كي لا تقولوا أن اليهود يقتلون بسبب الاحتلال فقط
في كل مرة تأبى الآذان والأبصار أن تصدق. قُتلت أم شابة من سكان بيت حجاي جنوب جبل الخليل، على يد (مخربين) أطلقوا عشرات الرصاصات على السيارة التي كانت تستقلها. كما قُتل أب وابنه، كانا قد ذهبا للتو لغسل سيارتهما في حوارة. كيف يمكن أن يظل الفلسطينيون، بعد 56 عاما من الاحتلال، يرفضون الاعتراف بحق اليهود في العيش بأمان في المناطق؟
تشير الإحصائيات إلى أن تيماهون الإسرائيلي لديه ما يعتمد عليه. ووفقا لبيانات “بيتسلم”، قُتل 22 يهوديا هذا العام حتى شهر يونيو/حزيران، رغم أنهم أكثر بخمسة أضعاف من العام الماضي، ولكن أقل بعشر مرات من العام القياسي، 2002، عندما قُتل 269 إسرائيليا. وفي المقابل، بحلول يونيو/حزيران من هذا العام، كان 160 فلسطينياً قد قتلوا، مقارنة بـ 183 فلسطينياً في العام الماضي و1021 في عام 2002. وبالمناسبة، لم يكن هذا العام هو العام الأكثر دموية من وجهة نظر الفلسطينيين، بل إن هذا اللقب مخصص لـ 2014، عام “تسوك ايتان”، الذي استشهد فيه 2271 فلسطينيا. وهذه الإحصائية مهمة، لأنها تشير إلى أنه على الرغم من المآسي الشخصية التي أصابت أهالي القتلى، إلا أن الاحتلال لا يزال رخيصا. حقا بثمن البيع.
ومن هنا القلق الذي ينشأ في كل مرة من جديد حول مسألة ما إذا كانت انتفاضة أم مجرد موجة. هل هذا (إرهاب) أفراد أم أن هناك بنية تنظيمية وراءه؟ هل حماس والجهاد الإسلامي فقط، أم أن إيران هي التي توجه وتمول وتنفذ؟
ويحلق المعلقون العسكريون والخبراء في الشؤون الفلسطينية ثماني مرات في الهواء لتسوية التناقضات التي لا يمكن التوفيق بينها. ويقولون إن هذه ليست انتفاضة، لأنه لم تكن هناك سوى انتفاضة واحدة. ربما نسوا أن هناك فترتين كان عنوانهما “الانتفاضة”. الأول خرق اتفاقات أوسلو، التي اعتبرت أفظع جريمة سياسية يمكن أن ترتكبها حكومة إسرائيلية، ولم يتم تقديم مرتكبيها إلى العدالة بعد. الانتفاضة الوحيدة الجديرة بالذكر هي «الثانية» فقط، وكأنها رواية انتصار إسرائيلي يهدأ بعده البلد. ومنذ ذلك الحين لم تحدث انتفاضة، بل هناك فقط “أمواج”، وهي ظواهر طبيعية قصيرة لا يمكن السيطرة عليها، تقاس بأجهزة قياس الزلازل، لكن لا أحد مسؤول عن حدوثها.
يُنظر إلى الانتفاضة على أنها حدث لمرة واحدة، وأي مقارنة بينها وبين سلسلة من الهجمات الإرهابية “فقط” ستضر بمكانتها الفريدة كحدث مؤلم لا يمكن تصور حدوثه مرة أخرى. لأن الانتفاضة إذا جددت أيامها ستكشف الأكذوبة التي نجحت إسرائيل بموجبها في قمع طموحات الانتفاضة الفلسطينية. وسوف يبدد الأسطورة القائلة إنه من الممكن إدارة الاحتلال لعقود من الزمن دون دفع ثمن.
وطالما لم يتم تعريف الانتفاضة الفلسطينية على أنها انتفاضة، فمن الممكن أن نمسك بالعصا من كلا الطرفين. كلاهما لإلقاء “اللفتات الإنسانية” من أجل “الحفاظ على نسيج الحياة”، ولقتل مالك أرض فلسطيني أراد حماية أرضه من الغزاة اليهود. من الممكن السماح للفلسطينيين بالعمل في إسرائيل، ولكن منعهم من عبور بضع عشرات من الأمتار لزراعة أراضيهم. وفجأة يتبين أن آلاف الفلسطينيين الذين يحملون جوازات سفر أميركية يمكنهم المرور عبر إسرائيل، حتى يتمكن الإسرائيليون الذين يرغبون في زيارة الولايات المتحدة من الحصول على إعفاء من التأشيرة. ونعم، يستطيع الإسرائيليون الاعتناء بسياراتهم في حوارة وكأن لا احتلال ولا احتلال. عندما لا يكون هناك احتلال فلا يوجد ما نخاف منه.
لكن الانتفاضة هي حالة ذهنية بقدر ما هي عمل من أعمال العنف. وسيستمر ما دامت أسبابه الأساسية موجودة. إن الجهود الرامية إلى حبسها في تعريفات فنية، إحصائية، تنظيمية وجغرافية تؤكد فقط مدى غرق إسرائيل في مرجل الخداع الذي خلقته، في محاولة أجوف لفصل جرائم الحرب التي ترتكبها في المناطق عن نتائجها. هذه هي الأكاذيب التي تسمح لها بمواصلة بناء المستوطنات وتبييض معسكرات الجريمة وكأن لا علاقة بينها وبين «إرهاب الأفراد»، والاعتقاد بأن الثمن لا يزال يستحق ذلك.
(المصدر: هآرتس)