من قبل حكومة نتنياهو مجدداً خاصة بعد هبة الأقصى الرمضانية والمشاركة الواسعة لفلسطينيي الداخل خلالها للتعبير عن وحدتهم الوطنية وانتمائهم الوطني الفلسطيني. ولهذا ستستمر إسرائيل في اتباع سياسة القمع والاعتقال والإرهاب والتمييز العنصري محاولة منها لإخضاع الفلسطينيين وإجبارهم تالياً على الرحيل واحتلال أرضهم وعقاراتهم المتبقية بحوزتهم .

محاولات الأسرلة

سعت إسرائيل عبر مؤسساتها المختلفة جاهدة لطمس الهوية الأصلية لفلسطينيي الداخل، فحاولت جعل الدروز والشركس قوميات منفصلة، وفرضت عليهم الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي منذ عام 1958، وحاولت التفريق بين العرب المسلمين والمسيحيين، وتقسيم المسيحيين إلى طوائف شرقية وغربية، والمسلمين إلى مذاهب مختلفة.
وقد مرّ فلسطينيو في الداخل بثلاث فترات بين عامي 1948 و2021، وتميزت الفترة الأولى (1948-1966) وهي فترة الحكم العسكري الإسرائيلي، باستصدار إسرائيل 34 قانوناً لمصادرة الأراضي العربية، سواء تلك التي تعود ملكيتها للاجئين الفلسطينيين في الشتات، أو لأصحابها الموجودين في إسرائيل الحاضرين الغائبين الذين يقطنون في قرى ومدن غير تلك التي طردوا منها.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، يقطن جزء من أهالي قرية صفورية في قضاء الناصرة قرب قريتهم التي طردوا منها عام 1948، ويُمنعون من العودة إليها، ويقدر مجموع الحاضرين الغائبين بنحو 280 ألف عربي فلسطيني. وتوالت السياسات الإسرائيلية لمصادرة مزيد من الأراضي العربية، وبلغت المصادرة أوجها في آذار- مارس 1976، حيث تمت مصادرة إسرائيل نحو 21 ألف دونم من قرى سخنين وعرابة وغيرها من القرى الفلسطينية في الجليل والمثلث، وعلى خلفية ذلك قام فلسطينيو الداخل بانتفاضة يوم الأرض في 30 آذار/ مارس 1976، وسقط خلالها 6 شهداء من القرى المذكورة، وأصبح هذا اليوم يوماً وطنياً في حياة الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده كافة، تتجسد فيه الوحدة الوطنية الفلسطينية دفاعاً عن عروبة الأرض وضد مصادرتها من قبل المحتل الإسرائيلي.
استمر الجيش الإسرائيلي في مصادرة الأراضي العربية تحت حجج وضرورات الأمن، ولهذا فإن الفلسطينيين، على رغم من ارتفاع عددهم من 151 ألفاً عام 1948 إلى أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني خلال العام الحالي 2021 ، يمثلون نحو عشرين في المائة من سكان إسرائيل، لكنهم لا يملكون سوى ثلاثة في المائة من الأراضي التي أقيمت عليها الدولة الإسرائيلية عام 1948 في ظروف دولية وإقليمية استثنائية وبدعم من بريطانيا في الدرجة الأولى.

سبل الدعم

في ظل ما يتعرض له فلسطينيو الداخل من اعتقال وملاحقة وهدم للمنازل ومصادرة للأرض، لابد من الاستمرار في ترسيخ الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني التي تجلت خلال هبة الأقصى ومفاعيلها؛ على اعتبار أن فلسطينيي الداخل هم جزء رئيسي وهام من المشروع الوطني الفلسطيني؛ الذي يتشكل موشوره من وحدة الشعب الفلسطيني داخل فلسطين التاريخية والمهاجر القريبة والبعيدة، كما ينبغي الاستمرار في دعم صمود وتثبيت فلسطينيي الداخل بحراكات جماهيرية ميدانية داخل فلسطين وخارجها، ورفع شعارات ويافطات وصور واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وبلغات عديدة ؛ تؤكد عنصرية إسرائيل إزائهم .
ويقع على كاهل الأحزاب العربية في الداخل إعادة اللحمة بشكل متسارع لمواجهة الاحتلال ، وذلك عبر تغليب المصالح الضيقة والتناقضات الثانوية لصالح البوصلة الحقيقية؛ وتحتم الضرورة التأكيد على الدوام من قبل منظمة التحرير الفلسطينية والسفارات الفلسطينية المنتشرة في عدد كبير في دول العالم على الهوية الفلسطينية لفلسطينيي الداخل ونضالهم المشروع ضد نظام الأبرتهايد الإسرائيلي؛ والذهاب إلى أبعد من ذلك من خلال السعي لمقاضة دولة الاحتلال الإسرائيلي عن سياساتها العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني على امتداد فلسطين التاريخية، وثمة تقارير لمنظمات حقوقية دولية توثق لذلك وتعزز هذا التوجه . ويبقى القول أن فلسطينيي الداخل هم أشجار الصبار في مواجهة الاحتلال.

عن القدس العربي

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *